ثقافة وفن

عدنان عزام في كتابه الجديد «الحرب الكونيّة على سورية بأقلام الغرب» … مشروع «سورية تقرأ» نبذ للثقافة الطائفيّة التكفيريّة ودعوة جديدة للعودة إلى الكتاب والقراءة

| عامر فؤاد عامر

قدّم الكاتب الرحالة «عدنان عزام» كتابه الرابع باللغة العربيّة، إضافة إلى آخرين باللغة الفرنسيّة، وجلّ مواضيع هذه الكتب جاء بين الحديث عن رحلاته حول العالم التي قام بها موثقة بصور مرافقة لكلّ مكانٍ زاره، إضافة إلى محور الدفاع عن سورية توضيحاً لحقيقة الحرب عليها والهجوم الشرس على الثقافة السوريّة والهويّة والوجود السوري. واليوم يسعى الرحالة «عزام» إلى الطواف على مدن سوريّة للنهوض بمشروع «سورية تقرأ» برعاية وزارة الثقافة، والبداية ستكون من طرطوس في يوم الثاني من تشرين الثاني وتليها مدن دريكيش في 3 وصافيتا في 5 والجولان في 11 الشهر الجاري، وستكون هذه هي البداية للانطلاق إلى كل أنحاء سورية، وعن هذه الجولة وعن الكتاب الأخير كان لقاؤنا معه:
التقينا الرحالة «عدنان عزام» أثناء توقيع كتابه «الحرب الكونيّة على سورية بأقلام الغرب» وذلك في معرض الكتاب الدولي، وقد قال وذكر عنه: «هذا الكتاب يبتعد عن التنظير، ويدخل في تفاصيل القرارات والتوجيهات والمواقف السياسيّة الغربيّة، التي اتُخذت بحق الدولة السورية. وعندما نقول لمواطن سوري إن هناك مؤامرة على سورية قد لا يقتنع كثيراً، ولكن عندما نشرح له عن الإجراءات التي اتخذها وزير الدفاع الفرنسي والقرارات التي صدرت لدعم أفراد الجيش الفرنسي الذي جاء إلى سورية، وعاث فساداً وخرّب في بلدنا، ومن ثم منح القارئ أمثلة محددة وموثّقة سيقتنع أكثر بما نقدم له من معلومات.
هذا الكتاب «الحرب الكونيّة على سورية بأقلام الغرب» هو عبارة عن وقائع حيّة تؤرخ يوماً بيوم لكلّ التدخلات على الأرض السوريّة وعلى الدولة السوريّة».
إلى أي درجة يمكن للمثقف أن يلعب دوره كمدافع عن وطنه في فترة الأزمات والحروب، بحسب خبرتك وتجربتك؟
لنتفق أولاً على أن ليس كلّ متعلّم مثقف وأن كلمة ثقافة هي ملح وخميرة الوجود وهي البوصلة التي توجّه النشاط الفكري للإنسان ليخدم مكوّنات هويّته، ووجوده الجغرافي، والسيادي، والنوّعي، وقد أثبت التاريخ أن العديد من رجالات التاريخ الذين أعطوا لأوطانهم القيمة المُضافة لم يكونوا حائزين الشهادات التعليميّة!! وخير مثال على ذلك أبطال التحرير العربي من الاستعمار العثماني والفرنسي والإنكليزي، وخاصّة أبطال الثورة السوريّة الكبرى، وأن الكثير ممن سماهم المجتمع مثقفين سقطوا في امتحان الوطنيّة، وساهموا بتدمير أوطانهم بتحالفهم مع الأعداء، وهم يعتقدون أنهم يقاومون «نظام حاكم». وهم يعتقدون أنهم يقاومون نظام حاكم، وهذا ما حصل تماماً في الغزو الصهيوغربي للوطن العربي، والذي سموه (ثورات الربيع العربي) وخير من وصف هذا المثقف التونسي «ميزري حداد» في كتابه باللغة الفرنسيّة بعنوان (لافاس كاشي دو لا ريفوليسيون تونيزيان) أي الوجه المخفي للثورة التونسيّة، وقد كان يومها «ميزري حداد» يعمل سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو في باريس، وقد اختار الوقوف إلى جانب الدّولة التونسيّة، رغم عدائه للرئيس «زين العابدين بن علي» ولو وقف عشرات (الذين نسميهم مثقفين عرباً) إلى جانب أوطانهم لكانوا استطاعوا صدّ العدوان وإفشال مخططاته وحماية أوطاننا، وهذا هو الدّور المُفترض للمثقف الذي يُفترض أن يكون فوق الحاجة الماديّة، والخدميّة، وقادراً على صناعة الرمزيّة الوطنيّة والعقائديّة، ومن ثم تصويب مسار الجماهير نحو خدمة الوطن، وكما قلت سابقاً التاريخ زاخرٌ بالأسماء، التي صنعت المعجزات في أيام الحروب، فمثلاً الطبيب الفرنسي الذي طافت شهرته الآفاق «انتوان دو سانت ايكزوبيري» لم يكن محسوباً على الوسط الثقافي الفرنسي في الحرب العالميّة الثانية، لكنه اغتاظ من موقف المثقفين الفرنسيين المتخاذل أيام الاحتلال الألماني لفرنسا، فترك عيادته وتدرّب على الطيران الشراعي، حتى أصبح يطير وحيداً فملأ – خلسة – الطائرة التي كان يتدرّب عليها بالمتفجرات، وقذف بنفسه في قاعدة ألمانية، ما خلق حالة عظيمة لدى الفرنسيين وجعل المئات يحذون حذوه. نحن اليوم نواجه حرباً مصيريّة، تريد (الإمبراطوريّة الصهيوغربيّة) من خلالها تدمير وطننا، ومن ثم فإنه لزاماً على المثقفين تشكيل غرفة عمليّات رديفة لغرفة العمليّات العسكريّة لمقاومة الحرب النفسيّة والحرب الناعمة ومقاومة الشائعات المدمرة والتخفيف من حدّة السلبيّات والإفرازات الجانبيّة للحرب، وعدم التركيز فقط على النصف الفارغ من الكأس بل التركيز على عناصر الصمود وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابيّة، ومنها بطولات الجيش العربي السوري والمواطنون الذين يقومون بأدوار متميّزة لتعزيز صمود الوطن.
لنقول للعالم أجمع إن سورية ليس مكاناً للحرب، والدمار، والجريمة التي تحملها إلينا القوى الصهيوغربية، وأعوانها من التكفيريين والظلاميين بل إن سورية والسوريين سيظلّون أوفياء لرسالة الإنسان السوري العظيم التي حملها عبر التاريخ وهي رسالة العلم والثقافة ومحراث العطاء والخير.
«سورية تقرأ» مشروع فكري، جماعي، فيه حسّ نهضوي. كيف يمكن جذب الناس اليوم للعودة إلى الكتاب في ظروف متنوّعة تضغط عليه من كلّ الاتجاهات؟
«سورية تقرأ» هو المشروع الذي طرحته على وزير الثقافة الأستاذ «محمد الأحمد» الذي شجّعه ووافق على رعايته، ويهدف إلى إعادة الكتاب إلى الناس بطريقة حيويّة خلاقة مبدعة لإخراج المواطنين من ثقافة الخمول التي سببتها المسلسلات، وثقافة القراءة فقط للحصول على شهادة مهنيّة ونسيان القراءة الثقافيّة الأصيلة. «سورية تقرأ» مشروع كبير لإعادة الثقافة العقائديّة لتدعيم الوحدة الوطنيّة، ونبذ الثقافة الطائفيّة التكفيريّة، وسنقوم بذلك بمشاركة نخبة من الفنانين والرياضيين والكتاب الطليعيين والشخصيّات الاجتماعيّة الفاعلة، وسيتم ذلك في أماكن تجمع الناس وفي الأماكن التي يرتادونها وليس فقط المراكز الثقافية.
ما الطريقة لكي نصل فيها إلى مرحلة الاعتراف الجماعي اليوم بأن الثقافة هي الطريق إلى انتصارنا على الحرب؟
إن عقلنة الشعور الوطني والانتماء الوطني وجعله واعياً راقياً قوياً مصوباً بالاتجاه السيادي الصحيح المحافظ على ثوابت الأمة ومكونات هويّتها هو أقدس ما يمكن أن يصل إليه مجتمع من المجتمعات، وهو من ثم أقدس ما يمكن أن نصل إليه في سورية، والعالم العربي، وهذا طموحٌ صعب وشاق، ولكنه طموحٌ وطنيّ مشروع، ويحق لنا أن نحلم بذلك، وهو قابل للتحقيق بتضافر العوامل اللازمة وأهمها القرار السياسي ومشاركة كلّ الشرائح الاجتماعيّة بذلك، وعدم الاعتماد على شريحة من دون غيرها، وخاصّة الشرائح الشبابيّة الأكثر غياباً عن قضايا الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن