ثقافة وفن

بين الكلمة والصورة ودراميّة المشهد .. الشاعرة «ريما محفوض»… البحث عن الذات في قصيدة نثريّة

| عامر فؤاد عامر

لا بدّ أن صدور 4 دواوين دفعة واحدة ومن دون تأريخ للقصائد التي تكتنفها تلك الدواوين، يحرم القارئ متعة المتابعة في تطور القصيدة ونموها الأدبي عند الشاعرة «ريما محفوض»، لكنه جهدٌ لن نتركه دون تعقيب، وهو اجتهادٌ في مضاعفة الرغبة نحو المساهمة في البناء للغة شعريّة تعلّق بها شبابنا اليوم ولاسيما في قصيدة النثر.

حلاوة الملح
يحمل ديوان «حلاوة ملح» خمسين قصيدة جاءت بمجملها مكونة من ألفاظ سهلة ومفهومة وقريبة من القارئ ولم يكن فيها أي نوعٍ من الألفاظ الجزلة أو الغريبة أو غير المطروقة، مثل: «ريح، زمن، بحر، روح، قلب، ليل… وهكذا». وتميّزت قصيدة «عبور» في هذا الديوان بروحانيّة وجمالٍ خاص في المعاني ونذكر منها:
عبورٌ وهمي الألوان
يحمل الجسد إلى مكانٍ
يترك الروح هنا
على ناصية الوجع
ترْثي أحياءً أموات!!
كما يستوقف القارئ العديد من القصائد التي تحمل صورها الجميلة مثل: رصاصة نادمة»، وقصيدة «يصيح الديك» التي تعالج الحبّ والعاطفة بين رمزٍ للذكر والأنثى وحبات الرمان بينهما، لكننا نلاحظ أيضاً أن الحبّ محور معظم قصائد الديوان، وخطاب الأنثى للرجل يعلو كثيراً فيها أيضاً، وفي قسمٍ منها انكسار الأنوثة أمام الرجل، فلا ورود لنصٍ يتحدّى. ومن النصوص الجميلة «دعوا الكروم» وفيه دعوة للسلام والمحور فيها الوطن، وفي قصيدة تالية «سلميّة» أيضاً خصوصيّة للمكان وإخلاصٌ للمنبت.

توّحد مع القمر
تتجدد قصائد خمسون أخرى في ديوان «توّحد مع القمر» وفي العنوان صورة أنثويّة بارزة وقصيدة مميزة تلاقينا كنوع مختلف في نمط كتابة المؤلفة وهي قصيدة «حمّى» ففيها قوّة لتوصيف المعاناة وشكوى الحال، ومقدرة على تجسيد الحرف بالمعاناة، والختام مع الصلاة التي تصفها بأنها أكثر حناناً على خدّها. وفي الديوان أيضاً قصيدة شكوى ونداء بين الهمس والصوت العالي وقصيدة «حوارٌ صامت» والتي نقتطف منها:
بكاء الكأس الفارغة
لم يستجد
زحاجةً كسيحةً
السيجارةُ المطفأةُ
ضحكت
وبكت احتراقاً!!
وحدها بقايا النّبيذ
على حواف الكأس
كانت سكرى
بالشفاه الغائبة!!
جاءت الألفاظ أكثر إيحاء واقتربت الشاعرة هنا من حالات الوجد والارتقاء بالعاطفة من خلال الإغراق بذاتيتها. ويتكرر ذلك في عدّة قصائد أجملها جاء في قصيدة «قلمي» وحوارٌ دافئ بين هذا الصديق وبينها.
جسورٌ متأرجحة

تعاقب جديد لخمسين قصيدة جديدة في ديوان «جسور متأرجحة» وفي الديوان حالة من الخطاب وحالة من الفرديّة التي خطّت بها الشاعرة أفكاراً ومشاعر ارتبطت بتأرجح العنوان، وجاءت التعابير بين توصيفٍ ووقفاتٍ صامتة، يتخللها حالات من الصلاة والمناجاة، وفي قصيدة «ليس للأرواح ظلال» تتعمق الحالة الخطابيّة في جوانب ويزداد وضوح المونولوج الداخلي، أمّا في قصيدة «حكاية الليل» فتتضح ملاحظة الحالة الوصفية والمشاهد الصامتة أكثر، وكان من الممكن أن يتطور الأسلوب هنا ليمنحنا وصفاً دراميّاً بين حالين، لكن ذلك بقي مبطناً غير معلن، أمّا في قصيدة «كلماتي» فضجيج الخشوع والصلاة واضح جداً، وبصورة عامة جاءت قصائد هذه المجموعة بشكلٍ أطول وبمعانٍ أكثف.

ريتّا
عنونت «ريما محفوض» القصائد الخمسين الأخيرة التي تناولناها بـ«ريتّا»، وريتّا هنا تحلق في أرجاء الروح وتهيم اشتياقاً في حياة الشاعرة وكأنها تفصيلٌ أصيلٌ منها، ومنها نأخذ:
حلّقي في أرجاء روحي
كسربٍ من فراشٍ
متحدٍ بالريح والنور
وادخلي صدري
ريتا…
يجسد الديوان أحاسيس منوّعة حملت مثال الذاتيّة المفرطة ولربما في قسمٍ منها كانت بعيدة جداً في التقاطع مع الآخر، وكأنها هموم ومواجع وتجارب خاصّة في ذات الشاعرة. وتميّزت قصائد المجموعة بالقصر مقارنة بقصائد باقي المجموعات.

وماذا بعد؟
جمعت الدواوين الأربعة حالاتٍ مشتركة من حيث تصدّر صورة الشاعرة الشخصيّة للأغلفة، وهذا ما لم نعتده في دواوين الشعر السوريّة على الأقل، وأيضاً من قرأ واعتنى وقدم في الكتب الأربعة الناقد المصري «محمد محمود دحروج» وكان الوصف المرفق مع اسم الشاعرة هو «شاعرة السلميّة»، وبينما الوصف المرفق للناقد هو «ناقد الجيل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن