الأولى

لماذا ميشال عون؟

| بيروت – محمد عبيد 

شكل صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 أواخر العام 2004 محطة مفصلية لفرض تحول إستراتيجي في موقع لبنان القومي، هذا الموقع الذي تكرس من خلال مقدمة وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) التي ثبتت انتماءه العربي من بوابة العلاقات المميزة بينه وبين سورية. كما شكل القرار المذكور محاولة لنزع «الشرعية السياسية» عن المقاومة اللبنانية (حزب اللـه) التي نجحت في انتزاعها حتى من أخصامها الداخليين بعدما هزمت جيش الاحتلال الإسرائيلي وطردته مع عملائه من معظم الأراضي اللبنانية ربيع العام 2000، وذلك عبر وصم هذه المقاومة الشريفة والراقية بالميلشياوية والدعوة إلى نزع سلاحها.
غير أن هذا القرار الدولي لم يؤدِّ إلى النتيجة التي أرادها الذين دبروه وأعدوه وأقروه على المستويين الدولي والإقليمي وخصوصاً من جهة إخراج قوات الجيش العربي السوري من الأراضي اللبنانية، فكان لا بد من تدبير حدث كبير ما تمثل باغتيال الرئيس المرحوم رفيق الحريري بالتزامن مع حملة سياسية إعلامية اتهامية ضد سورية والمقاومة بهدف خلط الوقائع وفرض أمر واقع يؤدي إلى حصار المقاومة داخلياً عبر عزل حاضنتها الشعبية عن باقي مكونات الشعب اللبناني بعد خروج سورية عسكراً ونفوذاً من لبنان.
في هذا التوقيت-التحول قرر العماد ميشال عون العودة إلى لبنان متحدياً مساعي عديدة بذلتها ما يسمى آنذاك «قوى 14 آذار» مع المخابرات الفرنسية لتخويفه ومنعه من العودة بهدف السطو على شعبيته وتوظيفها في المشروع الأميركي-الفرنسي-السعودي ضد سورية والمقاومة وتباعاً إيران.
غير أن العماد ميشال عون الذي اعتاد مفاجأة أصدقائه كما خصومه عاد حاملاً رؤية سياسية مختلفة عن تلك التي حملها معه يوم مغادرته القسرية، بدأت بإعلانه الرغبة في صداقة سورية بعد خروج قواتها من لبنان، هذه الرغبة التي تحولت إلى زيارتين مشهودتين له ولعائلته ولبعض قياداته إلى دمشق وحلب وبراد العامين 2008 و2009 أسستا لتنسيق وتواصل دائمين حتى يومنا هذا. كما تجلت بإطلاقه حواراً سرياً مع قيادة حزب اللـه تُوجَ باللقاء المباشر مع السيد حسن نصر اللـه في السادس من شباط العام 2006 وتوقيع تفاهم تحول اليوم إلى تكامل وطني وجودي وإستراتيجي كما عبر عن ذلك عون بنفسه مؤخراً.
واليوم وبعد كل تلك المحطات التجريبية الإقليمية والمحلية العديدة لتحالف عون وتياره مع حزب اللـه وأمينه العام كما لصداقته وتياره مع سورية وبالأخص رئيسها بشار الأسد يمكن القول إن مفاعيل مشروع القرار 1559 ماتت قبل أن تولد بحيث إن سورية عوضت عن خروجها من لبنان بتحالفات وصداقات أعمق وأصدق من تلك التي نسجها بعض مسؤوليها السابقين مع بعض المسؤولين اللبنانيين الذي انقلبوا عليها ودبروا لها المكائد وما زالوا.. كذلك فإن النسيج الوطني الذي أمدّ عون وتياره المقاومة به حصّنها داخلياً واحتضنها بعدما حاول بعض اللبنانيين ملاقاة العدوان الأميركي الإسرائيلي عليها في تموز العام 2006.
واليوم أيضاً صار بإمكان المقاومة التي تتجهز وتستعد دوماً لمواجهة غدر العدو الإسرائيلي والتي تقاتل الإرهاب التكفيري على الحدود اللبنانية وفي الداخل السوري أن تطمئن إلى رئيس للجمهورية يحمي ظهرها سياسياً ووطنياً، كما صار بإمكان سورية أن تثق بأن لبنان الرسمي لن يقبل أن يكون ممراً أو مقراً لأي متآمر يستهدف حدودها أو جيشها أو شعبها أو حتى نظامها السياسي انطلاقاً من الأراضي اللبنانية تمهيداً لاستعادة علاقات طبيعية وأخوية بين البلدين، وذلك بناءً على مبدأ تحييد لبنان عن الأزمة في سورية والذي يتوقع أن يُقر في بيان الحكومة الجديدة والذي يفرض على منتهجه التوازن في العلاقات مع الأطراف المتحاربة وعدم الانحياز إلى الممالك والإمارات والدول التي تعتدي على سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن