اقتصاد

20 مليون ليرة «كبيرة»..!

| علي هاشم 

شركة للصادرات؟؟!! لماذا لا نبدأ بالبحث في تأسيس شركة للإنتاج.. مثلاً، فأقله إذ ذاك، سيتاح لنا أن نتعرف على الوجهة المثالية لمنتجاتها، والطرق الأسلس التي ستسلكها، والمصاعب التي يجب تذليلها لتسهيل تدفقها!!
خلال الأسبوعين الأخيرين، تفرّغ فريقنا الاقتصادي لعقد اجتماعين متتاليين من «العصف الفكري» تمحصا في ملف التصدير، أسفر ثانيهما عن ومضة «تأسيس شركة متخصصة للتصدير»، وما بينهما، شهد ملعبنا الاقتصادي نداء استغاثة متجدداً أطلقه صناعيو حلب من واديهم السحيق محذرين من «الانهيار»، نافضين الغبار عن أهمية تحلي نخبتنا الاقتصادية الحكومية بالعلمية لدى ترتيب أولويات «عصفها»؟!
من حيث الشكل، تبدو شركات التصدير القائمة متناسبة تماما مع إنتاجنا الراهن، وبغض النظر عن تسميتها «شحّينة، شقيعة..» وما إلى ذلك من أوصاف يراد منها استيلاد مشروعية لعناوين جلسات «عصف التصدير»، فإن مضامين بيانات اقتصادنا الكلي وتقهقر ناتجنا المحلي إلى النصف مع بقاء صادراتنا قرب «ثلث» وارداتنا من جهة، إلى جانب هيكلية ميزاننا التجاري من الأخرى، يؤكدان –من دون لبس- بأن مشكلتنا ليست -إطلاقاً- في صعوبة التصدير، بل فيما قبله، ولربما ما ساقه وزير الصناعة خلال جلسة «عصف» الأحد الماضي يدعم وجهة النظر هذه، وخاصة حين أبدى اعتزازه بمصنع للأحذية في حماة يصدر منتجه بسلاسة إلى السوق الصينية، وآخر للسجاد الحريري في حلب ينافس نظيره الشهير في إيران.
ما سبق، ليس خافيا على الفريق الاقتصادي، ولعل فوضاه القائمة في اختيار عناوين جلسات «الأحد الاقتصادي»، مردها قلقه البالغ من اختلال ميزاننا التجاري، إلا أن ذلك لا يجدر به أن يطعن علمية أعضائه ممن يفترض مسارعتهم لإعادة ترتيب الأولويات وفاء لنواميس الاقتصاد وخصوصيته الوطنية راهنا، وآنذاك، سيسهل علينا لمح التصدير في مرتبة متأخرة مفسحا المجال لمصلحة حاجاتنا الإنتاجية المريرة كشرط لازم في سد ما أمكن من الممر الآمن الذي تسلكه مستورداتنا.
وبالطبع، فذلك الإنتاج لا يمكن أن يولد على أيدي الرؤى المتواضعة التي أسفر عنها اجتماع «العصف» الذي خصص لقضايا استنهاض الإنتاج والتمويل المصرفي يوم أحد الأسبوع الماضي، ولا تحت ظلال العقلية التي تنضح بمشاريع من طراز «مصفوفة المشاريع الصغيرة» وميزانيتها الـ«20 مليون ليرة» التي طرحت في أحد الأسبوع الجاري!!.. فمع هذا المبلغ، يمكن لفريقنا الاقتصادي التأكد بأن طابور «مصفوفته» هذه لن تتسع لـ«اصطفاف» أكثر من ثلاثة أو أربعة منتجين إذا ما قورنت بالتكلفة القياسية العالمية لتوليد فرصة عمل!.
منعا لّلبس في تقييم نيات الحكومة، فبلا شك، قد يقيّض لصياغة بيئة تصدير فعالة أن يرسخ أثرا إيجابياً على تنمية الإنتاج بقدر ما، لكنه لن يكون وازنا للدرجة التي تعفيه من الإجابة عن أسئلة المواجع الإنتاجية التي سكبتها الحرب كالماء المُهل على وجه اقتصادنا.. أسئلة تفترض الواقعية التيقن من أن إجاباتها لن تكون شافية ما لم يتم استقاؤها عبر مشاركة الصناعيين عقولهم وهمومهم.
وما لم تفعل، فلتقنع الحكومة بما لديها من تصدير متناسب تماما مع ما تصنعه، ولتقلع حينها عن تأليب ذكرياتنا بـ«الدروس الخصوصية» التي كان لطالما خضع لها بعض «فرقنا» الاقتصادية في حكومات خلت على أيدي خبراء الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي تحت يافطة «العصف الفكري».. وللأمانة، فثمة الكثير من المشتركات الشكلية بينهما!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن