سورية

عشية انطلاق مشاورات جنيف العسكرية.. خطوة موسكو ودمشق بايقاف العمليات الجوية في حلب كـ«حسن نية».. تلقى تأييداً أوروبيا وتشكيكاً أميركياً

| الوطن- وكالات

أوقفت روسيا وسورية العمليات الجوية في مدينة حلب كبادرة «حسن نية»، فاتحتين بذلك المجال أمام المشاورات الخماسية العسكرية التي شهدتها عاصمة المنظمة الدولية جنيف، بدعوة أميركية، من أجل بحث سبل الفصل بين «المعارضة المعتدلة» و«جبهة النصرة» في الأحياء الشرقية من حلب والتي يتحصن بها المسلحون أمام هجوم الجيش السوري وحلفائه.
المبادرة الروسية السورية جاءت بعد يوم من إعلان موسكو عن هدنة إنسانية لثماني ساعات في مدينة حلب يوم غد الخميس فقط. وحظيت الخطوة الروسية بتأييد أوروبي وتشكيك أميركي في جدواها.
وعلى أي حال، فإن الإعلان الروسي عن وقف عمليات القصف الجوي جاء مشفوعاً بدعوة الدول المؤثرة على المسلحين في شرق حلب، لإقناع هؤلاء بـ«مغادرة» المدينة عبر ممرين أحدهما طريق الكاستيلو، عوضاً عن «المماطلة السياسية».
وبمشاركة خبراء عسكريين من روسيا، الولايات المتحدة، تركيا، قطر، السعودية، تنطلق اليوم الأربعاء مشاورات في جنيف تبحث الفصل بين «المعارضة السورية المعتدلة» والإرهابيين، حسبما نقل موقع «روسيا اليوم» عن مصدر في مكتب المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا. وأوضح المصدر أن دي ميستورا لن يشارك في المشاورات العسكرية، بينما لفت مصدر آخر إلى أن قائمة المشاركين في المشاورات ليست نهائية.
وأكدت البعثة السعودية في جنيف مشاركتها في اللقاء الذي سيبدأ الساعة العاشرة من صباح الأربعاء، مشيرةً إلى أن البعثة الأميركية هي من ينظم هذه المشاورات.
وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن مشاورات جنيف العسكرية جاءت تنفيذاً لما اتفق عليه المجتمعون في مدينة لوزان السويسرية السبت الماضي، وأن هدفها بحث الفصل بين «النصرة» وما يسمونه «معارضة معتدلة» في حلب. وبين أن موسكو ستنظر في نتائج عمل الخبراء. وأضاف: «إذا نجح هذا الأمر وغادر المسلحون المدينة فسيتم تمديد الهدنة».
وخلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية باراغواي في العاصمة الروسية، قال لافروف: «لقد توقفت الطلعات الجوية للطائرات الروسية والسورية في حلب.. كبادرة حسن نية». وأضاف «يجب استخدام هذه الهدنة من شركاء روسيا لفك الارتباط بين «النصرة» والتنظيمات المتفرعة منها، وبين الفصائل التي يتم تمويلها ودعمها وتسليحها من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والإقليمية، وقد كانوا وعدونا بذلك منذ شباط هذا العام على الأقل لكنهم لم يفعلوا أي شيء تحت ذرائع مختلفة».
وبيّن أن مثل هذه المواقف للدول الغربية تعكس رغبتها في «إبعاد» «النصرة» الإرهابية عن الضربات لمحاولة استخدامها ضد الدولة السورية على الرغم من أن جميع تصريحاتها تدور حول عدم وجود مثل تلك الخطط. وأكد أن هناك خيارات عدة للفصل بين الإرهابيين و«المعتدلين»، بينها طرد «النصرة» من حلب، مضيفاً: إن روسيا ستدعم هذه المقاربة بالذات التي تنص عليها خطة دي ميستورا.
وشدد لافروف، قائلاً: «على الفصائل التي لا تعتبر نفسها تابعة لتنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي الانضمام إلى اتفاق وقف الأعمال القتالية، وفقاً لما تنص عليه الاتفاقات الروسية الأميركية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة».
من جانب آخر، أوضح الوزير الروسي أن بلاده تراقب معركة تحرير مدينة الموصل العراقية عن كثب، لكنه نبه إلى «مخاطر تسلل إرهابيي داعش من العراق إلى سورية»، وأضاف: «سنقوم بتقييم الأوضاع واتخاذ القرارات السياسية والعسكرية المناسبة إذا حدث ذلك».
وبدوره اعتبر نائب وزير خارجية روسيا سيرغي ريابكوف، أن العملية السياسية في سورية باتت معلقة، لكنه أشار إلى أن فرصة استئناف المحادثات السورية السورية في جنيف ما زالت قائمة، ورأى أن «الآفاق ليست مغلقة».
وأكد ريابكوف استعداد روسيا لمواصلة العمل لتحريك العملية السياسية في سورية «على الأصعدة كافة خاصة على صعيد وزارة الدفاع».
من جهة أخرى، قال ريابكوف: إن «موسكو لم تر منذ فترة طويلة ما هي عليه اليوم تلك الهوة الشاسعة والمأساوية بين تعهدات الولايات المتحدة بالالتزام بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية، وبين حقيقة ما تفعله في هذا الاتجاه وكيف تتصرف في علاقاتها مع عملائها في سورية»، مشدداً على أن ذلك يعد لحظة قلق حقيقي للغاية.
ورأى ريابكوف، أن إعلان موسكو عن هدنة حلب إنسانية تتعلق مباشرة بتنفيذ مبادرة دي ميستورا القاضية بانسحاب المسلحين من شرق حلب، وأضاف: «الهدنة الإنسانية هي انعكاس لحقيقة أن موسكو تتخذ موقفاً مسؤولاً جداً لضمان وصول المساعدات الإنسانية» مشيراً إلى أن موسكو ترى قيمة كبيرة في اقتراح دي ميستورا بانسحاب المسلحين من شرق حلب وهي لا تتخلى عن العمل مع الأمم المتحدة بغية تسوية الأزمة في سورية.
ونبه ريابكوف إلى أن «الصعوبة تكمن في حقيقة أن الأميركيين ليسوا على استعداد للتغلب على عقيدتهم الخاصة بهم»، موضحاً أن «أحد عناصر هذه العقيدة هو الامتناع عن التعاون الشامل مع روسيا الاتحادية في المجال العسكري وفي محاولة تصوير الأمر بشكل يجعل الحوار الثنائي الروسي الأميركي بشأن سورية يبدو وكأنه قد توقف» لكنه أكد عدم صحة ذلك لأن هذا الحوار لا يزال مستمراً.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بلاده تتوقع من الدول الأخرى التي تسعى لحل الصراع في سورية، الانضمام إلى جهودها لتطبيع الوضع في حلب بعدما أوقفت موسكو الضربات الجوية على المدينة كبادرة لحسن النية. ونفى أي صلة لهذا القرار بما أشيع من أن روسيا تحاول تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إليها، مؤكداً أن هذا القرار أملته «إرادة العسكريين الروس الطيبة».
وأضاف بيسكوف في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحفيين: «تتوقع روسيا الآن من شركائها… المساعدة في هذه العملية الإنسانية وضمان مغادرة قطاع الطرق حلب، خاصة شرقها من أجل بدء عملية حقيقية للتفرقة بين ما يعرف باسم «المعارضة المعتدلة» والجماعات الإرهابية.
وبعد اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في مدينة حلب، بشر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بأن وقف إطلاق نار دائم في المدينة ممكن في حال خروج مسلحي «النصرة» من أحيائها الشرقية. لكنه أشار إلى رفض الجبهة مقترح المبعوث الأممي (حول تقديم الضمانات لخروجهم من أحياء حلب الشرقية)، مضيفاً إنهم يرفضون أي مقترح آخر.
وكشف عن أن المشاورات العسكرية التي ستجري في جنيف اليوم هي أمر لطالما طالبت به روسيا، وبين أن السعودية وقطر وتركيا «أعربت عن عزمها على العمل بصورة دؤوبة مع الفصائل المعارضة المعتدلة كي تبتعد عن النصرة». وأكد أن مقاتلي الجبهة أمامهم أحد خيارين: إما أن يغادروا الأحياء الشرقية لحلب و«إما أن يهزموا».
ونقل تشوركين عن دي ميستورا، أن مقاتلي النصرة في شرق حلب يشكلون أقل من «واحد على عشرة» من إجمالي مقاتلي المعارضة المعتدلة (900 جهادي تقريباً مقابل نحو 10 آلاف مقاتل في الفصائل المعتدلة). وتابع: أنه إذا غادر مقاتلو «النصرة» شرق حلب، فإن «الاتفاق الذي تم التوصل إليه في لوزان ينص على أن تتفاوض المعارضة المعتدلة مع الحكومة السورية على وقف للأعمال القتالية».
وأوضح أن الهدنة الإنسانية التي أعلنها الروس من جانب واحد، في حلب لمدة 8 ساعات «يمكن أن تطول» واستدرك «لكن هدنة مدتها 48 ساعة أو مدتها 72 ساعة تحتاج إلى نوع ما من الترتيبات المتبادلة».
وتستهدف المبادرة الروسية إخراج جميع المسلحين من شرقي مدينة حلب، على حين يعول الغرب والدول الإقليمية ودي ميستورا، على إمكانية التوصل إلى تسوية تؤدي إلى خروج مسحلي «النصرة» من معاقل المسلحين بثاني أكبر المدن السورية، وبقاء مسلحي الفصائل الأخرى في مواقعهم.
في المقابل، حذرت هيئة الأركان الروسية من أن الإرهابيين في حلب لا يزالون يتلقون أسلحة متطورة من داعميهم، ومن بين تلك الأسلحة صواريخ «تاو» الأميركية.
وجاء ذلك مترافقاً مع إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن موضوع إرسال أسلحة فتاكة للمعارضة السورية يتم مناقشته مع شركاء المملكة في التحالف الدولي. وأضاف: «هناك خطوات يتم اتخاذها، ولكن مجدداً هذا أمر لن نعلن عنه على الهواء».
وتابع الجبير قائلاً: «إذا لم تجدِ العملية السياسية نفعا، فإننا نعتقد أنه على المرء العمل على تغيير موازين القوى على الأرض، وهذا يمكن الوصول إليه فقط عبر زيادة حجم وقوة فتك الأسلحة المرسلة للمعارضة المعتدلة، وهذا أمر دعت له المملكة العربية السعودية وشركاؤها في التحالف».

تعليمات شويغو للكادر العسكري الروسي

جاء في أمر لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمس خلال اجتماع للكادر العسكري الروسي: «ابتداء من الساعة العاشرة صباح اليوم (أمس) تتوقف ضربات طيران القوات الفضائية الجوية الروسية والقوى الجوية السورية في منطقة حلب».
ودعا شويغو، حسب وكالة «سانا» «الدول ذات التأثير على المجموعات المسلحة في الجزء الشرقي من حلب إلى إقناع قادتها بوقف القتال ومغادرة المدينة»، مؤكداً أنه «يجب على كل المعنيين فعلاً باستقرار الوضع في مدينة حلب القيام بخطوات سياسية حقيقية بدلاً من المماطلة السياسية».
ولفت شويغو إلى أن «المبادرة الروسية حول إعلان تهدئة إنسانية في حلب.. الخميس ستساعد على إنجاح عمل الخبراء العسكريين» في جنيف، لافتاً إلى أن «القوات السورية ستنسحب قبل بدء التهدئة الإنسانية (غداً الخميس) إلى مسافة تسمح للمسلحين بمغادرة حلب الشرقية عبر ممرين خاصين عن طريق الكاستيلو ومنطقة سوق الحي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن