ثقافة وفن

من تشرشل إلى ديلان: غرائب جوائز نوبل للآداب هزت الصحافة العالمية … عندما تخضع لاعتبارات السياسة هل تحتفظ بألقها؟

| إعداد: مها محفوض محمد

أثار فوز المغني الأميركي بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب الانذهال لدى الأوساط الثقافية العالمية والضجيج الإعلامي والصحفي إذ لأول مرة في تاريخ هذه الجائزة يفوز بها موسيقي ليسجل بذلك شيئاً جديداً في سياسة نوبل، وأكثر ما خيم الوجوم على دور النشر إذ هاجم نحو 527 ناشراً في العالم إعلان الجائزة تبعه عدد أكبر من المكتبات فهذا العام لن تباع كتب الحائز على نوبل ما يعني أن هناك خسارة اقتصادية كبرى لهؤلاء.
إن جنوح لجنة نوبل إلى هذا الخيار فسره البعض نوعاً من التناغم مع الواقع الثقافي السائد عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير أن تتويج مغني روك من مؤسسة أكاديمية بهذا المستوى أثار ريبة وعناوين في الصحافة العالمية عبرت عن الاستغراب وعدم الرضا رغم محبة الكثيرين لهذا الموسيقي.

صحيفة لوفيغارو وتحت عنوان «نوبل التي هزت الصحافة العالمية» كتبت: اليوم موسيقي وبالأمس سياسي، ابحثوا عن الخطأ ففي هذا العام لجنة التحكيم السويدية خيبت الآمال حيث فضلت الموسيقي على الروائيين فيليب روث وهاروكي موراكامي، إنه خيار محير لا يجسد صراحة رجل القلم الكلاسيكي صحيح أن ديلان أشهر مغن في النصف الثاني من القرن العشرين وهو شخص يقضي أغلب أوقاته على المسرح ويكتب الأغنية، قال عنه السكرتير العام للأكاديمية: «ابتكر عبارات شعرية في الأغنية التقليدية» قبل أن يصفه بـ«الأيقونة». ولا بد من القول إن بوب ديلان (75 عاماً) كان في أعوام الستينيات رمزاً لرفض الحرب على فيتنام والتمييز العنصري وكتب أناشيد رددها ملايين الشباب باع أكثر من مئة مليون ألبوم خلال مسيرته الفنية ونال الكثير من الجوائز أصدر في أيار الماضي ألبومه السابع والثلاثين وقد نشر رواية وحيدة عسيرة على الفهم.
لوران داندريو رئيس تحرير مجلة (valeurs، A) كتب يقول: من المؤكد أن بوب ديلان كاتب أغان مهم لكن ذلك لا يجعله يرقى إلى مستوى الشعراء الكبار المعاصرين هل يعني ذلك أنه لم يعد هناك كتاب يستحقون هذه الجائزة؟ هل احتاروا بالخيار لهذه الدرجة؟ سأذكر لكم جملة قالها كاتب أغان فرنسي كبير جورج براسانس: «مهما حلقت في الغناء فإن الشاعر يحلق أكثر مني».
فهل هناك نوع من الاستثناء أم هو منطق قرارات اللجنة؟ من الواضح أنه قرار غير قياسي ولا سابق له، وهل لها بعد سياسي في هذا القرار؟
إن السياسة تلعب دورها حتماً في خياراتهم حتى إذا لم يكن فيها تواطؤ.
في عام 1953 منحت نوبل للآداب لرئيس الحكومة والسياسي البريطاني وينستون تشرشل علماً أنه لم يكتب في حياته سوى مذكراته عن الحرب العالمية الثانية وفي العام1973 أعطيت جائزة نوبل للسلام لهنري كيسنجر مع نهاية حرب فيتنام علماً أنه تسبب بموت مئات الآلاف من الفيتناميين حين عطل اتفاق السلام يومذاك.
الصحافة الفرنسية بأغلبها أشارت إلى أن المراقبين انتظروا فوز الشاعر السوري أدونيس الذي كان من الأسماء العالمية المرشحة منذ زمن للحصول على جائزة نوبل (الجدير ذكره أن أدونيس حاز منذ أيام جائزة الأدب من مؤسسة الأمير بيير دوموناكو على مجمل أعماله وتبلغ قيمة الجائزة 15 ألف يورو).
ومما جاء فيها: العالم كله يحب بوب ديلان ويعرف على الأقل واحدة من أغانيه وليس لدينا ما نقوله عن إسهامه في الموسيقا الأميركية لا بل العالمية لكن أين الأدب في ذلك؟ قالوا إنه منح الجائزة لابتكاره أشكالاً جديدة للتعبير الشعري في التراث الموسيقي الأميركي إذا فهو شاعر! لو أرادت الأكاديمية مكافأة شاعر حقاً كان عليها أن تكافئ الشاعر أدونيس لأن وجود شاعر سوري اليوم يستحق الجائزة له معنى كبير في هذا الوقت أكثر من مغن أميركي حتى لو كان بهذه الشهرة أو الشعبية لأن جائزة نوبل للأغلبية العظمى من الناس أهميتها في قراءة أعمال الفائز كما لها أيضاً قيمة رمزية قوية وإلا لما منحت لكتاب ملتزمين لهم أهميتهم السياسية.
جائزة نوبل للآداب تكافئ منذ عام 1901 كتاباً قدموا خدمات كبرى للإنسانية بأعمال أدبية مرموقة وحسب وصية ألفريد نوبل «لعمل أبدى تأثيراً مثالياً».
أما في RT الفرنسية فقد كتب الصحفي الكاتب ماتيو بيج تحت عنوان «بوب ديلان والمركب الثمل»:
ألفريد نوبل يلتقي مع ستار أكاديمي وبذلك لا داع لحث الشعب الأميركي على القراءة فهو شعب لم يعد يقرأ أصلاً.
إذ كانت محطة CNN المبتهجة سارعت على الفور إلى نشر مقال تستحضر فيه أغاني النجم الفائز واصفة إياها بـ«الأغاني التي غيرت التاريخ» وبعد قراءة المقال الساطع نتساءل بماذا غير ديلان العالم نحو الأفضل كما هو تساؤلنا منذ عام 2009 حول فهم كيف جعلت جائزة نوبل للسلام التي منحت لأوباما العالم أكثر انسجاماً… يا للحماقة، والمقارنة هنا مهمة لأن الجائزتين تم منحهما بالتفسير ذاته فتأثير «الشاعر الأسطوري» ديلان كتأثير «حارس السلام الأنيق» أوباما لكن هذا لا يمكن إيضاحه أو فهمه إلا للذين اندمجوا تماماً في المجتمع الأميركي ويشكلون جزءاً من الإمبراطورية الأميركية ويفهمون المصطلحات والرموز لأنه كي تفهم ديلان عليك أن تتحدث الإنكليزية لا بل أن تفك رموز الثقافة الأميركية وهذا لا يمكن ترجمته إلى جميع اللغات فوسيط ديلان هي الأغنية وليست الورقة أي إنه لا يقدم نفسه باللغات الفرنسية أو العربية أو الصينية أو الروسية.
إن لجنة ألفريد نوبل كربان مركب ثمل رغماً عنه لا صبر لديه في تمحيص الأعمال والحكم عليها فيبدو أنها تمنح الجائزة تارة تبعاً لمصالح النخب الغربية وتارة حسب الأحداث الملتهبة وما يحصل لا يبدو جدياً حيال الأشخاص الذين حملوا الفائدة الكبرى للإنسانية وكأن مؤسسة نوبل ألقت القناع وتقلدت دورها كغرفة تسجيل لأجندة سياسية ثقافية غربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن