الأخبار البارزةشؤون محلية

التعاون الاستهلاكي… تعاون على الفساد … فندق يستثمر لسنوات بعقد مخالف وعدم تسديد بدل الاستثمار

| محمود الصالح

شبكة من الفساد وملفات متشعبة وهدر لأموال المساهمين وتهديد بالخطف والابتزاز وشراء ذمم ومحاولات يائسة للتغطية على ارتكابات صارخة وبعد تدقيق ومتابعة تضع «الوطن» اليوم يدها على مجموعة من ملفات الفساد في قطاع التعاون الاستهلاكي وسيتم نشرها بالتفاصيل الكاملة لنضع القراء أمام حقائق ما يجري وكذلك الجهات المعنية التي بقيت بعيدة كثيراً عن هذا القطاع حتى استشرى الفساد في جسده الذي كان يشكل في سبعينيات القرن الماضي القطاع الرائد في البلاد واستطاع أن يشكل حزام أمان إبان الحصار الاقتصادي على البلاد في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. الكثير منا يتذكر أنه اشترى الجزء الأكبر من عفش منزله من تلك الجمعية الاستهلاكية واشترى آخرون مستلزمات كثيرة بأقساط مريحة. الحقيقة أن قطاع التعاون الاستهلاكي كان حتى وقت قريب يشكل أحد أهم مؤسسات التدخل الايجابي في البلاد. حتى دخلنا إلى اقتصاد السوق وخفت بريق هذا القطاع وتسللت إليه خفافيش اقتناص الفرص وبدأت تعيث فيه فسادا.

شكوى ولكن..
نحن اليوم أمام ملف نترك للقراء الحكم عليه من خلال سرد الوقائع التي توافرت بين أيدينا. البداية كانت من الشكوى التي تقدم بها إلينا شخصان قالا إنهما من المساهمين في جمعية دمشق الاستهلاكية. ويؤكدان في شكواهم أن هناك تهديداً لمصالح المساهمين في هذه الجمعية البالغ عدد أعضائها 38 ألف مساهم نتيجة انهيار هذه الجمعية خلال السنوات العشر الأخيرة بسبب سوء الإدارة وامتداد يد الفساد من مجالس الإدارات المؤقتة وكذلك الجهة المشرفة وهي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ويؤكدون في شكواهم أن مجمع الثورة الاستهلاكي أصبح الآن في يد تاجر واحد ضاربا عرض الحائط بمصالح المساهمين وخلافا لكل القوانين تم التواطؤ بين أحد التجار مع مجلس إدارة الجمعية التعاونية الاستهلاكية بدمشق الذين استولوا على كامل صالاته وفروع الجمعية بموجب عقود استثمار وهمية. وخلال جلسة مطولة لنا مع مقدمي الشكوى تحدثا لنا عن ضرورة انتخاب مجلس إدارة دائم للجمعية يتم اختياره وفق الأصول القانونية من المساهمين وفق القانون 317 لعام 1956 الناظم لعمل قطاع التعاون الاستهلاكي. وتمت الانتخابات في مرحلتها الأولى بكل شفافية وحضرها أغلب المساهمين. ويرى الشاكيان أن هذه النتائج الأولية لم ترق لوزارة التجارة الداخلية ولا لمجلس الإدارة المؤقت المعين من قبلها وتم التلاعب بمصير الانتخابات، وعرقلة استمرارها بحجة عدم التبليغ للمساهمين بشكل صحيح وعدم تعليق الدعوات للمساهمين وفق الأصول لإتاحة الفرصة للجميع في ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم إلى هذه الجمعية.

الوثائق لا تتحدث
وقدم لنا صاحبا الشكوى مجموعة من الوثائق إضافة إلى نص الشكوى. هذه الوثائق بمجملها لا ترقى إلى مرتبة الوثائق الحقيقية لعدم استيفاء شرط التوقيع. لكن الذي ساعدنا على كشف خيوط اللعبة وفتح الباب الذي دخلنا من خلاله على هذا الملف الكبير أننا شعرنا بوجود استهتار غير مفهوم وغير مبرر سواء من الجهة المشرفة وهي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أو من الجمعية التعاونية الاستهلاكية في دمشق من خلال جداول التبليغ غير المستكملة وضبوط تعليق الدعوات التي لا تحمل تواقيع كاملة وغيرها من الوثائق. هذا الحال دفعنا إلى مزيد من التقصي والمتابعة. أمام إلحاح الشاكيين على ضرورة الإسراع في النشر حتى لا تضيع حقوق الأعضاء المساهمين في هذه الجمعية. ولأن «الوطن» لا ترى بعين واحدة وإنما تتحرى الحقيقة أينما كانت وهذا هو ديدن هذه المؤسسة التي تعمل على الوصول إلى الحقيقة أينما كانت وتنحاز إليها بكل قوة، حاولنا التواصل مع الجهة المشرفة على عمل هذه الجمعية وهي مديرية التعاون الاستهلاكي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. مديرة التعاون الاستهلاكي في الوزارة وضعت أمامنا كل الوثائق التي طلبناها والتي لم يقدمها لنا الشاكيان. إضافة إلى حديث طويل ومفصل مع المديرة التي قالت فيه إن القضية ليست قضية انتخابات ولا بحث عن مصلحة المساهمين إنما الهدف من كل هذه المحاولات اليائسة هو التغطية على ملف فساد كبير عمره عشر سنوات تقريباً. وهو ملف استثمار فندق جمعية محافظة دمشق الاستهلاكية والواقع في مجمع الثورة الاستهلاكي الواقع في شارع الثورة. هذا الفندق الذي تم استثماره من مواطن سوري (بالمناسبة نحن لم نذكر للمديرة اسم الشاكيين للأمانة الصحفية) منذ عام 2008 فماذا قالت مديرة التعاون الاستهلاكي في وزارة التجارة الداخلية ربا عمران: الجمعية التعاونية الاستهلاكية في دمشق لديها 7 صالات وفندق في مجمع الثورة الاستهلاكي ومن خلال الملفات والوثائق التي بين يدي تبين أنه تم إعطاء الفندق بموجب عقد استثمار للمستثمر بندر سليمان المزروعي بمبلغ استثمار 8.1 ملايين ليرة سنويا بعقد بالتراضي بعد إفشال المزايدة لأكثر من مرة حتى يتم التعاقد بالتراضي مع المزروعي بمبلغ زهيد جدا. وذلك من خلال التواطؤ مع مجلس الإدارة المؤقت للجمعية – بالمناسبة جميع مجالس الإدارات منذ عام 2008 وحتى الآن مؤقتة ولا أحد يعرف الأسباب- واستمر المستثمر في العمل حتى عام 2010 توقف عن دفع بدل الاستثمار وكذلك توقف عن تسديد المصاريف من ماء وكهرباء وخدمات. وهنا بدأ مجلس الإدارة في البحث عن مصدر تمويل لتسديد نفقات الفندق من ماء وكهرباء وخدمات وتم إعطاء صالات المجمع استثماراً لتحقق إيراداً يغطي نفقات الفندق. وأقام مجلس إدارة الجمعية دعوى قضائية ضد المستثمر طالباً فيها فسخ العقد وإلزامه بتسديد بدل الاستثمار المتراكم والبالغ أكثر من 42 مليون ليرة وكذلك المصاريف التي تتجاوز 33 مليون ليرة وهي في زيادة مستمرة لذلك لم يتطرق لها قرار الحكم والذي انتهى في النتيجة إلى الحكم بفسخ العقد وإعادة الحال إلى ما كان عليه وإلزام المستثمر بدفع مبلغ 42477335 ليرة سورية إلى الجمعية وذلك بتاريخ 29/9/2015 وبدأت إجراءات تنفيذ الإخلاء ومنذ ذلك التاريخ بدأت المناوشات من المستثمر ومن معه في المجمع.
ولأن المستثمر يدرك تماماً أن الموضوع سينتهي إلى الإخلاء ودفع المبالغ المحكوم بها حاول أن يجري تسوية مع الجمعية التي دعته إلى ذلك ورفض في البداية طالبا أن يتم تشميله بالتخفيض المعمول به في الفنادق المصنفة سياحياً والتي تؤوي لاجئين حيث يتم تخفيض 50% من بدل الاستثمار وعلى أمل التسوية اتخذ مجلس الإدارة قراراً بتشميله بالتخفيض ولكنه لم يقم بالتسوية وعاد مجلس الإدارة لطي قرار التخفيض لأن وزارة السياحة لم تصدق على العقد بسبب عدم تصديق وزارة التجارة الداخلية على العقد. وهذا يثير أكثر من سؤال -والكلام لمديرة التعاون الاستهلاكي- لأن مدير التعاون الاستهلاكي السابق قال لي إن تصديق العقد يبرر غلط مجلس الإدارة وليس من مهام الوزارة تبرير أخطاء الآخرين. بعد كل ذلك وبعد المباشرة بإجراء تنفيذ القرار القضائي أصبح المستثمر يبحث عن التسوية مع الجمعية لكن كما يريد هو حيث لا يدفع المصاريف البالغة 33 مليون ليرة وقال إنه يوافق على دفع مبلغ 4 ملايين ليرة من أصل 75 مليوناً لأنه لا يعترف على المصاريف. وعن دورها في كل هذه القضايا أكدت مديرة التعاون الاستهلاكي ربا عمران أنها لم تكن موجودة في كل هذه المراحل لأنها جاءت من رئاسة مجلس الوزراء في 25/4/2016 ووجدت كل هذه المشاكل أمامها وهي لا تخفي تعاطفها مع المستثمر في بداية العمل لأنها لم تكن تعرف الحقيقة ولم يضعها مجلس إدارة الجمعية في الصورة الحقيقية للمشكلة ولذلك دعت مجلس الإدارة للحضور إلى الوزارة عندما تقدم المتعهد بطلب التسوية إلى وزير التجارة الداخلية، وبحضور الوزير ومجلس الإدارة والمتعهد أقر مجلس الإدارة بالموافقة على التسوية. بعد الخروج من الاجتماع أصبح المجلس يتملص من التوقيع مع المتعهد على التسوية. وقامت مديرية التعاون الاستهلاكي بالتواصل مع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش للسؤال عن الإجراء الذي يجب أن تتخذه فتم تحذيرها كما تقول من التوقيع على التسوية لأن هناك قراراً قضائياً مكتسباً الدرجة القطعية وهو واجب التنفيذ.
لماذا التنازل
ولا ترى عمران نيات حسنة لمن يمشي في عملية التسوية لأنه من غير المعقول أن يتم التنازل عن 50 مليون ليرة من دون سبب..!!!
وأكدت أن توجيهات رئيس الحكومة ووزير التجارة الداخلية بشكل دائم تقضي بتنفيذ الأحكام القضائية وقرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية بكل دقة للحفاظ على الأموال العامة.
وتتابع مديرة التعاون الاستهلاكي قائلة: بعد أن توصلنا إلى قناعة أن إجراء التسوية مخالف وغير قانوني تم تشكيل مجلس إدارة جديد ليقوم بإجراء الانتخابات لاختيار مجلس إدارة منتخب غاب عن الجمعية أكثر من 8 سنوات من دون مبرر وأعطيت مهلة لهذا المجلس 3 أشهر غير قابلة للتجديد. وتمت دعوة الجمعية العمومية للانتخابات وكان يفترض أن تتم إجراءات الدعوة بالشكل القانوني من قبل مجلس الإدارة والمشرف التعاوني.
لكن الذي حصل أن المستثمر وبما يمتلك من سطوة في الجمعية وبغية أن يأتي بمجلس إدارة يمشي معه في موضوع التسوية حاول العمل على المجيء بأشخاص إلى المؤتمرات تنفذ طلبه بمجلس إدارة يعمل كيف يشأ. ولم نتدخل في كل الانتخابات وجرت الأمور كما هي وقبل موعد الانتخابات وصلت إلى الوزارة عدة كتب رسمية منها كتاب معاون وزير العدل رقم 268/2016 تاريخ 31 /10/2016 المتضمن أنه لم يتم إعلام المساهمين في دعوة الانتخاب التي كانت مقررة في 1-2/11/2016 وكذلك وصل كتاب من مدير تموين دمشق رقم 8366/590/10 تاريخ 12/10/2016 يؤكد فيه أنه من خلال متابعة المديرية لإجراءات توزيع الدعوة وضبط تعلقها تبين عدم القيام بذلك بشكل قانوني في كثير من فروع الجمعية. وكذلك وردت شكوى من عناصر وزارة التموين إلى الوزير بعدم التبليغ في الدعوة. البعض قال إننا نريد إلغاء الانتخابات والحقيقة أننا لا نريد إلغاء الانتخابات لكن نريد انتخابات نزيهة يتمثل فيها جميع المساهمين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: من المستفيد من عدم دعوة جميع المساهمين بشكل قانوني وأصولي لإتاحة الفرصة للجميع في ممارسة حقهم في اختيار ممثليهم إلى مجلس الإدارة..؟ وأين كان هؤلاء الذين يدعون أنهم حريصون على أموال المساهمين عندما كانت أموال الجمعية تسرق هنا وهناك…؟؟ ولماذا لم يعترضوا على مجالس إدارة مؤقتة منذ 8 سنوات رغم مخالفة ذلك للقانون…؟ وأكدت عمران أن المديرية على مسافة من الجميع ولا يعنيها وصول أي شخص إلى مجلس الإدارة ولكن بشرط أن يصل من خلال اختيار المساهمين الحقيقي. وأضافت إن إجراءات المحاسبة للجميع بدأت منذ فترة ولن تتوقف ولن يسمح بحرمان الجمعية من أموالها مهما هدد البعض. وملف المحاسبة سيطول كل المرتكبين مهما كانت مواقعهم.

كلمة أخيرة
جدير بالذكر أن هذا الملف محسوم من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالتقرير التفتيشي رقم 1/127/ر.هـ / 2015 تاريخ 8/6/2016 فكيف تطرح تسوية أمام هذا الوضع..؟ من خلال استعراض هذا الملف يمكن أن نصل إلى نتيجة: هناك تجرؤ فج على أموال قطاع التعاون الاستهلاكي، وهناك عدم الحس بالمسؤولية في جانبين الأول من خلال اعتماد تعيين مجالس مؤقتة لفترة طويلة وهذا يؤكد وجود الفساد. والثاني أن هؤلاء الذين يتم اختيارهم لمجالس الإدارة المؤقتة يكادون يكونون أميين. وهذا مقصود حتى تسهل قيادتهم من الفريق الفاسد، علماً أن هناك أعضاء مساهمين في تلك الجمعية على درجة عالية من الثقافة والمسؤولية. أسئلة كثيرة نضعها برسم الجهات المعنية على مختلف مستوياتها. كيف ينفذ عقد استثمار غير مصدق؟؟ ولماذا هذا الاستهتار بمنح الصالات لمستثمرين اعتبروها دكاكين لهم؟ وأين الإجراءات التي اتبعتها وزارة التموين خلال سنوات طويلة؟ لماذا تنتظر حتى أشهر قليلة ماضية حتى تبدأ في السعي لإصلاح ما تم تخريبه منذ سنوات؟ هذه الأسئلة وغيرها برسم الجهات المعنية وللموضوع بقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن