من دفتر الوطن

خيارات حياة!

| عصام داري 

ربما أقوم بعزف منفرد على وتر التفاؤل، أو ربما ينضم إليّ بعض الذين يعاندون التيار الجارف، لكنني لن أغير نغماتي، فلو غادر التفاؤل حياتنا وخطابنا وكلامنا، فماذا سيبقى لنا؟
أرى أن فقدان الأمل يعني انتفاء الحياة، أو الرغبة في عدم الحياة، وأنا، وأنتم أيضاً يا من تقرؤون هذه السطور عشاق الحياة، فلا تتركوا للتشاؤم ولو خرم إبرة يتسلل منها إلى نفوسكم وأرواحكم وينال منكم، أعطوا الأمل الفرصة بعد الفرصة، وهو سيعطيكم، ولا يتخلى أحدكم عن عشق الحياة والفرح والسرور والخير والحب.
نبحث عن فسحة سماوية نقية نعيش فيها الحلم والأمل بحياة أفضل، ونعرف أن معظم الدروب نحو هذه الفسحة مغلقة ومزروعة بالألغام والعقبات والحواجز، لكننا مصممون على إيجاد الثغرات في الدروب المغلقة لبلوغ جنة صغيرة موجودة على كوكبنا ولم نلمحها بعد.
هناك، تنسكب الشمس شلال دفء ونور معلنة ولادة نهار جديد، ويوم جديد، وحياة تتجدد كل ثانية، نعرف أننا مازلنا على قيد الأحياء مسجلين،.. ننعم بالدفء والماء والهواء، والصحة وراحة البال، قليلاً، فراحة البال غاية لا تطال هذه الأيام.
نعيش في هذه الدنيا يوماً بيوم، ننتظر الغد عله يحمل الجديد، نسير على وقع دقات قلوبنا، ونستعيد ذكريات مضت ولن تعود، ما دمنا غير قادرين على صنع فرح جديد، فنغرق في فرح كان، نكتفي بابتسامة هذا الفرح العتيق، ونطوي دفتر ذكرياتنا، لنعود في الغد لنفتحه، بانتظار فرحة مستعادة من الخيال.
نعرف أننا لا نستطيع زرع التفاؤل في عقول جافة وقاحلة عديمة مطر الأمل، وليس بمقدور أحد أن يدل الغارقين في وحل التشاؤم على الوسائل التي يصبحون بها رومانسيين، فالرومانسية موجودة في الجينات، وإن لم تتوافر لهذا الشخص أو ذاك فإنه سيظل على هامش الحب والمحبة والإنسانية الراقية.
قرأت منذ أيام عبارة أعجبتني لأن فيها الكثير من الصحة والدقة، تقول: «جميلة رغم المكارِه، حلوة رغم مرارتها، باسِمةٌ ضاحِكة رغم ما فيها من بكاء وصراخ وويلات، وإنَّما يَكمن كلُّ جمالها وحلاوتها وإشراقاتها في الأمَل والتفاؤل والثِّقة في القادِر المطلَق ثم الثِّقة في النفس».
ليس عبثا أن أعزف وبشكل شبه يومي على قيثارة التفاؤل، لأن البديل التلقائي هو التشاؤم الذي يجعلنا نرى الحياة بمنظار أسود ويصيب نفوسنا باليأس والكآبة والإحباط والعبوس، فيزداد حزننا، بل يتضخم ليحتل معظم أيامنا وليالينا وحياتنا.
أحلم – وتحلم معي أجيال- بسهرات مع الألحان والموسيقا والزجل والغناء، وبأيام من الإبحار في محيطات الكلام والأشعار، وأعوام حب يغذي النفس والروح ويجعل للحياة معنى وطعماً وألوان قوس قزح وزركشات.
أحلم بأبجدية جديدة لتسطير حكايات الحب والعشق والحياة قبل أن تتفجر ألغام زرعت في الدروب والنفوس. نريد استعادة الحروف واللغة واللحن والموسيقا والمواويل، وسهر الليالي وزقرقة العصافير التي تعلن مولد يوم جديد.. دعونا نروِ زهرة الحب قبل الذبول، ونقطف ثمرة العمر قبل أن يغمرها الطوفان، ألسنا في زمن الزلازل والطوفان واليباب؟
ربما ابتعدت قليلاً عما بدأت به، أي العزف المنفرد على وتر التفاؤل، لكنني تعمدت ذلك لأرسم بديل التفاؤل، كي نعرف أي أسلوب حياة نختار، وعلى أي درب نسير!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن