اقتصاد

صحوة رقمية

| علي هاشم

بعد طول طلاق، أعادت المخيلة الحكومية ارتباطها بالتطبيقات الرقمية في أكثر من موضع، فذهبت رئاسة مجلس الوزراء لاستبدال قنوات مراسلاتها التقليدية بأخرى رقمية، قبل أن تلاحقها وعود حميمية لوزارة المالية بانتقالها إلى صياغة الموازنة القادمة باعتماد قواعد بيانات شبكية متخاطبة وموثوقة.
ما سبق كان أقرب للاختلاجات التي عادة ما يحفزها مشروع أعمق، وفي حالتنا هذه، جسدته البطاقة الذكية التي تم انتشالها من ركام الذاكرة الحكومية قبل أيام، هذا المشروع الحيوي، ورغم عدم اتضاح مركّباته الأفقية والعمودية، يمكن للمرء تكوين تصور عنه، عبر مُقتضب وزير المالية الذي قدمه خلال جلسة مناقشة الموازنة العامة تحت قبة مجلس الشعب، ملخصا الأمر بـ«تعميم تجربة محافظة السويداء مع بطاقة المحروقات الذكية، وتذخيرها بسلع تموينية مدعومة».
ترتيب الأحداث، يشي بأن «الفكرة/ الحصان» التي قادت عربة البطاقة الذكية، وما خلفها، بزغت خلال اجتماع رئيس مجلس الوزراء بالمحافظين، أو لربما قبله بقليل..
وفي كل الأحوال، فإن تناسبيتها الزمنية والمكانية، تَخُطّ بالفعل نقطة واضحة على آخر سطر جفاف الحلول الإستراتيجية لأحد أبرز الوظائف الحكومية التي حاولت الحرب على سورية تعمية بصيرتها، والبدء من آخر، متجاوزة بذلك بندا خطيرا في لوائحها التي أرغمتنا بربط قدرة الدولة في تقديم الدعم الاجتماعي إلى «مِخْلعة» يقف على طرفي نقيضها قبولها باستمرار الآليات التقليدية في تقديم الدعم وما تكرسه من تقاسم الموارد المحدودة مع الفاسدين كشرط لازم له لاستمرار تدفقه.. أو وقفه، ومواجهة المنعكسات الخطيرة لانقطاع العلاقة النفعية بين الدولة ومواطنيها، وما يعنيه ذلك من أثمان مؤكدة على الصعيد الاجتماعي!!..
وما بعد البطاقة الذكية، يبدو أن الحكومة اختارت استئناف إيصال ما انقطع من الدعم لمستحقيه، وقصقصة قرون فساده الماصة في آن معا. لا تحتاج التقانات الرقمية إلى تزكية في قدرتها المذهلة على تحييد شبكات الفساد، وتجربة محافظة السويداء حصدت نجاحاً كبيراً في هذا الجانب يمكن استشفافه –للمفارقة- من طبيعة الانتقادات المحمومة التي حاولت النيل منها، مميطة اللثام عن رزمة المتضررين من ضبط الفساد المستحكم بقطاع المحروقات، وقياسا لذلك، فسيكون على البطاقة الذكية في طورها الأوسع أفقيا وعموديا، التيقن من أن المقاومة التي أبداها بعض قوى العطالة هناك، ليست سوى عيّنة مخففة لما ينتظرها هنا، ولربما، ونحن إذ نسند ظهورنا إلى مقاعدنا، فلن يطول بنا الوقت قبل أن نرمق بأم العين ما ستتعرض له البطاقة الذكية من اختبارات إجهاد متتالية، لا بل قد يقيض لنا أن نسمع –بوضوح- نهيز الفئران الساعية لضرب مرتكزاته!.. لم يصادف أن تخلى الفساد الداخلي عن مثابرته في الانتقام لخسائره التي ستكون كبيرة ومُؤسّسية في حالة بطاقة الدعم الذكية، ولذلك، يتطلب منا الأمر حسن الظن به وانتظاره بحسم عند أول مفترق لتعطيلها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن