قضايا وآراء

هل اجتماع لوزان صفحة جديدة.. أم ماذا..!؟

| عبد السلام حجاب 

يمكن القول إن اجتماع لوزان السبت الفائت بشأن الحل السياسي للأزمة في سورية كان دبلوماسياً. ولم يسجل خرقاً يذكر بعد أربع ساعات من المحادثات، أقله وفق ما ذكره الوزير الروسي لافروف: «بأن المشاركين تقدموا بأفكار مثيرة، واتفقوا على مواصلة المحادثات».
وفي تصريح للوزير الأميركي كيري قال: إنه كان مثمراً وسيستأنف اليوم الاثنين.
ولعله لم يكن متابعاً عن قرب للاجتماع. قد اعتقد جازماً بأن إيعاز الرئيس الأميركي أوباما خلال اجتماعه مع فريقه من مسؤولي الأمن القومي «بمواصلة المحادثات متعددة الأطراف الرئيسية الفاعلة والمؤثرة بالملف السوري للتوصل إلى حل دبلوماسي» يمكن لوزير خارجيته كيري ترجمة مقارباته في الاجتماع كما ينبغي سواء في محادثاته الثنائية مع نظيره الروسي لافروف أو داخل الاجتماع متعدد الأطراف الذي شاركت فيه إيران والعراق ومصر وتركيا والسعودية وقطر والأردن. وذلك في أجواء يسودها توجهان، حيث ينظر الجانب الروسي إلى حل سياسي وتسوية حقيقية للأزمة في سورية وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي. على حين يسعى الجانب الأميركي الذي يقوده كيري إلى اختزال الموقف برمته بما فيه الاتفاق الروسي الأميركي بتوفير الحماية لمن يسميهم «المدنيون» في الأحياء الشرقية لمدينة حلب. وهو ما سعى المبعوث الدولي دي ميستورا الذي يشارك في الاجتماع توفير تغطية سياسية له بتقديم مسودة ورقة خاصة به تختصر الطريق أمام مقاربات كيري.
ورغم أن التسريبات عن اجتماع لوزان كانت شبه معدومة نظراً للسرية التي أحاطت به إلا أن المراقب كان واضحاً باستنتاجه أن مقاربات الوزير كيري في لقائه مع الوزير لافروف أو على طاولة لوزان لم يتح لها أن تشكل صفحة جديدة ولا أن تشي بجدية غير مطلوبة ويمكن تفسيرها بالتالي:
1- عودة أميركية علنية للتعاون مع موسكو مباشرة أو عبر متعددة الأطراف ما يعني العودة إلى اتفاق 9 أيلول الماضي والبند الرئيسي فيه بحسب لافروف فصل من تصفهم واشنطن «بالمعارضة المعتدلة» عن تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين والفصائل الإرهابية الأخرى. وهو ما أعاد التأكيد عليه مجدداً في لوزان.
2- إنه اجتماع يبقى محطة أميركية لقتل الوقت واستنزاف الخصوم مثل سورية وروسيا عبر صيغ سياسية وعسكرية جديدة وهو ما يمكن أن يشكل فحوى اجتماع الوزير كيري اليوم في لندن مع وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وهي دول لم تعد تتحمل المزيد في طريق مناورة وانتهازية ترسخ أجواء حرب باردة ولا في طريق شبه مسدود لحرب ساخنة لابتزاز مكاسب سياسية تخطها وقائع الميدان السوري والحضور الجوفضائي الروسي ومتغيرات الواقع الدولي.
والسؤال المنطقي هل هناك ثمة صفحة أميركية جديدة يمكن فتحها على طاولة لوزان على الرغم من أن المؤشرات تشي عكس ذلك تماماً. يبدو أن المسافة ضيقة جداً بين تصعيد سياسي وعسكري غير مسبوق تتزعمه واشنطن وبين دبلوماسية ناعمة بأدوات ووسائل تروج لإرهاب معدّل كورقة لتحقيق مكاسب سياسية بالتنسيق مع دول في الغرب الاستعماري كفرنسا وبريطانيا ومع أطراف إقليمية تابعة ودونية سياسية في السعودية وقطر وتركيا بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي؟؟
ولم يكن تكهناً إعلان مصدر عسكري دبلوماسي روسي بأن واشنطن والرياض اتفقتا على تمكين «داعش» من الخروج الآمن من الموصل العراقية التي يستعد الجيش العراقي والقوى الوطنية المساندة لتحريرها وإخراجهم إلى الرقة.
وإذا كان الرئيس بوتين أعرب عن أمله بأن يكون اجتماع لوزان مثمراً لدعم التسوية الحقيقية للأزمة في سورية فقد كان واضحاً بقوله: «إن الغرب يستخدم الإرهابيين لتحقيق أهداف سياسية».
وعليه ماذا يتطلب لكي يثمر اجتماع لوزان نجاحاً لحل الأزمة في سورية؟ الملاحظ أن جانباً من الحضور الذي تتزعمه واشنطن لحسابات خاطئة ولم تعد مفيدة في الحسابات السياسية والعسكرية قد توقف عند حدود تبلد عقلي لا يغادر فضاء الصغر السياسي ولا يريد قراءة كامل التداعيات الخطرة وغير المحسوبة.
واستنتاجاً، فإن القراءة المطلوبة والمفيدة التي لابد من تفحصها جيداً على طاولة لوزان عند مواصلة المحادثات مجدداً اليوم بشأن الحل السياسي للأزمة في سورية إنما تتلخص بأن مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وصولاً إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وأهمية الالتزام بمندرجاته تؤكد سيادة الدول واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وإذا كان القرار الدولي 2254 الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع ينص على حوار بين السوريين بقيادة سورية في جنيف، بحيث يقرر السوريون بأنفسهم مستقبل بلدهم السياسي من دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة. فإن إنقاذ القرار الدولي 2253 المتعلق أولاً بمحاربة الإرهاب يتطلب التزام الدول والأطراف الإقليمية والدولية بوقف تمويل الجماعات الإرهابية المسلحة والتوقف عن تسليحها وإيوائها واعتبار التعامل معها بأي صيغة كانت سواء احتواء أو للابتزاز السياسي أو حرب بالوكالة جريمة ضد القانون الدولي، ودفع العمل السياسي لحل الأزمة باتجاه خيارات عسكرية تقدم خدمة للتنظيمات الإرهابية وفرصة لتمددها في غير اتجاه، وهو ما يفترض فهمه جيداً في اجتماع لندن.
ثم ثانياً العمل على استعادة الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 2268 المتعلق باتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية وتمكين بنود الاتفاق الروسي الأميركي في 9 أيلول الماضي من النفاذ بطاقة إيجابية تلتزم بموجبها أميركا بفصل المعارضة المسلحة «المعتدلة» عن داعش والنصرة الإرهابيتين، والتنظيمات الإرهابية الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها وليس تحويلها إلى حصان طروادة لتوفير الحماية والأسلحة للتنظيمات الإرهابية.
ولا شك بأن ملاقاة الإرادة الوطنية للسوريين سواء في اجتماع لوزان أو خارجه. إنما تقتضي التعامل بمسؤولية أخلاقية وموضوعية بعيداً عن الابتزاز والتسويف والمماطلة لحسابات ومشاريع تخطاها الواقع السوري سياسياً وميدانياً. ما يعني الالتزام بالقرارات الدولية بعد أن سقطت الأقنعة وكشفت الوقائع حقيقة من يدعم الإرهاب والأحلام الطوباوية المريضة حتى بوجوده غير المشروع فوق مناطق في سورية تأبى الابتلاع وعصية على التقسيم.
وعليه فإن من يقرأ وقائع الميدان السوري وتطوراته لابد أن يدرك جيداً أن سورية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد حاضرة بقوة في اجتماع لوزان عبر إنجازاتها السياسية وفعالية مواقف حلفائها. ويكفي دليلاً أن المصالحات التي يتسع مداها هي مصداق إرادة السوريين وليس الحرب. كما أن الدفاع عن القرار الوطني المستقل لاقتلاع الإرهاب والتصدي لداعميه هو خيار وطني لا رجوع عنه. وهو حق وواجب بحكم دستور البلاد ولا مساومة على دماء الشهداء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن