ثقافة وفن

«ساحر السينما العربية».. وداعاً محمود عبد العزيز.. عملة نادرة بتاريخه العظيم.. ونهر من العطاء الفني الذي لا ينتهي..

| وائل العدس

توفي النجم المصري محمود عبد العزيز مساء السبت الماضي عن عمر 70 عاماً، بعد صراع مع المرض دخل على إثره في غيبوبة طويلة بمستشفى الصفا بالقاهرة، فلم يكن الخبر هذه المرة شائعة بعدما فارق الدنيا وأغمض عينيه للمرة الأخيرة، تاركاً وراءه أفلاماً ومسلسلات شغلت الدنيا وترسخت في ذاكرة الجماهير، وصارت أيقونات لا تنافس.
عانى طوال الأشهر الماضية تدهور الجهاز المناعي بسبب مضاعفات إصابته بالأنيميا، وفرضت أسرته حصاراً حول حقيقة وضعه الصحي، وتردد أنه مصاب بضعف بالعمود الفقري، يمنعه من مغادرة المستشفى.
كما تردد أنه مصاب بأورام ليفية في اللثة، وتم الاتفاق على نقله للولايات المتحدة الأميركية لاستكمال إجراءات العلاج، ولكن حالته الصحية لم تسمح.
هو أحد أفضل وأمهر من أنجبه الفن المصري عبر تاريخه، إذ يعد عملة نادرة بتاريخه العظيم وتدرج في عالم النجومية حتى بات أحد أهم أيقونات الدراما والسينما المصرية.
ترك العديد من البصمات الرائعة سطرت اسمه في تاريخ السينما المصرية بالعرق والكفاح والجهد، وهو الفنان الذي تميز ببراعته وإتقانه لأداء الأدوار المختلفة، كما كان يعمل دائماً على الحفاظ على اسمه الذي اجتهد في صناعته طوال تاريخه ومشواره الفني. وهو أحد رواد عالم الفن، ونهر من العطاء الفني الذي لا ينتهي.

الموت خجول

تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لعبد العزيز وهو يتحدث فيه عن الموت.
وكان «الساحر» (كما يلقبه محبوه نسبة إلى أحد أفلامه) يتحدث عن الموت بأحد أعماله المهمة وهو مسلسل «أبو هيبة» في مشهد جمعه بأحد زملائه بالعمل.
وقال بالمشهد: «حد يخاف من الموت؟.. الموت خجول».

ابن الإسكندرية
مثل كثيرين من الساحة الفنية، لم يدرس الممثل عبد العزيز التمثيل، بل نال درجة البكالوريوس في الزراعة وبعدها درجة الماجستير في التخصص ذاته، إلا أنه سرعان ما اتجه إلى التمثيل مطلع سبعينيات القرن الماضي مستنداً إلى موهبته.
وعمل على تنمية موهبته أثناء دراسته الجامعية، إذ انضم إلى فريق المسرح في جامعة الإسكندرية، وكانت بوابته إلى طريق الشهرة مصرياً وعربياً.
ولد عام 1946 بحي الورديان بمدينة الإسكندرية لأسرة متوسطة الحال. ترعرع ودرس في المدينة الساحلية، لكن جل حياته فيما بعد أمضاها في القاهرة، التي ذهب إليها طلباً للشهرة رغم معارضة والدته. حيث كانت ساحة إنتاج أعماله الفنية الغزيرة وخاصة في الفن السابع.

في الدراما
كانت بداية معرفة الجمهور بالفنان الراحل من خلال مسلسل « الدوامة» العام 1973، وأدى فيه عبد العزيز دور الصحفي «ثقيل الظل»، ونال المسلسل شعبية كبيرة.
وظل في ميدان المسلسلات التلفزيونية والإذاعية منذ ذلك الوقت حتى عام الحالي 2016، إذ قدم نحو 15 مسلسلاً من أبرزها: «محمود المصري»، و«البشاير»، و«رأفت الهجان»، و«باب الخلق»، و«أبو هيبة في جبل الحلال»، و«رأس الغول» (عمله الأخير).
ولعل البصمة الأبرز كانت في «رأفت الهجان» عام 1987، الذي جسد فيه الفنان الراحل على مدى ثلاثة أجزاء قصة الجاسوس المصري في قلب «إسرائيل»، وأصبح المسلسل أيقونة للأعمال التي تتناول الجاسوسية، ولم تفلح المسلسلات اللاحقة في هذا المجال في إحداث الأثر ذاته.

الفن السابع
ويعتبر كثيرون أن تميز عبد العزيز الأكبر كانت في السينما، فقدم 90 فيلماً، وكانت الفاتحة مع فيلم «الحفيد» عام 1974، وصعد إلى دور البطولة في العام التالي عندما أدى دور ضابط أصيب بالشلل أثناء الحرب في فيلم «حتى آخر العمر».
ومن أفلامه أيضاً: «يوم الأحد الدامي»، و«خطايا»، و«الشياطين»، و«كفاني يا قلب»، و«البنات عايزة إيه»، و«الأبالسة»، و«إعدام ميت»، و«الكيت كات»، و«الساحر»، وقد تألق في كثير من هذه الأفلام حتى أصبح أحد أيقونات الفن السابع.
جوائز

نال الفنان الراحل جوائز عديدة، كان منها جائزة أحسن فيلم عن «الكيت كات» (1991) في مهرجان الإسكندرية الدولي، وفيها مثّل الفنان الراحل دور شيخ ضرير يرصد أوضاع جيرانه بحي شعبي ويمارس الغناء رافضاً الاعتراف بفقدان البصر.
واعتبر كثيرون أن هذا الفيلم من العلامات المميزة في التسعينيات، لما يحمله من أبعاد إنسانية ووجدانية تبتعد عن السطحية المجسدة في عبارة «الجمهور عاوز كدة».
وعلى المنوال نفسه، شارك عبد العزيز الممثلة منى شلبي بطولة فيلم «الساحر» عام 2001، وحاول فيه الساحر إدخال الفرحة إلى قلوب أبناء حيه الفقير وفاز بجائزة مهرجان جمعية الفيلم المصرية ومهرجان دمشق الدولي السينمائي.
كما فاز الفنان الراحل بجائزة أحسن فيلم عن «سوق المتعة» (2000)، وفي عام 2012 منحه مهرجان دبي السينمائي جائزة «إنجاز العمر»، كما فاز بجائزتين في «مونديال القاهرة للأعمال الفنية والإعلام» خلال عام 2015.

زواج
تزوج من السيدة جيجي زويد، التي أنجب منها ثلاثة أبناء منهم ولدان يعملان بالتمثيل هما كريم ومحمد، والأخير يعمل بالإنتاج أيضاً، كما تزوج من الإعلامية بوسي شلبي.

شائعة الاعتزال
عندما رحل عدد كبير من أصدقائه المقربين كالمخرج عاطف الطيب والممثلة سعاد حسني، رفض التعامل مع الناس، وجلس وحيداً في غرفته يبكي بالساعات، ما جعل شائعات الاعتزال تطارده فتزيد من قسوة الأيام عليه.
كما واجه الساحر صعوبات كبيرة عندما انفصل عن زوجه الأولى «جيجي»، بعد سنوات طويلة من الحب والعشرة، وفوجئ بعد ذلك بلجوئها إلى القضاء للحصول على مستحقاتها من نفقة على الرغم من عدم رغبته في مناقشة مشكلاتهما العائلية على الساحة العامة.

الأواخر
آخر فيلم طويل شارك فيه كان «إبراهيم الأبيض» عام 2009، الذي شارك فيه الفنان أحمد السقا والفنان عمرو واكد، ولاقت شخصية «عبد الملك زرزور» التي قدمها عبد العزيز، نجاحاً كبيراً لدى الجمهور، بسبب بعض الجمل والتعبيرات المميزة.
وكان آخر تكريم حصل عليه في حفل مؤسسة الأهرام للدراما التلفزيونية، حيث حصل على درع المؤسسة، استلمها عنه نجله الفنان محمد، الذي طالب وقتها الصحفيين بتحري الدقة خلال تناول حالة والده الصحية.
ورغم أن أعمال الفنان الراحل كوميدية في معظمها، إلا أنه كان يركز خاصة في الفترة الأخيرة، على أن تحمل قصة جادة في نفس الوقت، حيث كان آخر مسلسل له هو «رأس الغول».
المسلسل من إخراج أحمد سمير فرج، وتأليف، وائل حمدي وشريف بدر الدين، وشارك عبد العزيز في البطولة كل من الفنان فاروق الفيشاوي، والفنانة ميرفت أمين.
وبالانتقال إلى آخر شائعة فكانت أول جملة كتبها عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر هي «حد ليه شوق في حاجة؟»، التي تميز بها في فيلم «إبراهيم الأبيض»، لكن بعد فترة قليلة، فوجئ المتابعون بتغريدة غريبة جاء فيها أن مسلسل «رأس الغول» سيكون آخر مسلسل يقوم عبد العزيز ببطولته.
فُهم من التغريدة أن عبد العزيز، سيعتزل بعد هذا المسلسل، وسرعان ما تحول خطأ في صيغة التغريدة إلى إشاعة تناقلتها المواقع الإخبارية، وتم نفيها بعد ذلك، وعقب ذلك استلم الفنان الراحل حسابه على تويتر وأداره بنفسه.
وفي آخر مشاركة إعلامية، أجرى الفنان الكبير مداخلة هاتفية مؤثرة مع المذيعة منى الشاذلي في برنامج «معكم» المذاع على قناة CBC، وذلك في تشرين الثاني عام 2015، بعد أن حضر في فرنسا، خلال الأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة باريس، وتصادف وجوده بالقرب من أحد الأماكن التي تعرضت للهجمات الإرهابية، وقرر إثر ذلك العودة إلى مصر في اليوم التالي.
بكى خلال المداخلة بعد تأكيده أن مصر أيضاً تتعرض لمؤامرة كبيرة جداً، كما عبر من خلال المداخلة عن «خنقته» من الأوضاع الحالية التي تتعرض لها مصر، مؤكداً أنه «مهموم جداً»، وقال: «اللي مش فاهم أن الحرب على مصر كبيرة يبقى حمار»، وتحدث كأي مواطن بسيط عن علاقة مصر مع باقي دول العالم، بقوله عبارات مثل «المتغطي بأميركا عريان».

رثاء إلكتروني
رثى وعزّى كثير من الفنانين السوريين والعرب الفنان الراحل بكلمات مؤثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا بعض ما نشر:
أيمن زيدان: جرعة مرارة رحيل المبدع لا يخفف ثقلها على الروح سوى أن يكون الأحياء أوفياء لكل ما أنجزه من إبداع.. طوبى لشعب كان وفياً لمن أعادوا رسم الحلم وواحد منهم ساحر السينما المصرية محمود عبد العزيز، رحلت أيها الخلاق إلى فضاء لا يضيق برحابة موهبتك.
سلاف فواخرجي: العزيز محمود، ذاك البريق في عينيك لن ينطفئ حتى بالموت، وتلك الضحكة الصادقة المجلجلة في الأرجاء لن يسكتها شيء حتى الرحيل، ستبقى حاضراً كشعاع شمس لا يختلف أحد على رؤية نوره والإحساس بدفئه، في فيلم في مسلسل وفي أغنية وفي جملة وفي نكتة وفي فرح وفي حزن.. في كل لحظة تبدع فيها حد التجلي تعلمنا كفنانين وتمتعنا كمتفرجين، ستبقى محبتك لي ولهفتك عليّ ويدك القوية التي أخذت بيدي جزءاً من تاريخي الذي أحبه لأنك كنت وما زلت فيه.
فادي صبيح: محمود عبد العزيز، عطاء بكل الألوان، رحمة اللـه عليك.. ستبقى في القلب والذاكرة.
نسرين طافش: رأفت الهجان.. الساحر، مشوار طويل من العطاء ومحطات لا تنسى.. إلى اللقاء محمود عبد العزيز والسلام لروحك الطيبة والصبر والسلوان لذويك.
سوزان نجم الدين: رغم أن الموت حق، ورغم أنني كنت أدرك مدى قربه منك، عندما كنت بقربك منذ أيام، إلا أنني لا أصدق أنني أنعيك اليوم، وأقف أمام هذا الخبر المفجع، مصدومة وغير مصدقة. رحمك اللـه وألهم أهلك وذويك وزوجتك الصديقة الحبيبة بوسي الصبر والسلوان.
صفاء سلطان: مهما وصفناك بالكلام فهو قليل عليك، أستاذ وفنان كل الأجيال، ربينا على إبداعك ورحلت وتركت وراك مدرسة مازلنا نتعلم منها، رحلت جسداً وبقيت معنا روحاً وفناً راقياً، خسر الفن العربي قامة كبيرة من قاماته.
شكران مرتجى: رحلت وأخذت معك مني ذكريات عمر جميل ولهفة صبية في مطلع الفن تصبو للقائك لأن ذلك الرأفت كان جزءاً دافئاً من ليالي شتاء قريتها الباردة.
ميسون أبو أسعد: تبكيك سورية كما مصر ومئات ملايين القلوب التي دخلتها وسكنت فيها ولم تخرج يا ساحر، بكيتنا من القلب.. اللـه يرحمك.
قصي خولي: ‏وداعاً أيها الساحر، وداعاً رأفت الهجان، وداعاً الأستاذ محمود عبدالعزيز، رحمة اللـه عليك وأسكنك اللـه فسيح جناته.
راغب علامة: ‏خبر مؤلم ومحزن أن نخسر فناناً وأن أخسر صديقاً، ‏رحم اللـه حبيب القلب العملاق محمود عبدالعزيز‬.
يسرا: ‏وداعاً محمود عبدالعزيز‬، مش هيجي زيك تاني أبداً.
هند صبري: ‏محمود عبدالعزيز‬ في ذمة الله، أحد أهم الممثلين الذين عرفهم العالم العربي، سيظل خالداً بأعماله… يوم حزين، اللـه يرحمه ويصبر أهله.
كارول سماحة: خبر حزين جداً وفاة الفنان الكبير محمود عبد العزيز‬ أسطورة في السينما العربية تبقى في ذاكرتنا إلى الأبد.
أحلام: ‏ترجل الفارس ترجّل الهجان. خسر الفن العربي «الساحر»، واحد من عباقرة الجيل في الفن والطيبة والشهامة.
غادة عبد الرازق:‏ البقاء لله في أوفى وأعظم فنان، جوه قلوبنا دائماً.
وليد توفيق: شمعة أخرى في عالم الفن تنطفئ تاركة وراءها تاريخاً من العطاءات وأرشيفاً مشرفاً، رحمة اللـه عليك يا صديقي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن