سورية

واشنطن تنحاز إلى وعودها لـ«حماية الشعب» على حساب الأتراك في ريف حلب الشمالي … أصـــــوات في «الديمقراطيــــة» تنـــادي بدور للجيـــش الســــوري في «غضب الفرات».. وأنقرة تتخذ موقفاً هادئاً حيال عملية الرقة

| الوطن – وكالات

جاء الموقف التركي من عملية الرقة، التي جرى استبعاد تركيا منها بشكل نهائي، هادئاً، حيث طالبت أنقرة واشنطن بضمان ضد عملية التغيير الديمغرافي في المدينة، وجددت الطلب إلى حليفتها في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، بإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية من مدينة منبج بريف حلب الشمالي، وأكدت أن هذا الطلب هو «أولويتها» في سورية، معدلةً بذلك سلم أولوياتها، والذي كانت مدينة الباب تحتل رأسه. ولا يبدو أن الولايات المتحدة قادرة على الإيفاء بوعودها للأتراك لأنها مرتبطة بوعود أخرى لـ«الوحدات»، وفي هذا السياق، كشف مسؤولون أميركيون أن الإدارة الأميركية لا تفضل دخول الأتراك إلى مدينة الباب كي لا تغضب «حماية الشعب».
وبعد اجتماعها الأسبوعي أمس، لم تعلن الحكومة التركية عن رفض صريح لعملية الرقة التي أطلقتها واشنطن وحلفاؤها في «قوات سورية الديمقراطية» أول من أمس، وإن أبدت تحفظات قوية حيال سيطرة عناصر «حماية الشعب» على المدينة. واكتفت أنقرة بحض واشنطن على ضمان أن الهجوم الجاري حالياً ضد الرقة لن يؤدي إلى تغيير ديموغرافي في هذه المدينة.
وقال المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان قورتولموش: إن «الرقة مدينة عربية بشكل كامل، والسيطرة عليها وإدارتها من قبل عناصر غير عربية (في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية) لن يسهم في إحلال السلام بالمنطقة». وأكد أن الرقة مثل حلب في سورية والموصل في العراق «تنتمي إلى السكان» الذين كانوا يقيمون فيها قبل بدء النزاع. وأضاف إن «تغيير الهيكلية الديموغرافية لن يساهم بأي شكل في إحلال السلام».
وأول من أمس زار رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي جوزيف دانفورد العاصمة التركية أنقرة. وبالترافق مع هذه الزيارة طمأنت الولايات المتحدة تركيا إلى أن القوات المقتحمة لمدينة الرقة ستكون عربية على أن تكتفي «حماية الشعب» بمحاصرة داعش داخل المدينة وعزلها عن ريفها. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في القيادة العسكرية المركزية للجيش الأميركي، قوله: إن «تجنيد مقاتلين محليين يجري الآن»، وأضاف موضحاً: إن «معظم هؤلاء سيكونون من المقاتلين العرب مثل سكان الرقة، وأغلبهم من العرب. هؤلاء المقاتلون هم من سيقتحمون المدينة ويدخلونها».
ويبدو أن نبرة تركيا الهادئة تجاه عملية الرقة، مرتبطة بنيتها عدم إغضاب واشنطن عل هذه الأخيرة توافق على تأمين دعم جوي للميليشيات المنضوية تحت لواء «درع الفرات» المتوجهة نحو مدينة الباب، والضغط على «وحدات حماية الشعب» للانسحاب الكامل من مدينة منبج.
وأوضح قورتولموش أن المسؤولين الأتراك أبلغوا رئيس الأركان الأميركي أن بلادهم تعطي الأولوية في سورية لانسحاب مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكامل من مدينة منبج في أقرب وقت بموجب الوعد الذي قطعتها واشنطن لأنقرة قبل بدء عملية منبج أوائل الربيع الماضي. وأصدر الجيش التركي بياناً عقب لقاء دانفورد مع نظيره التركي خلوصي أكار، جاء فيه: أن الجانبين بحثا سير العملية ضد «داعش» في مدينة الموصل والوضع في الرقة، وتطرقا إلى جوانب مواصلة المحاربة المشتركة للتنظيم خاصة في الرقة ومدينة الباب.
وأضاف البيان: إن المسؤولين بحثا أيضاً سير عملية «درع الفرات»، وأشار إلى أن آكار شدد على «ضمان التحالف الدولي ضد داعش دعماً جوياً للقوات التركية ووحدات (الجيش الحر) المتحالفة معها». وبعد تهديد الجيش العربي السوري بإسقاط الطائرات التركية امتنع الجيش التركي عن استخدام طائراته لمؤازرة المسلحين المنخرطين تحت لواء عملية «درع الفرات» ما أدى إلى تباطئها. وتدرك أنقرة أنه ومن دون دعم جوي من التحالف الدولي لن تستطيع الميليشيات المدعومة منها التقدم إلى مدينة الباب التي يطالب بها المسؤولون الأتراك بشدة.
كما بحث دانفورد وآكار «ضرورة» انسحاب «حماية الشعب» من مدينة منبج، من دون أن يورد بيان الجيش التركي أي إشارة إلى اتفاق الجانبين على أي شيء واضح بهذا الخصوص. ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مسؤولين أميركيين أن الرئيس باراك أوباما حاول أواخر الشهر الماضي، أن يؤثر على نظيره التركي رجب طيب أردوغان ليغير الأخير رأيه الرافض لمشاركة «وحدات حماية الشعب في عملية الرقة.
وبحسب المسؤولين الأميركيين، فإن محاربة «داعش» ليست من أولويات أردوغان، الذي يسعي لمنع «الوحدات» من توحيد «الإدارات الذاتية» التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي «بيدا» في شمال سورية، خوفاً من أن يقود إلى تعزيز حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
وتحدثت «رويترز» عن «سباق» على تحرير مدينة الباب، مبينةً أنه إذا سيطرت الميليشيات المدعومة من الأتراك على المدينة، فقد ترفض «وحدات حماية الشعب» المشاركة في عملية تحرير الرقة، ما قد يغير سير الأحداث في سورية. وقال المسؤولون الأميركيون للوكالة: إن «هذا الخيار غير مرغوب فيه بواشنطن».
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض بأن الميليشيات المدعومة من تركيا تتواجد على بعد 14 كيلو متراً شمال المدينة من دون أن تتمكن من التقدم نتيجة «المقاومة الشرسة» من الجهاديين، بينما تتقدم «قوات سورية الديمقراطية» ببطء باتجاه المدينة من الجهة الشرقية وهي موجودة حالياً على بعد 17 كيلومتراً منها. أما قوات الجيش العربي السوري فتقدمت من الجهة الغربية وباتت حالياً على بعد عشرة كيلومترات من الباب، وذلك بعد سيطرتها على مدرسة المشاة. وكانت معلومات نشرها المرصد، أفادت بأن «وحدات حماية الشعب تلقت وعوداً (أميركية عشية عملية الرقة) بوصل مناطق سيطرتها في العريمة بريف منبج الغربي، بمناطق سيطرتها في جنوب شرق مارع (تل رفعت)، من دون تأكيد على السماح لهذه القوات إلى الآن بدخول مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي.
ومنذ بداية عملية «درع الفرات» اقترحت واشنطن على أنقرة توازع السيطرة العسكرية على الشريط الحدودي من محافظة حلب، إلى شمالي يعود إلى المليشيات المتحالفة مع تركيا، وجنوبي تسيطر عليه «قوات سورية الديمقراطية». ورفض الأتراك العرض الأميركي لأنه لا ينهي كابوس الكانتون الكردي (فيدرالية شمال سورية)، المسيطر عليه من قبل أذرع حزب العمال الكردستاني، على حدودهم الجنوبية.
وصدرت أمس عن «مجلس سورية الديمقراطي» أصوات تنادي بالتعاون مع الجيش السوري في عملية الرقة. وشدد عضو المجلس ريزان حدو على استحالة أن تكون «قوات سورية الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» في خندق واحد مع الأتراك، معتبراً أن هؤلاء يدعمون التنظيمات الإرهابية. وأضاف في تصريح لقناة «روسيا اليوم»: «القرار، اتخذ بمحاربة الإرهاب بأي مكان وسحب الذريعة من تركيا للتدخل في سورية. وأنا شخصياً أتمنى أن تكون العملية بالتنسيق مع الجيش السوري».
وكشف حدو أنه: «تم تشكيل غرفة عمليات غضب الفرات لقيادة معارك تحرير الرقة وريفها انطلاقا من ريف الرقة الشمالي في محيط عين عيسى لتضييق الخناق على «داعش» وعزل ريفي الرقة الشمالي والغربي عن الحدود التركية». وأضاف «أعول على تحركه (الجيش السوري) من جنوب الرقة ليكون المنطق مشابهاً لمجريات حرب داعش في العراق حيث تحرك البيشمركة والجيش العراقي معا لتحرير الموصل».
ولفت إلى أن عملية غضب الفرات تأخرت بسبب «الخلاف حول الدور التركي والتدخل التركي العسكري في الأراضي السورية، والقصف التركي لقوات سورية الديمقراطية في شمال حلب». ميدانياً، انتزعت «قوات سورية الديمقراطية» السيطرة على 12 قرية مزرعة وموقعاً من يد عناصر داعش في ريف الرقة الشمالي، بحسب المتحدثة باسم حملة «غضب الفرات» جيهان شيخ أحمد.
كذلك تقدمت «الديمقراطية»، وفق شيخ أحمد، لمسافة «11 كيلو متراً من محور بلدة عين عيسى» الواقعة على بعد خمسين كيلومتراً شمال مدينة الرقة.
ويتوقع أن تهاجم «الديمقراطية» الرقة من ثلاثة محاور، الأول من عين عيسى والثاني من تل أبيض (على بعد مئة كلم شمال الرقة)، إضافة إلى قرية مكمن الواقعة على مثلث الحدود بين محافظات الرقة ودير الزور (شرق) والحسكة (شمال شرق).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن