عضة كوساية!!
| عصام داري
يعبّر مطرب فرنسي عن حيرته فيقول في أغنية قديمة: «أنا مع البنات لا أعرف شيئاً، هل أتحدث معهن عن الطقس، أم الأفضل أن أتحدث عن الحب»؟
الكاتب يجد نفسه أحياناً في حيرة أيضاً، فعن أي شيء يتحدث وهو يرى أمامه عشرات العناوين والمواضيع والقضايا والمشاكل؟
هل أتحدث عن الحب من دون أن يخرج من بين الناس أشخاص يجلدونني ويعنفونني، ويتهمونني بالتصابي، ويرون أنني أصبحت (كبيراً على الحب)! وأن الأوضاع في بلدي تحتم علي معالجة الموضوعات التي تهم الشريحة الأوسع من شركائي في الوطن الجريح.
ربما يقول أحدهم: اكتب عن الفساد، وهذا موضوع تستطيع أن تؤلف عليه مجلدات! لكنني أجد أن الكتابة عن هذا الموضوع مضيعة للوقت والجهد وإهدار للورق والحبر والمساحة الضيقة التي منحتني إياها صحيفة «الوطن» مشكورة، فلماذا الشكوى من الفساد؟ هل نستطيع أن ننعم بالعيش إذا قضينا– لا سمح اللـه– على الفساد والفاسدين والمفسدين؟! لقد أصبح الفساد من أساسيات حياتنا، فالفاسدون ينعمون بفسادهم، والمواطنون ينعمون في الحديث عن الفساد لأنه يحررهم أحياناً من الجبن والخوف من توجيه الانتقادات للذين استطاعوا أن يحصلوا على الريشة التي وضعوها على رؤوسهم، ونحن عباد اللـه الصابرين بلا ريشة، وعلينا الذهاب إلى سوق العصافير والطيور لنبحث عن ريشة لنضعها فوق ريشة، فوق ريشة لنستر عوراتنا التي فضحها الفقر والفاقة والبلاء الذي سموه الغلاء!.
وهكذا قررت ألا أكتب عن صديقنا الفساد بعد أن اكتشفت أنه أصبح رفيقنا اليومي، وقررت أن أكتب في السياسة، أو أعود إلى الكتابة عن السياسة، لكنني أصبت بالإحباط والدهشة بعد أن تبين لي أنني جئت متأخراً، وقيل لي: «الله يطعمك حجة والناس راجعة»! لماذا يا عباد الله؟!، فقالوا: «لقد أفرزت الأزمة السورية عشرات المحللين السياسيين الذين احتلوا المنابر الإعلامية، بل صار باستطاعتنا تصدير المحللين السياسيين إلى المحطات الفضائية في أي مكان، وهذه تجارة مضمونة الربح، وما عليك إلا أن تشتري دراجة نارية أو هوائية وتنتقل من إذاعة إلى تلفزيون، إلى صحيفة، وعندما يسألك المحرر: هل ستتأخر أستاذ؟ فتجيب: «أبداً، عضة كوساية!!».
الأمر بهذه السهولة، إنه مجرد «عضة كوساية» وأنا للأسف لا أحب الكوسا، لذا فقد أتأخر المرة بعد المرة وأعطل هذا البرنامج السياسي، أو تلك الندوة على الهواء البارد، وهناك من يستطيع أن يسبقني بسرعته الصاروخية، وتصوروا أن محطة واحدة تحتاج في اليوم إلى عشرة محللين سياسيين، فكم محلل سياسي لدينا في هذا البلد المعطاء، و.. اللهم زد وبارك!.
وعلى فكرة أنا لا أنتقد المحللين السياسيين، بل تربطني علاقة صداقة وود بالكثيرين منهم، ولكنني أتحدث عن قضية لم نكن نعرفها قبل الأزمة، وصارت تحتل الفضائيات أكثر من البرامج الثقافية والمنوعة والمسلسلات، والجميل ظهور «وجوه جديدة» على ساحة التحليل السياسي، تظهر في هذه المحطة أو تلك، وكما كان يفعل مخرجو السينما والتلفزيون عندما يتبنون الوجوه الجديدة، تتبنى تلك المحطات وجوه المحللين الجديدة التي تحدد لك باليوم والساعة والثانية متى ستنتهي الأزمة ويأتي الفرج بعون اللـه تعالى!.
و.. ماذا بعد؟! الأفضل أن أعود إلى حيث بدأت وأتحدث عن الحب والغرام ولن يلومني إلا حاسد أو غيور، لكنني أضمن سلامتي على الأقل، أقول قولي هذا وأستغفر اللـه لي ولكم عباد الله!.