ثقافة وفن

البحث عن السيرة من خلال الرواية عمل خارج عن الفن … الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لـ«الوطن»: لست عدواً للمرأة وأراها أكثر قدرة من الرجال

| عامر فؤاد عامر

روائي عربي مصري يطلّ علينا اليوم بمؤلفاتٍ تكسر كلّ مظاهر البعد الذاتي عن الاهتمام بالكتاب والغربة التي حلّت بين العرب، وفي سيرته الكثير من المؤلفات منها «لا أحد ينام في الإسكندرية»، و«إداجيو»، و«هنا القاهرة» وغيرها الكثير، وقد تمّت ترجمة بعض من مؤلفاته إلى لغاتٍ أخرى كالإنجليزيّة والفرنسيّة والألمانية، وله تجربته في التأليف القصصي مثل: «الشجرة والعصافير»، و«سفن قديمة»، و«فضاءات»، وغيرها. الأديب المصري «إبراهيم عبد المجيد» المولود في الإسكندرية 1946 مجاز في الفلسفة من جامعة الإسكندرية وفي رصيده مناصب إدارية وثقافيّة واستشاريّة وحاصل على جائزة نجيب محفوظ للرواية عن «البلدة الأخرى» 1996، وجائزة معرض القاهرة الدولي عن أحسن رواية «لا أحد ينام في الإسكندرية» 1996، وجائزة الدولة التقديريّة في الآداب عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر عام 2007، وغيرها من الجوائز الأخرى، نحاوره اليوم في موضوع الرواية، والتأليف، والنقد.

هل يمكن أن تتغير مقاييس كتابة الرواية جماليّاً مع عجلة التطوّر التقني ولاسيما أنك صاحب التجربة الكبيرة فيها، والقصد من السؤال هل تنطبق المقاييس الجماليّة لإنتاج رواية اليوم كما كانت في السابق؟
مقاييس كتابة الرواية تتطوّر عبر التاريخ. فالرواية الرومانتيكيّة غير الواقعيّة والواقعيّة غير الواقعيّة الاشتراكيّة وكلّها غير رواية تيّار الشعور وغير الرواية العجائبيّة وهكذا. وداخل هذا التطوّر يقوم المؤلّف الموهوب بإضافات إلى ما استقرت عليه الرواية وهي تتغير، بمعنى أن تكون له لمسته الخاصّة ولغته وأبنيته الفنيّة. وفي كلّ الأحوال يستطيع الكاتب أن يختار مما حوله من تطوّر تقني لكن المهم أن يكون ما يكتبه أدبا وليس محاكاة للواقع التقني، وهذا ما فعلته أنا مثلاً في روايتي «في كلّ أسبوع يوم جمعة» فهي رواية تستقي بناءها من عالم الفضاء الافتراضي لكني لم أنقل كلّ تقنيته ولم أحاكيه مباشرة وإلا لماذا تكون الكتابة. استفدت من تقنيّات الرسائل والشات والتعريفات مثلا وكذلك استفدت من اللغة المستخدمة في هذا العالم الافتراضي لكن في النهاية الرواية عمل أدبي.

نعلم بأن الشعر ديوان العرب، وقال باحثون إن الرواية ومع مطلع القرن الحالي ستكون ديوان العرب الجديد. ما تقييمك لهذا الأمر؟
الرواية الآن كما هو واضح هي ديوان العرب وليس في ذلك تقليل من الشعر. لكن حدث في العالم كله أن تحوّل القرّاء إلى الروايات وحدث في العالم كله أن وجد الكتاب أن الحكي هو الأنسب الآن. وسيحدث يوماً أن يعود الشعر إلى مكانه وتعود القصة القصيرة. هي أمزجة الشعوب تتقلب.

يعلو المستوى النقدي البحثي مع تقدّم العمر في التجربة ومعاصرة الأحداث. ولك تجربتك الخاصّة فيه، وبالسؤال عن مستوى النقد الأدبي عربيّاً وماذا يحقق اليوم؟ بماذا تجيبنا؟
النقد موجود وبكثافة والجامعات مملوءة بالدراسات عن الروايات والروائيين لكن المنتج الروائي أكبر من طاقة النقاد. أعداد هائلة من الرواية تصدر في العالم العربي وفي العالم.

كيف يمكن أن نزيد من احتكاك القارئ العربي بإنتاج الكاتب؟ ما الحلول التي ترتئيها؟
الطريق الأقرب هو التعليم وبعده الإعلام. التعليم هو النافذة على الثقافة والإعلام يأتي بعده. تعليمنا لا يهتم بذلك. أتحدث عن مصر. والإعلام يروج للساذج من الأعمال الأدبية.
ماذا تنصح جيل ارتبط بالتقنيات لدرجة الانقياد من دون تفكير بالعوالم الافتراضية وتصديق الوهم كأنه حقيقة؟
لا أحب النصائح. كل جيل أدرى بهمومه وأولوياته. وما تعتبره سيئاً اليوم قد يكون جيداً غداً وإذا ظل سيئاً فسيمضي.

هل تعتقد أن التوثيق في الرواية حالة ملحة في تجربة الكتابة لدى الأديب؟
لا يوجد أسلوب واحد ملح في كتابة أي رواية. الذي يختار شكل الرواية هو زمانها ومكانها وشخصياتها والكاتب طبعا معهم. إذا رأى الكاتب أن التوثيق مفيد فليستخدمه وإذا رأى أن ضمير المتكلم أفضل في الحكي فليستخدمه وهكذا. والذي يحدد له ذلك هو مكان وزمان الرواية. أنا مثلا استخدمت التوثيق في روايتي الأولى «في الصيف السابع والستين» لأني كنت أريد أن أقدم كشف حساب للهزيمة. واخترت ما هو سياسي من الوثائق أكثر لكني بعد سنين طويلة وأنا اكتب روايتي «لا أحد ينام في الإسكندرية» ثم الجزأين الآخرين «طيور العنبر والإسكندرية في غيمة» لجأت إلى توثيق آخر يقدم الحالة الروحية للحياة أكثر من أي شيء آخر. فخبر عن هتلر يتلوه خبر عن فيلم أو مسرحية أو حلاق أو بيت دعارة وهكذا أردت تقديم صورة بانورامية للمكان والزمان.

ألا تعتقد أن الجرعة التوثيقية في روايتك «لا أحد ينام في الإسكندرية» أخذت أبعاداً كثيرة بين تاريخ البلاد والشخصي والعالمي؟ ما يدعو القارئ للتمهل أكثر في إنجاز قراءتها؟
أثناء الكتابة نادراً ما يشعر الكاتب بأبعاد ما يكتب وما إذا كانت طالت أم قصرت. يشعر بذلك بالتأكيد وهو يعيد ما كتب أو يعيد ترتيبه. الرواية لا تكتب من أول مرّة. على الأقل عندي. لكن أي كاتب لا يدرك مئة بالمئة مجهود القراء. قد يكون الأمر ممتعا لهم وقد يكون ثقيلاً عليهم. اعتقد أني نجحت في أن أفتح للقارئ مغارة من التشويق فيما قدمته من وثائق أو أخبار لأنها ممتزجة بعضها ببعض حيث يبدو الصغير في أهمية الكبير. بانوراما العصر وقتها ومحاولة مني أن آخذ الكاتب إلى هناك.

لرواية «إداجيو» خصوصيّة وحميمية يلمسها القارئ ويفرق شيئاً خاصاً في كتابتها بالمقارنة مع كتب أخرى، ماذا تقول عن هذه الخصوصيّة؟ وهل تعدّها شيئاً يتقارب مع سيرة ذاتيّة ترتبط مباشرة بشخصك؟
كلّ الأعمال فيها شيء من السيرة الذاتيّة لكن العمل الفني في النهاية يستقل عن السيرة الذاتيّة. وأنا لست من الذين يحبّون دراسات السيرة والرواية إلا من حيث اعتبار إنهما مختلفان. أمّا البحث عن السيرة من خلال الرواية فهو عمل خارج عن الفنّ لأن ما كان في سيرة الكاتب صار في سيرة شخصيّات افتراضيّة وهميّة. وتغير. في روايات أي كاتب نُتف مما مرَّ به من خبرات في حياته أو رآه في حياة غيره لكن لا يعني هذا أن الروايات سيرة ذاتيّة. للسيرة لغة وللرواية لغة أخرى.

لماذا جاءت تجربتك في «هنا القاهرة»؟ ماذا أردت أن تقول؟
رواية «هنا القاهرة» دين قديم لأحد أصدقائي في الحياة الذي توفاه الله مبكرا وكان دائماً يسألني متى ستكتب الرواية التي حدثتني عنها. القاهرة التي عشناها معا في السبعينيات؟ دائماً كنت بعيداً في كتاباتي عن القاهرة التي كنت أشعر بغربتي فيها شديدة جداً. كتبت من وحيها روايات مثل «في كلّ أسبوع يوم جمعة» و«عتبات البهجة» لكن ظللت غريباً فيها. بعد أن كتبت روايتي «الإسكندرية في غيمة» عن الإسكندرية في السبعينيات متمما بها ثلاثيّة الإسكندرية تذكرت القاهرة. تذكّرت صديقي العظيم الجميل الذي فارقنا مبكراً. وجدت نفسي أكتب الرواية. في النهاية أسميّتها «هنا القاهرة» قاصداً أن أقول إني والله لا أكتب فقط عن الإسكندرية. لقد كتبت من قبل من وحي الغربة في السعودية رواية «البلدة الأخرى» ومن وحي صحراء سيناء رواية «قناديل البحر» ومن وحي قلعة في مدينة مسقط بعمان رواية «شهد القلعة» القصيرة لكن دائماً تتذكرون الإسكندرية، إذاً هنا القاهرة!

ما المنتج الجديد القادم إلينا؟
انتهيت من رواية بعنوان «قطط العام الفائت» وهي رواية عجائبيّة عن ثورة حدثت في بلد تسمى لاوند وماذا جري فيها. رواية تمزج بين الواقع والخيال الأسطوري. كما انتهيت من كتاب بعنوان «أنا والسينما» عن علاقتي بالسينما منذ الصغر ودور السينما زمان والأفلام القديمة وكيف كنا نطاردها في السينمات الشعبية.

توالت وتتوالى التكريمات إليك اليوم؟ هل تعتقد أن ذلك أمر صحي وخاصّة إذا ما قارنا بأن لإنتاجاتك الأولى جماليّة خاصّة وعمقاً لا يمكن التغاضي عنه؟ على من ترمي لومك في ذلك؟
لا ألوم أحداً. أنا واحد ضمن عشرات من الكتاب الكبار في السن والمقام ومن ثم يمكن أن يتأخر التكريم هنا أو هناك. وهذه كلّها أشياء الأفضل تركها إلى الله وإرادته وشكره عليها حين تتم أو لا تتم، فقد يكون هناك ما هو أفضل في مكان ما وزمن ما. متعة الكاتب العظمى أن يكتب.
أين تجسدت الأنثى أكثر في أعمالك؟ هل يمكن توضيح ذلك أيضاً أثناء التكوين الأولي للمشروع الكتابي؟
هذا موضوع مهم جداً بحقّ. الأنثى في أعمالي تستحق فعلا دراسة مستقلة. في رواياتي الصداقة بين الرجال لها الصدارة غالباً. فمثلا في «بيت الياسمين» صديقان وفي «لا أحد ينام في الإسكندرية» صديقان وفي «هنا القاهرة» صديقان. لكن الأنثى موجودة بقوّة وتجلياتها من أفكار ومشاعر مشت معي في الحياة. رغم تراثنا الشعبي الذي يتهمها بالمكر والخديعة فهي كائن موعود بالعذاب الأزلي وفي الوقت نفسه كائن يعبر عن الجمال المطلق الذي لا يصل إليه أحد. النساء في رواياتي أحلام بعيدة أو مجني عليهن من الأقدار. باختصار أنا لست عدواً للمرأة بل العكس أراها أبعد من قدرة الرجال وتمثل الحياة الحقيقية التي يحلم بها الرجال ولا يصلون إليها. فالجنس مثلا مفتاح الروح والاكتمال.

هل تجد وقتا للاطلاع على نتاج الشبان الجدد؟ وهل تذكر لنا من لفت انتباهك منهم؟
طبعاً أجد الوقت لكن ليس الوقت الكافي بسبب العمر والانشغال والكتابة أيضاً والصحة التي لم تعد كما كانت في السابق. لكني أحاول بقدر الإمكان وخصوصاً على صفحات الفضاء الافتراضي واعذرني لن اذكر أسماء بعينها حتى لا أنسى بعضها فهي كثيرة.

ماذا عن التجربة الروائيّة في سورية؟ وأذكر لنا أن اطلعت على الإصدارات السوريّة الحديثة؟
الرواية والقصة السوريّة رافدان عظيمان لنا نحن في مصر أو على الأقل لجيلي منذ أن كنا نقرأ «عبد السلام العجيلي» و«حنا مينا» و«زكريا تامر» و«هاني الراهب» و«غادة السمّان» و«ياسين رفاعيّة» و«صدقي اسماعيل» و«حليم بركات» و«كوليت خوري» مروراً بـ«سليم بركات» و«خيري الذهبي» و«صلاح عزّام» و«نبيل سليمان» و«نهاد سيريس» إلى أن صرنا نقرأ «شهلا العجيلي» و«خالد خليفة» و«سمر يزبك» و«خليل صويلح» وغيرهم.

كلمة لسورية ولصحيفة الوطن…
حفظ الله سورية وأعادها إلى مكانها الحضاري العظيم. وأجمل الأمنيات لصحيفة «الوطن».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن