قضايا وآراء

مشروع مشرقي مركزه سورية

| مازن جبور 

زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، الأولى من نوعها منذ انتهاء أزمة العلاقات بين البلدين، لم تكن سورية محضة، رغم أن الملف السوري كان على رأس أولوياتها، بل جاءت ضمن إستراتيجية روسية ربما تهدف موسكو من ورائها إلى أن تكون سورية مركزاً مهماً في المشرق الجديد.
من الواضح، أن روسيا تعمل على الاستثمار في الوقت بدل الضائع من عمر الإدارة الأميركية الحالية لتحكم قبضتها على الامتداد الجيوبوليتيكي لشرق المتوسط بحيث يشكل لها مرتكزاً رئيسياً على الساحة الدولية العالمية، لتؤكد مجدداً أن نظاماً دولياً جديداً يتشكل.
بعد إعلان واشنطن تعليق مباحثاتها مع موسكو بشأن سورية برزت مجموعة من التفاعلات الإقليمية والدولية، بعضها كان مفاجئاً، كتصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي الأمر الذي أوجع السعودية، ليتبع ذلك طلب روسي من مصر بالسماح لها بإقامة قاعدة بحرية على شواطئها المتوسطية، ما يوحي بأن مصر تقف على عتبة اصطفاف اقليمي ودولي جديد.
الحدثان السابقان جاءا بعد إعلان موسكو أن منظومة الدفاع الجوي «إس 300» باتت في سورية، وإرسالها منظومة الدفاع الجوي «إس 400» الأقوى في العالم، لتكون بذلك قد نصبت أقوى منظومة دفاعية روسية في سورية.
خطوتا روسيا لا يمكن التقليل من أهميتهما، فأنظمة «إس 300» يمكن لها إسقاط طائرة على مسافة 400 كيلو متر، ومنظومة «إس 300 في4» المتطورة قادرة على اعتراض صواريخ كروز والرؤوس الحربية للصواريخ البالستية التكتيكية وأيضاً الهجمات البرية، أما صواريخ «إس 400 تريومف» فهي تستطيع إسقاط جميع وسائل الهجوم الجوي الموجودة حالياً بما فيها الطائرات والمروحيات والطائرات الموجهة عن بعد والصواريخ الجوالة والصواريخ البالستية التكتيكية.
علاوة على ذلك، فإن رادار هذه الصواريخ يقوم بتغطية أراضي سورية والمناطق الغربية من العراق وفلسطين كلها والأردن وشمال سيناء وجزءاً كبيراً من المجال الجوي التركي بما في ذلك أنقرة والجزء الشرقي للمتوسط.
وعشية وصول بوتين إلى تركيا، وصف رئيس الوزراء التركي الوضع في سورية بـ«المعقد للغاية»، معتبراً أن «الخلافات لا تزال موجودة»، ما يوحي مع التصريحات الروسية المقابلة بأنه لن تحدث اتفاقات من النوع الفارِق بخصوص سورية، وأن أقصى ما يمكن التوصل إليه روسياً وتركياً هو تفاهمات في الشق الكردي من المعادلة.
ويبدو أن موسكو ترغب في زيادة الشرخ بين أنقرة والإدارة الأميركية القادمة، الأمر الذي سيخفف من العوائق أمام مشروع بوتين بإحداث تحول إستراتيجي في شرق المتوسط، وفي هذا الإطار لوح بن علي يلدريم بالتدخل شرقي نهر الفرات إذا ما استمرت «الأنشطة الإرهابية» هناك، في رسالة مبطنة لواشنطن الموجودة هناك لدعم «قوات سورية الديمقراطية».
كما سعى بوتين لامتصاص القلق التركي من الوجود الروسي في المنطقة عبر إعطاء طمأنات لأردوغان، وعزز طمأناته باتفاقات اقتصادية مع وعد موسكو لأنقرة بتسهيلات لخفض الضرائب على إنشاء الجزء البحري والفرع الثاني من «السيل التركي»، على حين تعفي أنقرة شركة «غازبروم» الروسية من ضرائب الدخل بالقسم البحري، كما قال بوتين: إن شركة «روسكوسموس» مستعدة للمشاركة في مناقصة لبناء وإطلاق أقمار صناعية لمصلحة تركيا.
خلاصة القول: زيارة بوتين لتركيا جاءت في وقت بالغ الحساسية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا أم على صعيد الظروف الإقليمية والدولية، ورغم أنها لم تحدث فارقاً بالشأن السوري، إلا أنها صبت في إطار مشروع مشرقي بقيادة روسية، مركزه سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن