ثقافة وفن

المرأة التي حالت دون وصول خالد العظم إلى رئاسة الجمهورية!

| شمس الدين العجلاني

هناك مقولة تقول: (وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة) ويعتقد أن الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت هو أول من نطق بهذه المقولة، وهو في الوقت ذاته قتل على يد امرأة حسب بعض الروايات: (قتلته عشيقته بمادة تسمى الزرنيخ).
ولكن لم نسمع من الفلاسفة والقادة من قال عبارة شهيرة تقول: (وراء كل رجل طموح امرأة تفشله!)…
يقولون: (فتش عن المرأة) وفسرها البعض بمعنى أن هناك امرأة تقبع وراء أي مؤامرة أو مشكلة ويذكرون على سبيل المثال «ألكسندرا فيديروفا» و«ماري أنطونيت» و«هنريتا ماريا» هن ثلاث ملكات شاهدن نهاية حكم أزواجهن، بل إن الثلاث اتصفن أيضاً بعدد من السمات السياسية المشتركة بينهن، فهن جميعاً خسرن مُلكهن وأزواجهن على أيدي الثورات الشعبية، كما أنهن جميعهن لاقين كراهية شعبية أكثر من أزواجهن الملوك! كذلك فقد اشتركن جميعهن في خراب السياسة والفساد في الدول التي حكمنها، ناهيك عن أنهن كن ركناً أساسياً في تقويض حكم أزواجهن.
يسرد التاريخ أن المرأة هي سبب النجاح والدافع له عندما تهيئ للرجل سبل النجاح وتعينه على ذلك، وتكون وراء إخفاق الرجل في تحقيق غاياته عندما تثقل كاهله بأمور تافهة تشغله عن مساره إلى ما يصبو إليه، وتمارس حياة تسيء لرجلها!؟ وهذا رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ.
ونحن نسمع ونقرأ يومياً قصصاً وحكايا، عن نساء كن سبباً في خراب البيوت وتحطيم الرجال… ويروي المتشائمون من المرأة أن معظم المصائب والكوارث وسقوط الدول والملوك كانت بسبب المرأة، بدءاً من أول نساء الأرض حواء التي كانت السبب في نزول آدم من الجنة إلى الأرض.
وتبقى المعادلة صعبة، ويبقى الشائع: (وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة).
وفي الحديث عن المرأة والرجل نتساءل هل صحيح أن خالد العظم في يوم ما كان قاب قوسين من رئاسة سورية وحالت زوجته دون وصوله لسدة الرئاسة!؟

الزوج خالد العظم
من أكثر رجالات السياسة جدلاً وشهرة في الوطن العربي، هو رجل دولة وداهية سياسة، جاهد وناضل منذ نعومة أظفاره، فكتب زهاء نصف قرن من تاريخ سورية وتاريخ العرب الحديث.
وقيل إنه شخصية سياسية كثيرة الغموض والاختلاف، وذلك بسبب تقلباته السياسية خلال تلك المراحل الطويلة التي مرت عليه في دهاليز السياسة.
خالد العظم إحدى قيادات سورية القلائل الذين شاركوا في تاريخ سورية الحديث، باعتباره رجل دولة وأسهم فعلياً في إرساء اللبنة الأولى لوجود سورية الاقتصادي، وعلى الرغم من هذا نقرأ التهجم الواضح على العظم في (مرآة حياتي) لمصطفى طلاس!؟
للعظم مساهمات في مشاريع الاقتصادات الخاصة، ومنها تأسيس الشركة الوطنية لصناعة الإسمنت ومواد البناء عام 1930 في منطقة دمر في دمشق. كما أسهم في تأسيس شركة المغازل والمناسج في دمشق، وميناء اللاذقية وغيرها من المشاريع الاقتصادية. ‏هو سليل أسرة أرستقراطية، ولد بدمشق عام 1903 م، وتلقى علومه الثانوية في المدرسة السلطانية ودرس الحقوق في معهد الحقوق العربي، وكان رئيساً للغرفة الصناعية ومستشاراً في المجلس البلدي، عين وزيراً مفوضاً لسورية في باريس، لقب بـ«المليونير الأحمر» بسبب الثروة المادية الهائلة التي كان يملكها ولتقاربه مع روسيا واليساريين السوريين، وفي عام 1941م ترأس الحكومة ومنح صلاحيات رئيس الدولة، وفي تموز 1943م انتخب نائباً عن دمشق وفي آب من العام ذاته تولى وزارة المالية وفي عام 1944م تولى وزارتي المالية والتموين، وفي عام 1945م تولى وزارة المالية ووكالة وزارة الدفاع، وفي عام 1946م تولى وزارتي العدلية والاقتصاد الوطني، هو الوحيد في تاريخ سورية القديم والحديث الذي ترأس مجلس الوزراء خمس مرات خلال الفترة من عام 1941 إلى 8- آذار عام 1963، رشح نفسه لرئاسة الجمهورية عام 1955م مقابل شكري القوتلي ولكنه لم ينل سوى واحد وأربعين صوتاً، وبعد الثامن من آذار عام 1963م لجأ العظم مع زوجته إلى الطابق الأرضي من مبنى السفارة التركية الذي كان ملكاً خاصاً له في شارع أبو رمانة، عندما حوصر المبنى من جماهير مؤيدة لحركة الثامن من آذار، التي قام بها حزب البعث وطالبت السفير التركي بتسليم العظم لمحاكمته مع الانفصاليين ضد الوحدة مع مصر. لكن السفير رفض هذا الطلب، ثم غادر العظم سورية وأقام في بيروت، وأُسقطت حقوقه المدنية وصُودرت أملاكه الشاسعة، إلى أن وافته المنية في 18 شباط من عام 1965 م في منزله في عين الرمانة في بيروت ودفن جثمانه في جوار الإمام الاوزاعي في بيروت بناءً على وصيته.

الزوجة سنية مردم بك
وقع الشاب خالد العظم مبكراً في الحب «لم يكن يتجاوز السادسة عشرة من العمر»… من فتاة تكبره بخمس سنوات اسمها سنية راشد مردم بك، وكانت صاحبة جمال خَلق وروح، كانت سنية تترد إلى دار العظم بحكم القرابة فأعجب بها وتزوج منها، مخالفاً بذلك كل العادات والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الأيام، فالزوجة سنية تكبره بخمس سنوات، وهو الذي اختارها زوجة له على الرغم من معارضة والده في البدء للفارق في العمر (جابهته بعزمي على الاقتران بالفتاة التي اخترتها من دون الحاجة إلى المراسم المعتادة. فابتسم والدي وقال لي إنك من العصر الحديث – خالد العظم)، وسنية كانت «على قسمة» ابن عمها حيدر «وتروي الذاكرة الشعبية الدمشقية أن حيدر انزعج من هذا الزواج وحاول أكثر من مرة أن ينتقم، وقيل أيضاً إن سنية كانت تحب ابن عمها «حيدر» وإن سبب إصابتها بالحمى (حسرةً) على عدم زواجها من حيدر.
كان العريس «خالد» يجتمع مع عروسه في دار والدها أو دار والده، وقدم لها خاتم الخطبة ولم يكن ذلك شائعاً، وأقيم العرس في 11 أيلول عام 1920م، أحيينه «الأخوات مكنو» اللواتي كن من أشهر المغنيات والراقصات اليهوديات بدمشق حينها، ومن فرحة والد خالد العظم بعرس ابنه عانق زوجته وقبلها أمام الجميع، وتقدمت النساء للمباركة للعروسين بالعناق والقبل وهن بلا حجاب!: (وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة التي كان يستطيع الرجل أن يشاهد عدداً غفيراً من السيدات من دون حجاب، وأن يطبع على خدودهن قبلات كما لن يفعل ذلك مرة ثانية طوال حياته – خالد العظم).
وفي حفل «التلبيسة» الذي أقيم في منزل والد فخري البارودي، حضر الأمير فيصل والأمير زيد والحاكم العسكري رضا الركابي وكبار القوم بدمشق من الموظفين والعسكريين والوجهاء والأعيان.. هذا الحلم في زواج خالد العظم من سنية مردم بك، لم يدم طويلاً، فتوفيت العروس بعد عشرة أشهر بسبب الحمى إثر ولادتها لابنتها «علية» وكان ذلك يوم السبت 24 تموز عام 1920م. أما الابنة «علية» فقد تزوجت من رئيف العظم، ولهما من الأولاد نائلة وخالد ومحمد علي العظم، وتوفيت «علية» يوم 17 تموز عام 2011م.

الزوجة ليلى الرفاعي
لسوء الحظ، لم يكن العظم سعيداً في حياته العائلية. وقصته مع زوجته الثانية، لها في حياته وقع مر وغصة دائمة، خالد العظم في مذكراته الضخمة لم يتطرق مطلقاً للحديث عن الزوجة ليلى! وعن مذكراته هذه ورد في موسوعة الإعلام للزركلي أن زوجته باعت مذكراته بعد وفاته، ويقال إنه دخلها تحريف وتبديل، وكان نشر بعضها على حلقات في صحيفة النهار، ثم نشرت كاملة في ثلاثة أجزاء كبيرة، فهل نال التحريف يا ترى ما كتبه العظم عن زوجته ليلى! أو إن ليلى حذفت كل ما كتب عنها في المذكرات بعد أن وقعت بين يديها؟… يقول العقيد مطيع السمان إن خالد العظم تجاوز الكثير في مذكراته، ومطيع السمان هو قائد الأمن الداخلي آنذاك ورئيس حرس مجلس الوزراء.
بعد وفاة الزوجة الأولى لخالد العظم سنية مردم بك، بعد زواج استمر فقط عشرة أشهر، عزف عن الزواج إلى الأربعينيات من القرن الماضي.
كان لدى خالد العظم سائق يدعى فهمي الرفاعي من مدينة اللاذقية (كان يتردد على الاجتماعات الحزبية لشيوعيي دمشق)، ولديه شقيقة تدعى كوثر، يقال إنها كانت ذكية وجميلة الوجه، ولكنها قصيرة القامة وسمينة «مدعبلة»، على حين خالد العظم ضخم الجسم طويل القامة.
ذات يوم طلب السائق فهمي من العظم أن تعمل شقيقته لديه، فعينها العظم في البداية مشرفة على قصره في دمر ومنزله في حي أبو رمانه الذي لم يزل قائماً حتى الآن، وتأمين المأكولات المفضلة للعظم، عملت كوثر بكل جهدها لإرضاء العظم وساعدها في ذلك أخوها وأمها، ومن ثم وقع في حبها وتزوجا، وكانت هي في الثلاثينات من العمر، وأطلق عليها اسم ليلى، ومنذ ذاك الوقت والمجتمع الدمشقي يعرفها بـ«ليلى الرفاعي» إلا قلة قليلة تعرف اسمها الحقيقي، وليلى هذه كانت متزوجة عدة زيجات قبل زواجها من العظم، وكان آخر زوج لها هو (ف.ع).
تعلمت ليلى، الزوجة الجديدة، طبخ المأكولات الدمشقية الفاخرة على أيدي عائلة العظم ومردم بك.. مطبقة بذلك المثل القائل: (أقرب طريق للرجل معدته)، كما تعلمت الأناقة على يد مدام روز وفيكتور حداد وهما أشهر من عمل في الأزياء آنذاك..
وتروي الذاكرة الشعبية لأهل دمشق أن من أهم أسباب زواج العظم من ليلى، الاهتمام الذي لقيه في البدء من ليلى من حيث المأكل والمشرب والرعاية الصحية التي كانت تقدمها له، وخاصة إذا علمنا أن خالد العظم تعرض لأزمة قلبية كادت تودي بحياته، كما كان في آخر أيامه يعاني من أمراض كثيرة: قرحه في المعدة، السكر، وانتفاخ في الأطراف السفلية، لذا كان يسير ببطء لافت للنظر، وحتى حين يجلس في الاجتماعات كان لا بد له من رفع قدميه!.
ليلى كانت متزوجة قبل زواجها من العظم، ولها على الأغلب ولدان، كما طلبت من العظم أن يتبنى (سوسن) كابنة له وهي ابنة أخيها فهمي، التي عاشت وترعرعت في كنفهما.. ولم يضارب على حب ليلى لسوسن سوى حبها لكلبها الأبيض الذي قال لي أحدهم إنه بحجم الحمار وكلفته آنذاك ضاهت دخل عائلة ميسورة ليس من جهة ما اعتاد افتراسه مما لذ وطاب فحسب، وإنما بتكليف حلاق السيدات المشهور حينها فوزي المارديني وكان صالونه مقابل مجلس الشعب بالحضور إلى قصر العظم في سوق ساروجة شتاء أو إلى قصر دمر في الصيف لغسله ولكيّ شعره وغرته وتقليم أظفاره. كل ذلك إضافة إلى معلم ومدرب يسهر دوماً على سعادة الكلب، أما صحة الكلب فكانت مهمة الطبيب البيطري البقسماوي الذي كانت عيادته في حي الميدان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن