قضايا وآراء

سورية لن تكون مكْسر عصا؟

| صياح عزام 

حفلت الأيام القليلة الماضية بمواقف وتصريحات مستلهمة من نظرية «حافة الهاوية»، وذُكرت الحرب العالمية الثالثة في أكثر من تصريح، وخاصة التصريحات الصادرة عن واشنطن ولندن وباريس وحتى برلين، ولا يهم كثيراً أن أكثرها جاء في سياق النفي والاستبعاد كذلك ذُكرت الحرب الإقليمية الواسعة في تصريحات عراقية في إشارة إلى الوجود العسكري التركي «الاحتلالي» في العراق، والرد عليها من أردوغان ورئيس وزرائه.
إذاً، تصريحات مُفعمة بالتصعيد والتحذير والتهديد بحروب دولية وإقليمية، مع التأكيد من مُطلقيها أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» وأن زلزالاً قد يضرب المنطقة وتوازناتها الجيو- إستراتيجية.
لقد أكد مراقبون سياسيون أنه منذ انتهاء الحرب الباردة، بل حتى في إطارها وسياقاتها، وربما منذ أزمة (السويس)، لم تشهد العلاقات الدولية مثل هذا التأزيم والتوتر في العلاقات الدولية اللذين تنعقد أسبابهما في سورية وعليها، ورغم أن سورية هي دولة محورية في المنطقة باعتراف الجميع، لكن لم يكن يخطر ببال أحد أن تكون سبباً في دفع العلاقات الدولية إلى حافة الهاوية.
لا شك أن المتابع للمشهدين الإقليمي والدولي، يلمس رغبة وإرادة لدى القوى الكبرى وخاصة لدى روسيا في عدم الانزلاق إلى قعر الهاوية ووقف التدهور.. ولكن مَنْ يستطيع أن يجزم بأن الوقوف عند «حافة الهاوية» يمكن أن يكون أمراً مضموناً ومتحكماً به؟.. وكم من مرة انزلقت فيها دول ومعسكرات من حافة الهاوية إلى قعرها، من دون أن ترغب في ذلك، وبالتالي، فإن احتمال مثل هذا الانزلاق غير قابل للاستبعاد أو للنفي المطلق.
فمنذ العصر النووي، وخاصة بعد الاستخدام المدمر لقنبلتي هيروشيما وناغازاكي، ظهرت نظرية تقول: «إن البشرية باتت مضطرة للابتعاد عن حافة الهاوية بخطوة أو خطوتين على الأقل، تفادياً لمخاطر الانزلاق فيها»، ونظرية أخرى تقول: «إن البشرية ستبتعد عن الحروب كلما امتلكت القدرة على ممارسة الإفناء الذاتي»، وربما لهذا السبب، اعتمدت الولايات المتحدة على ظاهرة «حروب الوكالة» باعتبارها الطريق الوحيد للبقاء على خطوة أو خطوات من قعر الهاوية وحافتها.
سورية اليوم تنهض كشاهد على حروب بالوكالة تخوضها دول إقليمية وغربية وفي الطليعة إسرائيل لإسقاط الدولة السورية عبر مجموعات إرهابية مسلحة، مدعومة أيضاً بوجود ولهذا ليس ثمة ما يدعو للاطمئنان بعدم حصول عدوان عسكري على الجيش السوري، وإنْ كان عن طريق «الخطأ المقصود». كما جرى مؤخراً، عندما أغارت طائرات أميركية وغربية على مواقع عسكرية سورية في دير الزور، حيث أعلنت واشنطن أنها وقعت بالخطأ، بينما شواهد وأدلة عديدة أنها كانت «متعمدة»!
الخلاصة، في ضوء ما تقوم به واشنطن من مراجعات لسياستها في المنطقة واعتماد خيارات بديلة، حسب التصريحات الأميركية الأخيرة، يبدو أن تكرار هذه الأخطاء بات سيناريوهاً مرجحاً، كما أن معركة الموصل والمواقف التركية الاستفزازية ورد فعل العراق على لسان رئيس حكومته، كلها تبعث على القلق والتحسب، وبالتالي فإن قعقعة السلاح في المنطقة وضجيج التهديدات يدفعان إلى حبْس الأنفاس بانتظار ما قد يحصل، هذا مع العلم بأن روسيا التي ما زالت تتمسك بالعمل الدبلوماسي، وبإبقاء الأبواب مفتوحة للتوصل إلى اتفاقات مقبولة، اتخذت الاحتياطات لمواجهة جميع الاحتمالات، وهي كما يبدو لن تترك سورية وحيدة في المواجهة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن