ثقافة وفن

«جماليات اللّسان في الصمت والكلام»

| سارة سلامة

إلى الذين يحبون اللغة العربية… ويعملون على حمايتها، وتحصينها، والارتقاء بها.. وتعزيزاً للانتماء القومي وحفاظاً على الهوية الثقافية لأمتنا العربية.. أقدم هذا الجهد المتواضع.. هذا هو الإهداء الذي خصه الكاتب محمد جميل الخطاب في كتابه «جماليات اللسان في الصمت والكلام»، الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، محتوياً ستة فصول.
وتحدث الخطاب عن أهمية لغتنا العربية معتبراً أنها أرسخ ركن في بناء هويتنا القومية، وأنها وجدان أمتنا التي قدمت للإنسانية الأبجدية الأولى، وأن اللغة العربية هي مستودع تراثنا، وقلعتنا الحصينة.
كما نوه الخطاب بالخطر المحدق الذي يعصف بأمتنا وفكرها ولغتها والخطر لا يتمثل بالأجانب فحسب، بل من كل نفر من أفراد الأمة وأنه لابد من أن يستشعر الغيورون على اللغة العربية بالأخطار المحدقة بها، والتصدي لمحاولات الانتقاص من مكانتها، وتضييعها ودعا إلى تحصينها وحمايتها.
استشهد بدعوة سامية وجهها الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم حيث قال: «عندما تضعف اللغة العربية، من السهل أن يضعف أي ارتباط آخر لنا، سواء بالنسبة للوطن، بالنسبة للقومية، بالنسبة للدين، فهذه الأمور ترتبط باللغة، ويجب إيلاء اللغة العربية التي ترتبط بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا كل اهتمامنا ورعايتنا كي تعيش معنا في مناهجنا واعلامنا وتعليمنا كائناً حياً ينمو ويتطور.
الفصل الأول جاء بعنوان «اللغة والهوية والانتماء»، وكان بمثابة تعريف باللغة وأهميتها وعلاقتها بهويتنا وانتمائنا:
اللغة: هي أداة التفاهم واكتساب المعرفة، وإنماء الفكر وهي أمتن رابط يشد الأفراد، ويكوّن من مجموعهم أمة متميزة قادرة على البقاء والنمو.
واللغة هي القلب من قوميتنا العربية، لأنها الخضم الذي انصبت فيه روافد عادات الأمة، وتقاليدها، ومثلها، وسائر سماتها المميزة ولأنها السبيل التي لا سبيل سواها لوصل حاضر الأمة بماضيها.
الفصل الثاني كان تحت عنوان «اللغة العربية القراءة والكتابة»، تحدث فيه عن المخاطر التي تعصف باللغة العربية ومنها الاستخدام الشائع للعامية بدلاً من الفصيحة ما يؤدي إلى تشويه اللغة العربية وإضعاف ملكة اللسان قائلاً:
إن ضعف المدرّس هو أساس ضعف الطالب الذي أخذ اللغة على يد مدرّس ضعيف، فرضع الضعف منذ بداية تعلّمه مع مدرّس يلقّنه العامية في شرحه، وحديثه، وكلامه. والطفل بطبعه في مراحل تعلمه الأولى مقلّد ماهر لأستاذه. حيث تكون عملية الاكتساب من لسان يلوك العامية سهلة ميسورة. ثم يعود إلى البيت ليسمع الجزء الآخر فلا مناص من الإغراق في العامية في المدرسة والبيت.
وأكد الخطاب أهمية القراءة في تكوين شخصية الطفل: إن توليد حب القراءة في نفوس الطلاب من أهم الأهداف التي ينبغي أن يسعى إلى تحقيقها المعلمون والآباء. وتبدو قيمة هذا المنحى إذا أدركت أهمية ما تؤكد عليه التربية الحديثة، من الاتجاه إلى العناية بغرس مهارات التعلم الذاتي، والتعلُّم المستمر لدى الطلاب منذ نعومة أظفارهم. وتعتبر القراءة الوسيلة الفاعلة لتحقيق هذا الاتجاه.
في الفصل الخامس تحدث فيه عن اللسان ودوره في الأدب والحياة «المحاسن والعيوب»، فاعتبر اللسان من أهم أدوات التعبير عن الذات والمجتمع، والفن والنقد، والأدب وقضايا المعرفة كلّها. وهو اللّغة التي يعبّر بها كل قوم عن مقاصدهم وأغراضهم، ومشاعرهم:
اللّسان: مفرد، والجمع ألسنة إذا ذكِّر، وألسن إذا أنِّث والقوم لسن، والرجل لسن إذا كان فصيحاً.
وقد غنيت الاشتقاقات في مادة اللّسان، فاتسعت الدلالة، فالفعل لسنه يلسنه لسناً: أخذه بلسانه كقول طرفة ابن العبد:
وإذا تلسنني ألسنها أنني لست بموهون فقر
فاللسان خلقه اللـه مادة للتذوق، ووسيلة للنطق، والبيان والإفصاح عمّا يجول في الفكر ويخطر في البال من قضايا المعرفة.
ولقد جاء في تراثنا أن مكارم الأخلاق عشر أولها: صدق الحديث، وصدق اللّسان. فماذا نقول في إنسان يمارس اللّفّ والدوران، ولا يعرف الصراحة، والصدق في أي عمل يمارسه؟ إنما يتحرك وهو في كل حركة من حركاته يمارس الكذب حتى إنه ليتنفس كذباً ظاناً أن في هذا شطارة وهو في الحقيقة يحمل على كتفه عاره وهوانه.
الفصل السادس تحدث الحطاب عن الصمت حيث جاء هذا الفصل تحت عنوان «جماليات الصمت في الأدب والحياة» قال فيه:
الصمت! وليس فيه سوى الصمت؟ وهل يعني ذلك أنه وجود لآثار تدلّ عليه، ولغة تبوح بأسراره، وتاريخ يفصح عن حقيقته؟ إن المنطقة الأكثر سواداً وتعتيماً وإهمالاً في حياتنا هي منطقة الصمت هذا إذا جاز لنا أن نستخدم هذه العبارة مقابل منطقة الكلام.
ولكن الذي يدقّق في حقيقة الكلام، وحراكه اللفظي فلا بدّ أن يكتشف أن هناك ما هو أكثر حضوراً منه رغم أنه غير محسوس به. وما هو أكثر تجلياً منه، رغم أنه غير ملموس، أو غير مقروء، أو مرئي ذلك هو فعل الصمت الذي يندرج ظلماً باستمرار ويتلاشى، ويتغيّب تحت إمرة الكلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن