قضايا وآراء

خيارات القوة

| صياح عزام 

بينما كانت الأحداث في سورية تتجه نحو رسم خطوط عامة للحل النهائي، ورغم الغموض الذي كان يلف التصور العام للمرحلة السياسية المقبلة على أمل أن تتضح الصورة لاحقاً بشكل تدريجي من دون المساس بواقع الرئاسة السورية الحالية، جاءت النبرة الأميركية العالية المترافقة مع خطاب التهديدات لسورية وضرب مطاراتها ومواقعها، بعيداً عما تم التوصل إليه في اتفاق 9 أيلول الماضي.
حتى الآن، ما زال البعض في الإدارة الأميركية يرى أن الميزان الاستراتيجي الكبير في العالم لم يطرأ عليه أي خلل، وأن الولايات المتحدة ما تزال تتحكم بمفاصل الأمن والسياسة الدوليين كما يحلو لها، وكأنه لا توجد قوى عالمية صاعدة مثل روسيا والصين اللتين أثبتتا قدرتهما على الذهاب إلى النهاية في الملفات ذات الطبيعة الإشكالية مع الأميركيين من دون أي صخب إعلامي ودبلوماسي في حراكهما السياسي.
لقد شكل النشاط الروسي الأميركي في التعامل مع الأزمة السورية اختباراً مباشراً لطبيعة العلاقات الدولية في ظل النظام العالمي الجديد بنسخته المحدثة في مرحلة ما بعد غزو العراق، وهي الحقبة التي فتحت الباب أمام المتعصبين في واشنطن وخاصة البنتاغون لتسويق فكرة ما سموه «الانكفاء» النسبي داخل الإدارة الأميركية على حساب «الانخراط القوي».
ويسند هؤلاء حججهم إلى سلسلة أحداث استشعروا منها إحجاماً أميركياً عن التصعيد، أبرزها ما سموه تجاوز الرئيس أوباما للخط الأحمر المتعلق بمسألة التراجع عن ضرب دمشق في إطار مسألة السلاح الكيميائي، وغير ذلك.
لاشك بأن تفكير «الصقور» هذا، مبني على جرعات فائضة من التفاؤل بقوة أميركا من جهة، وعلى سوء التقدير من جهة أخرى، فهم يعتقدون أن النظام الدولي الجديد الذي ظهر عقب انهيار الاتحاد السوفيبتي لم يطرأ عليه جديد بعد، وقد لا يطرأ عليه جديد في المدى الزمني المنظور المصاحب لأزمات المنطقة العربية، بعد انطلاق ما يسمى «الربيع العربي» قبل ما يزيد على خمس سنوات، وبالتالي يجب ألا يُسمح لروسيا بالتمدد سواء على الرقعة السورية أو غيرها.
في هذا السياق، جاءت المراوغات الأميركية الملموسة منذ اتفاق شباط للهدنة في سورية وحتى الآن، وضمنه أي ضمن هذا السياق جاءت الطعنة الأميركية الغادرة للجيش السوري في دير الزور، ثم تعطيل اتفاق التاسع من أيلول الماضي.
كأنه يصعب على «الصقور» الأميركيين ابتلاع ما يسمونه تفوقاً روسياً مباشراً على تدخلات أميركية وأطلسية في الحرب على سورية، وخاصة أن الميدان أظهر أن الجيش السوري مدعوماً من حلفائه، يتجه نحو حسم المعارك لمصلحته في حلب وغيرها. ولهذا يبدو أن سياسة الإدارة الأميركية الراهنة أكثر انفتاحاً على خيار استخدام القوة العسكرية لبلورة حل نهائي في سورية بحيث يكون هذا الاستخدام بديلاً من تشرذم وهزائم المجموعات الإرهابية، إلا أنه يبدو أن هؤلاء الصقور يتجاهلون أن مثل هذا الخيار قد تكون له نتائج كارثية ناهيك عن أنه لن يحقق لهم ما يصبون إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن