قضايا وآراء

لوزان.. مسارات متناقضة

| مازن بلال 

لا يوجد في لوزان الكثير من الشروط السياسية، فدول الشرق الأوسط ستكون حاضرة بغض النظر عن عمق دورها في الأزمة السورية، وبالتأكيد فلن يكون هناك حلول جديدة بقدر ما ستسعى كل من موسكو وواشنطن لتأكيد تصوراتهما للحل، فالوضع السوري يشكل اليوم استنزافاً دبلوماسياً غير قادر على خلق أي اختراق سياسي، وميزان القوى، رغم انحسار جزئي للمجموعات المسلحة، لا يوحي بتبدلات كبرى لإنهاء الأزمة، فالحرب التي تظهر بحدود جغرافية مفتوحة تتطلب إغلاقاً على مستوى دول المنطقة كافة، وهو إجراء يفرض تنسيقاً مازال مفقوداً نتيجة الاشتباك الحاد الروسي– الأميركي.
اجتماع لوزان جاء بطلب أميركي في مرحلة سياسية حرجة للإدارة الأميركية، فهي تحاول تحصين المكاسب الانتخابية للمرشحة هيلاري كلينتون على حساب منافسها دونالد ترامب، فالمغامرات غير المحسوبة يمكن أن تبدل الكثير، وواشنطن مهتمة بالحفاظ على التوازن قدر الإمكان والتحرك بخطوات تملك أثراً إعلامياً أكثر منه سياسياً، في حين تبدو «طبول الحرب» جزءاً من السيناريو الأميركي الذي يوحي بالقوة ويسير باتجاهين:
الأول هو التلويح بعمل عسكري ضد سورية، ورسم سيناريوهات لهذا الأمر توضع ضمن حزمة خيارات عسكرية – سياسية، وبغض النظر عن إمكانية استخدام القوة فإنها تريد في النهاية تثبيت واقع العداء مع دمشق مهما كان الظرف الدولي.
العمل العسكري ضد سورية لواشنطن هو رفض للمعادلة السياسية القديمة، فهو قطع دبلوماسي كامل لأي إمكانية تسوية قادمة مع النموذج السوري القديم، ويحمل في بعده العام إستراتيجية فرض الأمر الواقع ببقاء قوى مسلحة تضغط باتجاه الحكومة، وهذا الأمر هو ما يعطل عملية الفصل بين المعارضة المعتدلة حسب وصف واشنطن والفصائل المسلحة، في المقابل تطور روسيا من وجودها في سورية لمواجهة هذا الخيار الأميركي، وتتحول جغرافية شرقي المتوسط إلى جملة من الخطوط الحمراء داخل النظام الدولي.
الثاني حصر داعش في سورية من خلال العمل على تحرير الموصل والسماح لعناصر داعش بالنفاذ نحو الرقة ودير الزور، وهذا يعني تطوير الصراع في سورية وإكساب الرئيس الأميركي القادم ورقتين أساسيتين؛ فهو من يستند إلى نجاح إدارة أوباما في استرجاع الموصل، واستخدام وجودها القوي في الرقة كورقة تفاوضية في مواجهة روسيا.
بالتأكيد فإن اجتماعات لوزان لن تتحرك بعيداً عن السياق العسكري، لأنها في النهاية تحاول دعم خيارات المرشح الديمقراطي، وهي تلعب في الوقت الضائع من عمر الإدارة الأميركية من دون قلق من تغير المعادلات مادامت التعبئة الإنسانية ضد روسيا قائمة على طول القارة الأوروبية، إضافة إلى وجود سياق عسكري متكامل بدءاً من الدرع الصاروخية وانتهاء بحزمة السيناريوهات العسكرية ضد سورية، فواشنطن ربما تستعجل اختبار ظهور محور دولي جديد يضم روسيا والصين، وهي في الوقت نفسه تراهن على نجاحات اقتصادية بالدرجة الأولى لجعل هذا المحور من دون المنافسة القائمة على الساحة الدولية، فهي لم تعد تمانع الشراكة الروسية لكنها تريدها شراكة بحدود لا تتيح لموسكو وبكين إنشاء منافسة على المستوى الدولي معها، والاختبار في سورية جزء من الحدود التي يبدو أن الولايات المتحدة متمسكة فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن