قضايا وآراء

كلنا سوريون

د. بسام أبو عبد الله : 

 

في ثلاثينيات القرن الماضي جرت مفاوضات بين السوريين والمحتل الفرنسي بشأن إنهاء الانتداب على سورية، واشترط الفرنسيون آنذاك كجزء من هذا الاتفاق وضع مادة تنص على (حق فرنسا في التدخل لحماية الأقليات)- وقد رفض السوريون هذه المادة معتبرين أنه لا وجود للأقليات في سورية.
الآن يطل الأميركي برأسه، والفرنسي بأصابعه، والأدهى الصهيوني، ليتحدثوا جميعاً عن (حماية الأقليات) باللغة نفسها التي كانت سائدة في عصر الاستعمارين الفرنسي- البريطاني، على الرغم من أن شيئاً لم يتغير، فمبدأ (فرق تسد) يعاد تطبيقه على الشعوب والدول التي عرفت عبر تاريخها العريق (التنوع والتعدد) كأساس للمحبة والتسامح وروح الديمقراطية التي يتحدث عنها الغرب كثيراً، ولكنه لا يراها إلا من منظار مصالحه المادية، وكمية الدولارات التي ستدخل خزائنه، حتى لو كانت هذه الدولارات من أكثر دول العالم عفناً- وجاهلية- وتخلفاً مثل مشايخ النفط، والغاز.
إذاً القوى الاستعمارية التي تقسمنا على أساس الأقلية، والأكثرية تريد من خلال ذلك الهيمنة، والسيطرة، وتدمير النسيج الاجتماعي وليس حماية أحد، فهذه القوى لا تحمي إلا مصالحها، ولا يعني لها أي أقلية، أو أكثرية إلا بمقدار ما يخدم هذه المصالح حتى لو كان ذلك ضد مصالحه الوطنية.
عندما كُتب الدستور العراقي بيد المحتل الأميركي جرى التقسيم على أساس يخدم مصالحه، وقدرته على التدخل الدائم في العراق، وعلى الرغم من خروج الأميركي نظرياً من العراق، إلا أنه عاد مرة أخرى تحت لافتة محاربة (داعش) التي أسسها، وزرعها لتكون سكّيناً للتقسيم، ورسم الخرائط الجديدة التي تخدم الجميع باستثناء الشعب العراقي الذي يعاني من ضعف التنمية، والتقدم والازدهار، على الرغم من أنه من أغنى الدول بالنفط، والثروات الأخرى..
قُسم العراق على أساس مذهبي، وإتني مع أن التقسيم لا أساس له سوى المزيد من التفتيت، فلو أخذنا الأمر على أساس قومي فسوف تختلف التوازنات بين (عربي وكردي)، ولو كان الأمر دينياً فإن المعطى سيتغير، إلا أن التقسيم الثلاثي الحاصل له هدف واحد هو إبقاء الإمكانية لإشعال المزيد من الصراعات والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، وتحكم الدول بأطراف الصراع الداخلي من أجل تحقيق نفوذها ومصالحها على حساب دماء الناس ومستقبلهم.
يبرز الأمر أكثر في الحالة السورية- حيث يحاول البعض التعاطي مع ما يجري وكأنه صراع طائفي، ويغذيه مالاً- وسلاحاً كي يسير في هذا الاتجاه، وتتجه سكاكين القتل وفقاً لما هو مخطط لها، إذ بدأت منذ انطلاق (ثورة الناتو والصهيونية) بذبح لون مذهبي محدد ليقول للآخرين- أنتم لا علاقة لكم بذلك- إذا وقفتم جانباً فسوف تنجون بأنفسكم، ولكن عند التدقيق بهذا النهج الإجرامي المكشوف الذي نفذته عصابات ممولة من الخارج نكتشف أن سكاكين الإجرام لم تستثن أحداً، دعونا نعد بالذاكرة قليلاً إلى الوراء:
– ذُبح أهلنا في دير الزور.
– ذبح أهلنا في حمص، وريفها.
– ذُبح أهلنا في اللاذقية.
– ذُبح أهلنا في حلب- والرقة.
– ذُبح أهلنا في الحسكة.
– ذُبح أهلنا في ريف دمشق.
– ذُبح أهلنا في القنيطرة- ودرعا…
ثم لنتحدث عن تدمير المساجد، والكنائس، والأضرحة، ونبش القبور وتدمير الآثار، وسرقة الثروات، هل كان هناك تمييز في ذلك أم إن كل السوريين مستهدفون بهذا القتل والإجرام!!!
السؤال الآخر: هل تُميز سيارة مفخخة تقتل الأبرياء، والأطفال، والنساء، والشيوخ بين الأقليات، والأكثريات، وهل تُميز قذائف الحقد والإرهاب بين مواطن- وآخر، بالتأكيد لا؟!
الأهم من ذلك: هل يمكن لعاقل أن يعتقد مثلاً أن الأميركي الذي قتل في العراق الجميع، والصهيوني الذي قتل في فلسطين، وسورية، ولبنان ومصر الجميع، والوهابي الذي يذبح في اليمن كما يذبح في سورية والعراق، ولبنان، والعثماني الذي يكرر تاريخ أجداده- أن يكونوا الآن حريصين على سوري من دون آخر.
واضحٌ: أن الوعي العام لدى السوريين يزداد بدليل قتالهم مع جيشهم البطل في كل مكان دفاعاً عن كرامتهم، وعرضهم، وأرضهم ومستقبل أبنائهم… أما أصحاب نظريات الأقليات- والأكثريات فنقول لهم: كلنا أقليات، وكلنا أكثريات، ولكن الأهم كلنا سوريون- نؤمن بوحدتنا، وعزتنا، وكرامتنا، أما من قَبِلَ منّا أن يكون جسراً لمرور مخططات الأعداء ضد أبناء بلده- فسوف يكتشف قريباً أنه ليس سوى أداة بالية وقذرة سوف تُرمى في مزابل التاريخ عندما ينتهي دورها، وعبرة جيش لحد في جنوب لبنان ماثلة أمامهم، فليقرؤوا تاريخ الأمم- والشعوب، وتاريخ شعبهم ليتثبتوا أنه لا يُخلد إلا العظماء والأبطال الذين يحملون راية (كلنا سوريون)…
وراية:
حماة الديار عليكم سلام
أبت أن تذل النفوس الكرام

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن