من دفتر الوطن

ذاكرة وطن

| عصام داري 

كثيراً ما أصبت بالدهشة وأنا أتحدث عن أحد الرواد السوريين في مجالات السياسة والفكر والأدب والفن عندما أجد أن هناك من يجهل المبدع السوري الذي أتحدث عنه.
غريب فعلاً أن نجهل هؤلاء الأعلام الذين تركوا بصمة في التاريخ السوري، وأثروا الحضارة الإنسانية بإبداعاتهم.
ربما من المفيد بين الفينة والأخرى التذكير بهؤلاء العمالقة كي لا تنسى الأجيال هذه الأسماء التي كان لها الأثر الكبير في المسيرة السورية الحضارية، والتي تشكل جزءاً من ذاكرة الوطن.
اليوم، وفي «الوطن» أريد أن أستعيد ذكرى شخصية فنية ووطنيه عرفها السوريون في منتصف القرن العشرين الماضي على وجه الخصوص، وأعني الفنان الملحن عبد الغني الشيخ (1907 – 1970) المولود في دمشق والذي اشتهرت ألحانه بين سورية ولبنان والعراق وفلسطين ومصر.
أهمية هذا المبدع لا تنبع فقط من كونه من الملحنين المبدعين فحسب، بل من أن مونولوجاته كادت تنهي عمره في مقتبل العمر، إذ إنه ألف ولحن مونولوجات تهاجم الاستعمار الفرنسي وتدعو لمقاومته وطرده من الأرض السورية، فكانت تلك المونولوجات تحرك الشارع السوري، ما أزعج المستعمر الفرنسي الذي أصدر بحقه حكماً بالإعدام.
هرب عبد الغني الشيخ إلى بغداد وأقام هناك نحو أربع سنوات واستمر في عمله كملحن قبل أن ينتقل إلى القاهرة حيث لحن لبعض المطربين ومنهم كارم محمود الذي أنشد من ألحانة الأغنية المعروفة «أمجاد يا عرب أمجاد» التي اتخذتها إذاعة صوت العرب الشارة التي تفتتح بها برامجها.
وزيادة في التعريف بهذا المبدع أذكر ببعض إنجازاته الفنية، فهو يعتبر رائد أغنية الأطفال في سورية وأغنيته التي غنتها الأمهات السوريات لأطفالهن (دادة يلا ويلا.. دادة يا ماشالله)، وهو رائد الأغنية البدوية ومن أغانيه: (يا أم العباية) لسهام رفقي، وما (اقدر أقلك مع السلامة روح) و(يا خيال الزرقا) لسميرة توفيق، وهو رائد المونولوج الاجتماعي والسياسي الناقد في سورية، والقائمة تطول. شكل مع سهام رفقي ثنائياً كان له حضور في سورية والأردن وفلسطين، كما شكل مع الفنان المونلوجيست سلامة الأغواني ثنائياً آخر سجل حضوره على الساحة السورية وكرس هذا النوع من الفن الذي كان له فعل السلاح المرادف في معارك سورية ضد الاستعمار الفرنسي، وضد الجشع والفساد وغير ذلك من المظاهر الاجتماعية الدخيلة على الثقافة والأعراف السورية.
أمثال عبد الغني الشيخ كثر، وهم يشكلون كما أسلفت ذاكرة الوطن، وعلى الأجيال المتعاقبة أن تبرز إنجازاتهم وإبداعاتهم كي لا ننسى من له الفضل في تقديم جهده وفكره وحياته في سبيل الوطن.
لو كان عبد الغني الشيخ مصرياً لتحولت قصته إلى مسلسل تلفزيوني، أو فيلم سينمائي، ولتمت تسمية أحد الشوارع باسمه، مثل طلعت حرب مثلاً الذي أسس بنك مصر وكان له فضل على الفن في مصر.
فهل نكرم مبدعينا بعد رحيلهم مادمنا لم نكرمهم في حياتهم، إنصافا لهم، واحتراماً للوطن ولنحافظ على «ذاكرة الوطن»؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن