ثقافة وفن

أوروبا الجديدة وعلاج أميركا للمسألة تفادياً لخطر إرهابي قادم … «تفريخ بني لادن»… هل سنشهد أوروبا مسلمة في السنوات العشر القادمة؟ .. «زاكاري شور» في تحليل ممنهج لوجود المسلمين في أوروبا بين معتدلٍ ومتطرّف

| عامر فؤاد عامر

يركز كتاب «تفريخ بني لادن» لمؤلفه زاكاري شور والذي نقله إلى العربية الدكتور نايف الياسين على الأغلبيّة المعتدلة من مسلمي أوروبا وأميركا، لكنه لا يتجاهل المتطرفين منهم، بالتالي هناك إلقاء ضوء مباشر ولا مباشر حول أسباب العنف وجذوره سيتمكن القارئ من استنتاجها بعد التمعن في شهادة الأشخاص الذين التقاهم مؤلف الكتاب «زاكاري شور» الذي اجتهد في جمع الكتاب وأفكاره والشهادات التي صنعته والسعي الحثيث لنشره.

القاتل المجتهد
يصف الكتاب حادثة قتل المخرج الهولندي «ثيو فان كوخ» من قبل المغربي «محمد البويري»، وقد كان المخرج قد صنع فيلماً عن اضطهاد المرأة المسلمة من ذويها، لكن في حادثة القتل تلك يترك «البويري» أوراقاً على جثة المقتول وفي آخرها مكتوب: «لا شكّ لدي بأنك يا أميركا ستسقطين ومعك أوروبا». ويبين الكاتب عن تنشئة الإرهابيين وأسباب ذلك النشوء ويؤكد أن نبذ الشخص في مجتمع جديد يهاجر إليه أو يولد فيه هو ما يدعوه لأن يكون إرهابيّاً! لكن وفي موقع آخر من مقدمة الكتاب يذكر لنا أيضاً مجموعة من الإحصائيات الحديثة نوعاً ما عن الآراء السلبية للمسلمين تجاه أميركا بين الدول العربية وتركيا وهي دراسات ونسب تشير إلى نمو مفهوم العدائيّة تجاه أميركا والغرب عموماً!

جسور لندن
يروي هذا القسم شهادات أشخاص من إنكلترا صرّحوا بها بعد أن فجّر مسلم نفسه في باصٍ للنقل وقتل اثني عشر شخصاً آخرين معه قرب ساحة «تافي ستوك» في السابع من تموز 2005. معظم هذه الشهادات جاءت بصيحات ضدّ وجود المسلمين في انكلترا، وعدم المنفعة من وجودهم. كما تذكر هذه الفقرة أيضاً مجموعة من التطورات المتلاحقة ليقول لنا الكاتب «زاكاري شور»: «إن الإسلام يمرّ بمرحلة إحياء في سائر أنحاء أوروبا، وفي سياق سعي الشباب المسلمين الأوروبيين لإيجاد مكانٍ لهم في الاتحاد الأوروبي، يجد العديد منهم في الإسلام نوعاً من المعنى، والغاية، والهويّة، يختلف عمّا وجده فيه جيل آبائهم. أنهم يصبحون أكثر التزاماً وحماساً لدينهم مما كان عليه آباؤهم». ما زال هؤلاء الشباب المسلمون حديثو الصحوة، أقليّة بين نظائرهم من المسلمين الأوروبيين غير أن الدّلائل تشير إلى أنهم قد لا يظلون أقليّة لوقتٍ طويلٍ.

صحواتٌ إسلاميّة
يرد في مقطع من كتاب «تفريخ بني لادن»: «إن اجتذاب قلوب وعقول الشباب المسلمين في أوروبا هو ضرورة ديموغرافية. إن أوروبا المسلمة أكثر شباباً من أوروبا المسيحيّة. إن ثلث خمسة الملايين مسلم في فرنسا هم تحت العشرين من العمر مقارنة بـ21 بالمئة من السكان الفرنسيين بشكل عام، وثلث الأربعة ملايين مسلم الذين يعيشون في ألمانيا هم تحت الثامنة عشرة مقارنة بـ18 بالمئة من السكان الألمان بشكلٍ عام. وثلث المليون ونصف المليون مسلم الذين يعيشون في بريطانيا هم تحت سنّ الـ15 مقارنة بـ20 بالمئة من السكان البريطانيين بشكلٍ عام. ثلث المسلمين البلجيكيين البالع عددهم 364 ألفاً هم أيضاً تحت سنّ الـ15 مقارنة بـ18 بالمئة من العدد الإجمالي للسكان.

وجهان أو مستقبلان
تواجه أوروبا مستقبلين مختلفين كلاهما محتمل، واحد منهما يعدّ المسلمين جزءاً من الهويّة الأوروبيّة الجديدة في حين الآخر يقصي المتدينين منهم ويتركهم فريسة للمتطرفين الإسلاميين. في ألمانيا يعيش المسلمون كمواطنين من الدرجة الثانية وبالتالي فإن التداعيات ستكون عميقة والظروف مهيأة لانفجار اجتماعي.

صداع الحجاب وفوضى الكاريكاتير
كان من المفروض لقضيّة الرسوم الكاريكاتوريّة أن تؤدي إلى وظيفتين أساسيتين: الأولى إبراز الحاجة إلى التوازن بين حريّة التعبير واحترام الحساسيّات الدينيّة مع حقيقة أن التطرف الإسلامي موجود داخل أوروبا ومن المفروض التصدّي له.
السبب الأساسي للصراع حول قضيّة الحجاب هو الخوف من التطرّف الإسلامي ويعدّ الحجاب رمزاً من الرموز بلا دعوات إلى التطرّف، لذلك تسعى السياسة لإقصاء هذا اللباس بالقوة، وتسعى بعض الدول الأوروبيّة لمعاقبة الإسلاميين الذين يحاولون إجبار النساء على تغطية أنفسهن اعتقاداً منهم أن هذا سيؤدي إلى اندماج المسلمين في المجتمع الأوروبي.

آلام الهجرة
نصل إلى ضغوط ديموغرافيّة كبيرة أسبابها: ارتفاع معدلات الولادة لدى المسلمين بسبب أنماط الهجرة المختلفة، وهذا يهدّد التحوّلات في ميزان القوّة وارتفاع كلفة الطاقة وازدياد حجم المعضلة الإسلاميّة في أوروبا. يدعو المؤرخ «تي موثي كارتون اش» إلى أن الحلّ هو التزاوج بين الأوروبيين الأصليين والمقيمين المسلمين وبالتالي استيعاب المسلمين في المجتمع الأوسع.

صراع الباربيات
«رزان» هي لعبة تمثّل فتاة مسلمة، داكنة البشرة، ترتدي الحجاب، تؤدّي الصلوات الخمس، وطولها أحد عشر إنشاً، بدأت هذه اللعبة باختراق الأسواق الأوروبيّة ببطء ولاسيما في بريطانيا، وألمانيا، وماليزيا، وكذلك الشرق الأوسط، إضافة إلى هونغ كونغ حيث يتمّ تصنيع اللعبة. يباع منها سنويّاً 30 ألف قطعة في حين لعبة الباربي بيع منها أكثر من مليار منذ العام 1959 وهذا يعني أن الباربي صرح اقتصادي قويّ لا تستطيع رزان أن تأمل بإطاحته. إلا أن التهديد الحقيقي لرزان لا يرتكز على الجبهة الاقتصاديّة بل هو الترويج لقيم العمل الخيريّ، والاحتشام، واحترام العمّال، وخدمة المجتمع المحلّي، والحدّ من الفقر وغير ذلك بالتالي هي نفسها تشكّل تحدياً أخلاقيّاً وليس اقتصادياً لثقافة الاستهلاك الأميركيّة في التمسّك بما يفترض أنه موقف أخلاقي رفيع مستعملةً قضيّة القيم كعاملٍ من عوامل الترويج.

أوروبا الجديدة والقضايا القديمة
تواجه أوروبا الجديدة تحدياتٍ كثيرة في إدماج المسلمين القاطنين فيها ومنها: إجراءات الإدماج التي تتطلب إنفاقاً حكومياً زائداً، مثل دورات التعليم، ومعالجة بعض القضايا الثقافيّة، بعض الدول تسمح ببناء المساجد في أي مكان كبريطانيا وفرنسا في حين بعضها الآخر وضع قيوداً على بنائها مثل ألمانيا. من المثير للانتباه والمقارنة أن أميركا تتناثر فيها المعابد في كل مكان وحتى الآن لم يتسبب ذلك في الاضطرابات التي تنهض في أوروبا وتزعزع الاستقرار. وما يثيره هذا القسم من التساؤلات هو: كيف ستكون أوروبا بعد 20 عاماً فقط؟ فالولادات ترتفع والهجرات تتدفق، وهل ستتعايش الكنائس مع الجوامع جنباً إلى جنب؟ وهل ستكون الفرص متاحة للمسلم والمسيحي بالدرجة والمستوى نفسه؟

مستقبل مسلمي أوروبا
بدأ عدد المسلمين في أوروبا بالتزايد، وكذلك عدد الأوروبيين غير الأصليين، فباتوا مرئيين بصورة واضحة في الحياة العامة، وتزداد حصتهم في التغطية الإخبارية، وكانت معارضتهم واضحة لمواجهة الرسوم الكاريكاتوريّة، وهنا يطرح هذا القسم الدور السياسي الذي يمكن للمسلمين هناك لعبه، وكيف سيكون تأثير وجودهم في السلطة السياسية في المستقبل وهو أمر منطقي جداً تبعاً لاستقراء الأحداث هناك.

استذكار الماضي من أجل التطلع إلى المستقبل
«لهذا الكتاب فرضيّة مزدوجة: أولاً: إن إخفاق أوروبا في إدماج مسلميها مضافاً إليه صورة أميركا السيئة في العالم الإسلامي، ترك العديد من مسلمي الغرب فريسة سهلة للعقائد العنيفة. وإلى أن تتبنى أميركا وأوروبا إستراتيجيات جديدة، فإن أوروبا ستصبح بشكل متزايد أرضاً حاضنة لأمثال بن لادن. ثانياً: إن معظم المسلمين الأوروبيين ليسوا معادين لأميركا. ومن الأفضل وصفهم أنهم يظهرون شيئاً من التذبذب تجاه أميركا. ويكمن السبب الرئيس لهذه المشاعر المختلطة تجاه أميركا وأوروبا في عدم الارتياح المتنامي للقيم الثقافية الأوروبية والأميركية».

استقطاب الدّائرة الثانية
تعمل أميركا اليوم على استقطاب الدائرة الثانية من المسلمين وهم غير المتطرفين منهم والذين استطاعوا بصورة أو بأخرى الاندماج مع الغرب والتواصل معه بصورة بعيدة عن التطرف والكره والمواجهات العنيفة، ومن خلال هؤلاء تسعى أميركا إلى إيصال صورة جديدة عنها وهي أنها تعطي قيمة كبيرة للعدالة، وأنها ليست عدوة للإسلام، وهذه الرسالة توجّه بصورة مباشرة لمسلمي أوروبا وأميركا، وبذلك تقلص خطر التطرف الإسلامي شيئاً فشيئاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن