ثقافة وفن

«المرأة قلب يخفق» توثيق رحلة المرأة السورية … الدكتورة نجاح العطار شهدت تصدر المرأة السورية وتعمل على تخليص واقعها من الشوائب .. شهادة للمرأة السورية وتفوقها في جميع الميادين السياسية والاجتماعية

| إسماعيل مروة – «ت: طارق السعدوني»

المرأة هل تشكل نصف المجتمع؟ هل هي المجتمع؟ هل هي صلب المجتمع القادر على النهوض به؟ هل تقف على هامشه وتنتظر حصة محددة لتأخذ مكانتها؟ هل أنصفها المجتمع وأعطاها دورها اللائق؟ هل أخذت مكانتها في الغرب وضاعت في الشرق؟ أسئلة وأخرى كثيرة تأتي إلى الذهن كلما دار نقاش عن المرأة ودورها، وخاصة أن كثيرين يرون أن دور المرأة يأخذ من دور الرجل، وربما انتقص منه، وربما سلبها أدوارها هي! وبعضهم حدد للمرأة أدواراً لا تتعداها، وفصّلها على مقاسه ورغباته، وبما يخدم أنانيته ومنطلقاته… فماذا عن دور المرأة؟ وكيف تم تعزيزه وتطويره عبر مراحل زمنية وعقود؟ وكيف تحول وجود المرأة إلى وجود مقبول ومرحب به؟ بل كيف صار غياب المرأة عن المشهد الفاعل مستهجناً وبعيداً عن المنطق؟

المرأة قلب يخفق
مع أبعد نجم، المرأة قلب يخفق، مع أقرب نجم ومنصة وحضور حددت السيدة الدكتورة نجاح العطار في كتابها الجديد الصادر عن الهيئة السورية العامة للكتاب في وزارة الثقافة مصطلحاً مهماً وهو أن المرأة قلب يخفق مع أبعد نجم، يخفق في المحن، يبقى على لوح الزمن، بعيداً عن الإنشائية، وبعيداً عن المظلومية والإحساس بها كتبت الدكتورة العطار ووثقت لدور المرأة، والأكثر أهمية في هذا الكتاب أن المؤلفة الأديبة لا تقصي المرأة الفاعلة لمصلحة وجودها، فهي توثق لدور المرأة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً وحضارياً، وتجد أن خفقان قلب المرأة، أو خفقان قلب الوطن بالمرأة أعطاها هذا الدور، ومنحها تلك المساحة الكبيرة التي تهيأت لها في سورية، وكانت منارة للزمن من خلال احتفاظ المرأة بدورها، وتوسّع طيف حضور المرأة في كل منحى من مناحي حياتنا بدءاً بالثقافة ووصولاً إلى أعلى المناصب، التي كانت في سورية عن جدارة واستحقاق، ولم تخضع طويلاً لمبدأ الحصة السياسية، وقد نما دور المرأة السورية، وازداد خفقان قلب المجتمع بمشاركتها الفاعلة والفعالة حتى تحولت إلى جزء لا يمكن إهمالها في المشهد السياسي والاجتماعي، بل لا يمكن أن يكتمل المشهد من دون وجود المرأة، بل صار المواطن العادي عند كل فاصلة يسأل: أين المرأة؟ ماذا عن دورها؟ لماذا لا يوجد دور للمرأة؟ هذا المشهد الحضاري لم يكن وليد اليوم أو اللحظة، وهذا ما تقوم السيدة الدكتورة نجاح العطار في كتابها بوضعه في السياق التاريخي والمنطقي.

أهمية الكتاب
تأتي أهمية الكتاب من جوانب عديدة، لعلّ أهمها:
– وثيقة مكتوبة بلغة أدبية عالية، لأديبة عرفت لغتها وترفها اللغوي الذي يرقى بالقارئ، فنحن لسنا أمام وثيقة تفتقد عناصر بقائها كنص أدبي مميز له مكوناته وخصوصيته.
– أمام رصد متتابع زمنياً لخفقان قلب المجتمع بالمرأة التي هي الدم الحقيقي له، وهذا الرصد يتابع التحولات التي كانت للمرأة وحضورها عبر عقود من الزمن.
– تتجنب الكاتبة الدكتورة العطار الإنشاء والحديث عن مظلومية المرأة، وتكتفي بالحديث عن تطور دور المرأة، لإدراكها بسيرورة التاريخ، وبأن ما أوكل للمرأة وأثبتت جدارتها فيه يفترض أن ينمو ويزداد، ولن يقدر أحد على سلبه، وأي حديث ارتدادي على المجتمع ومكوناته لن يكون مفيداً بقدر النظر إلى الأمام.
– توثيق ريادة المرأة السورية على المستوى العربي وعلى مستوى العالم بسبب القراءة المنطقية لمنهج القيادة السياسية التي راهنت على المرأة ودورها وخياراتها، وهي بذلك تقدم وثيقة مهمة للغاية يحسن أن نتوقف عندها للتمعن فيما قامت به المرأة لا بما قدم لها أو أعطي، وعدم إغفال أن المرأة مشروع تنويري ضمن مشروع حضاري وطني متكامل.. وفي تقديمها للكتاب الوثيقة تبرز الدكتورة العطار ما يمكن أن يتحقق للمجتمع من إعطاء المرأة دورها، والثقة بها «الموقف من المرأة موقف حضاري، فبقدر ما تتقدم المرأة وتتعلم وتعمل، وتتبوأ المناصب، وتتولى المسؤوليات، وتتقلد زمام الأمور، وتشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية والتنموية لبلدها، وتصبح وزيرة وسفيرة ونائباً وقائدة نقابية ومهندسة وطبيبة ومحامية، أي بقدر ما تشارك في كل وجوه النشاط السياسي والحزبي والإداري والاجتماعي والنضالي، تكون عنواناً بارزاً من عناوين تقدم ذلك البلد، ورمزاً حياً لرقيه، ودليلاً ساطعاً على أخذه بأسباب الحضارة، ولحاقه بموكب البشرية المندفعة، في عصرنا، اندفاعة العاصفة في مسيرتها إلى أمام».
فالمرأة حسب هذا الطرح المتقدم ليست فرداً بذاتها، بل إن وجودها ودورها دليل على قضايا عديدة:
– مشاركتها عنوان تقدم البلدان.
– وجودها رمز للرقي.
– إطلالتها عنوان للحضارة بارز.
– إسهامها يدفع موكب البشرية المندفع.
وهذه القضايا التي أجملتها د. العطار ليست ذات جانب واحد، فمشاركة المرأة في مجتمعها تقدم هذه القضايا، وانحسار دورها لا يعني غيابها، بل يعني كما توحي سيرورة التاريخ والعبارة نكوصاً للمجتمع بتمامه، وردّة كاملة عن التقدم والرقي والحضارة وموكب البشرية، فهل نحن قادرون على البقاء في أماكننا؟ وهل تتحمل مجتمعاتنا النكوص والردة إلى الخلف؟ من المؤكد لا، ولابد من القلب الخافق المتمثل في المرأة.

استدعاء المرأة والثقة بها
لم تكن المرأة لتأخذ موضعها في سورية لولا القيادة السياسية التي آمنت بدورها، وعملت على تعزيزه في كل مجال من المجالات التي وجدت فيه المرأة السورية، وتظهر الدكتور العطار أن المرأة السورية تحديداً بين النساء العربيات أخذت هذا الموقع لأن القيادة السياسية أرادت لها ذلك «لقد كان الرئيس حافظ الأسد، في حكمته وقيادته الفذة قدوة في هذا المجال، إنه لم يرسم في خطابه التاريخي بمناسبة العام الدولي للمرأة، المفهوم النظري لإنصافها، بل أوصى، ووضع وصيته موضع التطبيق، بأن تتولى كل المسؤوليات، وأن تتبوأ كل المراكز القيادية، وأن تشارك الرجل عبء المسيرة الثورية… أضيف مؤكدة أن وضع المرأة في قطرنا وضع رفيع المستوى، عالي المكانة، وهي في صلب عملية إنشاء الدولة الحديثة، وبناء النهضة التي تشمل كل ميادين العلم والعمل، وقد حدد السيد الرئيس البشار دورها تحديداً عملياً دقيقاً، ودعا إلى إعطائها ما تستحقه في الحياة السياسية، وما هو جدير بها..» فالعملية ليست حصة سياسية بقدر ما هي وضع منهج ثابت لوجود المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية والسياسية، وفي بناء المسيرة الثورية للمجتمع السوري، وهذا المنهج الذي وضعه الرئيس حافظ الأسد عززه وزاد فيه الرئيس بشار الأسد، الذي أعطاها دورها الذي هي جديرة به، والجدارة أمر مختلف تمام الاختلاف عن الحصة التي لا تزال دول كثيرة في المنطقة والعالم المتحضر تعمل عليها، وما وصلت إليه المرأة السورية لم تصل إليه امرأة أخرى عربية أو في العالم، لذا أصبح وجود المرأة في التشكيلات والقيادات السورية أمراً طبيعياً ومطلوباً في كل صعيد من صعد الحياة الاجتماعية.

المرأة ومسيرة تعزيز
لم تشأ الدكتورة العطار أن تقدم آراءها في المرأة، فذاك يخرج الحديث عن مساره، ولذا جاءت فصول الكتاب وعناوينه راصدة زمنياً مسيرة المرأة وحياتها وعطاءها ففي ستة وثلاثين عنواناً ولقاء ومؤتمراً ومناسبة رصدت المؤلفة مسيرة المرأة من دون أن تغفل تضحيات المرأة بكونها امرأة، ولم تأخذها نشوة الحديث عن المرأة المسؤولة، فهي تتناول المرأة أماً وزوجة وأختاً «لقد ناضلت المرأة بنفسها، وبزوجها وأخيها وابنها، نضالاً لا يجارى في الملمات، وفي العصيب من الأوقات، وهذا أشرف في لوح الزمن، ومجد في لوح المحن، لمخلوق لم يطلب، في اللوحين، سوى النصفة، وسوى رفع الضيم، وإزالة الغبن، والتحرر من خلال العمل والعلم، من ربقة عبودية الإعالة، لقمة مقرونة بالنهرة، وحياة ذلولاً لمن أمسك عليها حياتها، في عنترية الذكورة، مقابل سقط المتاع في الملبس والمأكل، وما يستجران من تأنيب وتأديب، يصلان حد الضرب، لا في الشرق فقط، بل في الغرب أيضاً، وفي أميركا خصوصاً».
فالكاتبة هنا لم تأخذها نشوة الفردية في أنها حققت على المستوى الشخصي بغيتها وما تريد، ولم يمنعها ما حققته عن تلمس واقع المرأة المرير في الشرق والغرب، وما تتعرض له المرأة من ذل وهوان مقابل ما يقدم لها من مأكل وملبس، وما بين أول الحديث وخاتمته مفارقة مرة، فهي التي تقدم التضحيات، وهي التي تجود، وفي الوقت نفسه هي التي تتعرض لشتى أنواع الإذلال! وهذا يشكل مصداقية في الحديث والدعوة إذ بقيت المؤلفة مع مجتمعها تتلمس همومه ومشكلاته، وتتابع المرأة وقضاياها، والإنصاف أبعدها عن جلد الذات، فما تتعرض له المرأة كمخلوق مضحٍ لا يقتصر على منطقتنا وشرقنا، بل هو خصيصة مجتمعية ذكورية، وإن كنا نراها في مجتمعنا العربي، فهي واضحة في المجتمعات الأخرى غير العربية وغير الشرقية، وخاصة في أميركا، وبذلك أبعدت هذه الصفة عن تعاليم الديانات وجعلتها مسألة ذكورية لحكم ذكوري طاغٍ.

الكشف عن الحقائق
من موقع المرأة المسؤولة لم تتجاهل الدكتورة العطار واقع المرأة المزري في مجتمعاتنا، ولم تركن إلى أنها حققت شيئاً مهماً، بل بقيت مراقبة ومتابعة وناقدة لوضع المرأة، لأنها ضمن منظومة أرادت للمرأة أن تأخذ دورها، ولا يمكن أن تغفل عن المرأة التي تحتاج إلى دعمها ومساندتها، إضافة إلى كونها امرأة تدافع عن وجودها، وقد اتسمت مواقفها بالمكاشفة ولم تخدع أو تنخدع بواقع لنساء وصلن «افتحي عينيك، هل رأيت النور؟ هل تمتعت بالشمس؟ هل رأيت البحر والقمر والنجوم وصرخت في الوادي وتسلقت الجبل… لماذا أنت عروس من السكر وزوجك عصا من خيزران؟ وتنتهي القصة بأن تظل المرأة مطرقة، لأنهم علموها أن تظل مطرقة!
تقولون إنني أبالغ؟ ما أظن، فهذا الوضع البائس للمرأة قد كان سائداً إلى ما قبل ربع قرن من الزمان، وأنا أزعم أن له بقايا ما تزال، وأن نساء كثيرات، في البيئات الشعبية والأرياف، يخضعن إلى ظروف مشابهة حتى الآن، وأن علينا، نحن اللواتي شققن الطريق أن نساعد أخواتنا أيضاً على شق طريقهن، وأن نتابع السير».
وعلى الرغم مما تتحمله المرأة وما تعانيه كانت مناضلة ومقاتلة في سبيل الوطن وسورية، وإلى النسوة اللواتي وقفن وقفة وطنية في القنيطرة تقول «لقد وقّعت المسيرة النسائية في القنيطرة، بأقدامها الغاضبة وأيديها الثائرة، وكلماتها الصادقة، أبلغ وأعنف احتجاج على القرار الإسرائيلي العدواني بضم الجولان… وكان مشهداً فريداً، يبعث على الفخر، ويستدر الدمع، ذلك الذي رأيناه في قرية مجدل شمس الجولانية المحتلة… ولقد رأت أخواتنا، ممثلات المرأة العالمية في أنقاض قنيطرتنا المحررة، مشاهد من التدمير الوحشي الرهيب، التدمير النازي العنصري» ما من عبث كانت المرأة شرفاً في لوح المحن، ومجداً في لوح الزمن، وذلك مع أبعد نجم…
وحدها المرأة مظلومة وتقاوم الظلم
وحدها تدفع ابنها وزوجها ووالدها، وتدعمهم
وحدها تظلم في وطننا، وانتماؤها الوطني لا تشوبه شائبة
وحدها تترسخ في الأرض ولا تغادر
المرأة قلب يخفق للدكتورة نجاح العطار شهادة توثيقية مهمة تثبت مكانة المرأة العربية، والمرأة السورية تحديداً، التي تصدرت المشهد الاجتماعي العربي والعالمي بما أسسه القادة والسياسيون وجعلوه منهجاً لسورية والمرأة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن