سوريةعربي ودولي

العبادي أطلقها أمس.. وزادت السجال بين بغداد وأنقرة.. والتحالف الدولي يتجاهل أرتال الدواعش … معركة الموصل مفتاح إستراتيجية شاملة ضد الإرهاب في سورية والعراق

| سامر ضاحي

أعلن العراق أمس انطلاقة أكبر معركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، وسعى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن إلى إظهار جدية في مكافحة التنظيم، وسط سجال سياسي بين أنقرة وتركيا التي واصلت محاولاتها لشرعنة تدخلها في العراق، على حين رفض الأخير مشاركة قوات أنقرة في العملية.
ويبدو أن المعركة ستكون آخر إنجازات الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل رحيله عن البيت الأبيض، كما تبدو الفرصة متاحة اليوم أمام المنخرطين في المعركة للتحالف مع نظرائهم غرباً وخاصة دمشق وموسكو وإيران إلى جانب قوى أخرى إقليمية وغربية لمحاولة التأسيس لإستراتيجية شاملة ضد الإرهاب عموماً وليس فقط ضد داعش ولاسيما أن الاجتماعات التي انعقدت مؤخراً حول سورية تؤكد ضرورة فصل جبهة النصرة الإرهابية التي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام عن المقاتلين المعتدلين من فصائل المعارضة المسلحة.
واليوم سورية والعراق هما البؤرتان الأساسيتان لتصدير الإرهاب إلى العالم بعدما جاء إليهما كل إرهابيي العالم تقريباً وفتكوا بالسوريين والعراقيين، وبعدما فشلت كل جهود الحل السياسي الذي تبدو الفرصة اليوم أكبر من قبل للتمهيد له بإخلاء البلدين معاً من الإرهاب.
وصباح أمس أطلق رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة العراقية شارة انطلاق معركة الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية، والتي ترزح تحت سيطرة التنظيم منذ العاشر من حزيران عام 2014، والتي شهدت أول ظهور علني لزعيم داعش أبو بكر البغدادي، الذي نجا أمس من غارة للتحالف وفق ما نقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصدر أمني أكد أن نجاة البغدادي كانت في اللحظات الأخيرة لقصف بالطائرات، استهدف اجتماعاً عقدته قيادات تنظيم «داعش» في منطقة الغابات بالموصل.
ورغم تأكيد العبادي أن القوات التي ستدخل الموصل هي «الجيش العراقي والشرطة الوطنية» حصراً، إلا أن عدة فصائل أعلنت مشاركتها في العملية إلى جانب القوات العراقية، أبرزها قوات «الحشد الشعبي» بزعامة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي إضافة إلى قوات البيشمركة الكردية فيما أبدى حزب العمال الكردستاني جاهزيته للمعركة التي أشارت التقارير الإعلامية المواكبة لها إلى وصول عدد المنخرطين فيها إلى 60 ألف مقاتل يشنون هجوماً متزامناً من أربعة محاور: «محوران شمالي وشرقي عبر تلعفر وسهل نينوى، أوكلت المهمة فيه لقوات البيشمركة، ومحور جنوبي عبر القيارة للقوات المشتركة من جيش وشرطة اتحادية، أما المحور الرابع غربي مدينة الموصل فيهدف لمنع تسلل عناصر داعش إلى سورية».
من جهته أكد قائد عملية «العزم التام» التي ينفذها «التحالف»، الجنرال ستيفن تاونسند، أن جميع القوات البرية التي تشارك في معركة الموصل هي «عراقية»، مرجحاً أن تكون المعركة «طويلة وشاقة»، على حين رحب وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بالإعلان عن بدء العملية، إضافة لترحيب المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى التحالف بريت ماكغرك بالإعلان ذاته.
وبدا لوهلة أن أنقرة حاولت شرعنة تدخلها في العراق بموازاة عملية الموصل إذ أوفدت مستشار خارجيتها أوميت يالتشين على رأس وفد رفيع إلى بغداد لمناقشة التطورات بين البلدين بعدما توغلت القوات التركية منذ أيام بزعم مكافحة داعش مؤكدة أنها دربت 4000 مقاتل عراقي في معسكر بعشيقة يشارك منهم ثلاثة آلاف في المعركة، كما أن يالتشين لم يقدم شيئاً لبغداد وفق ما ذكر المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، الذي تشدد حكومته على وصف القوات التركية في بعشيقة بـ«المعادية»، بموازاة دفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية جديدة إلى الحدود مع العراق، إلى أطراف بلدتي شرناك وسلوبي التركيتين على الحدود العراقية، وهو ما دفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لدعوة حلفائه للزحف نحو السفارة التركية و«التظاهر سلمياً» أمامها.
وتعتبر عملية الموصل أول تعاون بين بغداد وأربيل رغم ما تشهده علاقة المدينتين من تجاذبات، حيث أعلن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني أن حكومته تنسق بشكل كامل مع الحكومة المركزية في بغداد موضحاً أن «الخطة الموضوعة للعملية حددت مهام كل طرف في المعركة»، مبيناً أن هذه المرة الأولى التي يدخل فيها الجيش العراقي بعملية مشتركة مع البيشمركة.
وعصر أمس وصلت الفرقة التاسعة المدرعة إلى مشارف قضاء الحمدانية جنوب شرق الموصل، في حين انسحب مقاتلو داعش من قرى في الجنوب، فيما يتوقع حسب الخطة أن تصل قوات البيشمركة في المرحلة الاولى، إلى قضاء الحمدانية الذي يبعد عن الموصل 10 كيلو مترات بعدما سيطرت أمس على 9 قرى من بينها شاقولي والبدنة الكبرى والبدنة الصغرى وقطعت الطريق الرئيس الرابط بين الموصل وإربيل ويشكل اقتحام الحمدانية المرحلة الثانية من العملية التي تشير مرحلتها الأولى إلى نية الإطباق على حصار الموصل أولاً.
بموازاة ذلك انهار خط دفاع داعش الأول بسرعة في محور بعشيقة مع تقدم للقوات العراقية المشتركة، بموازة قصف التحالف الدولي بصواريخ ذكية مواقع للتنظيم في الموصل انطلاقا من قاعدة القيارة، مع الأنباء المتواردة والتي تشير إلى أن التحرك البري لـ» الحشد الشعبي « لم يبدأ لغاية إعداد هذه المادة، واكتفت بالقصف الدقيق بالقوة المدفعية والصاروخية لدعم تقدم القوات الأمنية
وحدها السعودية حاولت التشويش على العملية بعدما جندت إعلامها منذ مدة لهذه الغاية زاعمة الحرص على أهالي الموصل من تقدم ما وصفتها «الميليشيات الشيعية» في إشارة إلى «الحشد الشعبي» وفق المزاعم التي كررها وزير خارجيتها عادل الجبير.
في الأثناء أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن ابرز وزراء دفاع دول «التحالف الدولي» سيجتمعون في باريس يوم 25 الشهر الجاري «لبحث الهجوم على مدينة الموصل في العراق بشكل خاص».
وأشارت وكالة «فرانس برس» إلى أن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان سيستقبل 12 وزيراً بينهم وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، إلى جانب وزراء دفاع كندا وأستراليا ونيوزيلاندا و8 دول أوروبية (بريطانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا والنروج والدنمارك). من أصل 60 دولة تشارك في «التحالف».
وفيما لفتت مصادر مقربة من لودريان وفق «فرانس برس» إلى وجوب «تجنب انتقال قوات كبيرة لداعش من منطقة الموصل نحو المنطقة السورية»، تبدو الأنباء الواردة من العراق معاكسة إذ تؤكد أن مقاتلي داعش يهربون وبأرتال كبيرة نحو الحدود السورية، وهو ما يعيدنا بالذاكرة إلى كشف مصدر روسي منذ مدة خطة سعودية أميركية للدفع بمقاتلي التنظيم من العراق باتجاه الأراضي السورية.
وأكدت مصادر «فرانس برس» أن اجتماع باريس «سيكون مناسبة للتذكير بأهمية استعادة الرقة» لا تشير التطورات الآتية من الاجتماعات الدولية المنعقدة مؤخراً حول سورية سواء في لوزان منذ ثلاثة أيام أو في لندن أول أمس إلى أي نية أو توافق دولي لبناء إستراتيجية موحدة ضد الإرهاب وخاصة أن المجتمعين في لندن أكدوا على أهمية فصل النصرة عن «المعارضة المعتدلة» وهو ما لا يمكن فصله عن محاربة داعش في أي ادعاء لمكافحة الإرهاب، اما نجاح عملية الموصل في ظل مواصلة الانزياح الداعشي نحو الرقة يعني تعقيداً أكثر في الخريطة الجيوسياسية وسيدفع التنظيم إلى محاولة الرد بعمليات انتقامية سواء في الداخل السوري عبر الاستماتة في توسيع سيطرته أو خارج الحدود السورية عبر عمليات إرهابية دامية على غرار عمليتي باريس وبروكسل في الماضي.
واليوم نحن أمام فرصة لربط أطراف معركة الموصل شرقاً بالجيش العربي السوري وحلفائه الروس والإيرانيين غرباً وقوات تركيا المنخرطة في عملية درع الفرات شمالاً للقضاء على التنظيم ومحاصرته في مساحات تضيق أكثر، إلا أنه لا شيء يلوح في الأفق في الوقت الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن