ثقافة وفن

التحديّات الراهنة وأهمية المعرفة في الانتصار … «الثقافة والمواجهة» أسئلة وطروحات لـ«د. علي عقلة عرسان» في العروبة والشباب والمستقبل

| عامر فؤاد عامر

كتب «علي عقلة عرسان» في مقدمته لكتابه «الثقافة والمواجهة»: «في المواضيع التي أدرجها هذا الكتاب: مقاربات لقضايا، وتفاعلات مع واقع في وقائعه، واستجابة لتحديات مطروحة علينا، وتستدعي منا مواجهة ثقافيّة جادّة، لأنها تحديات تتصل بهويتنا، ووجودنا، وقيمنا، وحرياتنا، وحقوقنا، وبقدرتنا على النهوض وامتلاك مقومات المعاصرة. كما تتصل بكيفية تواصلنا مع الآخرين، والقيام بعمليّة المثاقفة بنضج وأهليّة وثقة واقتدار. والتصدي للكثير مما تجب مواجهته في مجالات الحياة كافة. إذ أضع هذه المقاربات الثقافيّة، إضافة إلى أخرى تتصل بالعروبة والمستقبل، والعمل القومي، ودور الشباب، ومستقبل الأمة».

الثقافة والمواجهة
تقع تحديات راهنة على الوطن والأمة حددها الكاتب بـ:
أولاً: انتقال الأمم من عصر الحضارة الصناعيّة إلى عصر الفضاء والمعلوماتيّة جعل العقل ينتقل من ساحة عمل قديمة إلى ساحة عمل جديدة بمواصفات مختلفة.
ثانياً: هناك تحد سياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي يطرحه الغرب الاستعماري على الأمة والوطن والثقافة والمثقفين. تتجلى بـ: «تفتت الأمة أو تفتيتها»، و«فرض الهيمنة الصهيونيّة على المنطقة العربيّة».

الثقافة والمقاومة
يرى الكاتب أنه من أول واجبات المثقفين:
1- الدفاع عن شرعية المقاومة ومشروعيتها.
2- استلهام تضحيات المقاومين وبطولاتهم ومعاناة أسرهم في الإبداع الأدبي والفني لتكون قدوة في حياتنا.
3- على المثقف وسادن الثقافة المسؤول تاريخياً عن دورها ومكانتها ألا يهزم من الداخل فيلحق الهزيمة بالآخرين.
4- على المثقف أن يقدم على أرضية العلم والإيمان والعمل بهما خطاباً بنّاءً يصب في مجرى الحق والتحرير والحرية والعدل.
5- على المثقف أن يشكّل ثقلاً في الحضور الجماهيري والاقتناع الشعبي والحشد الشعبي وراء المقاومة وفعل التحرير.
6- أن يخلق مناخ المقاومة «نفسيّاً واجتماعياً» وأن ينميه ويدافع عنه، ويعمل على توفير الرفد له.
7- تأكيد المثقفين على التضامن والتكامل الاجتماعي مع المقاتلين وأسرهم والمقاومة والشهداء.
8- تعزيز موقف المقاوم واختياره بكل ما في الكلمة من طاقة على الأداء بإقناع وإمتاع وإبداع.

ثقافة التغيير
يستدعي التغيير التوجه إلى الحوار، والحوار له شروطه حتى نصل إلى أهدافه، ويشير مؤلف الكتاب إلى بعض منها كإعلاء شأن المنطق والبحث عن الحقيقة بموضوعيّة، ومنهج علمي سليم، وعقلانية رشيدة، وحسّ نقدي بنّاء، وعدم الانطلاق من أحكام ومواقف مسبقة ثابتة وغير قابلة للتغيير أو التطوير، وعدم ادعاء العصمة وامتلاك الحقيقة، وعدم التوهم بأن هناك مرتبة أعلى لبشر فوق بشر، والابتعاد عن النزعات العنصرية والتعالي الذي يفسد الحوار ويجافي الثقافي.

التحصين الثقافي
يرى «توينبي»: «إن التحديات والأخطار التي تواجهها الأمم تصبح دافعاً رئيسياً لها لاستنهاض إرثها ومخزونها الحضاري. وعلى هذا الأساس فإن استمراريّة حيويّة أي حضارة وقوتها مرتبطة بالشعور بالتحدي، وبنوعيّة الاستجابة والتحفز المطلوبين لمواجهته».

الكاتب والسلطة والإعلام
تنسج العلاقة بين الأدب والسياسة نقاطاً من التوافق والاختلاف، فالكاتب يهتم بالشعب وقضاياه والقيمة والمصير والعلاقات والسنن والتشريعات على اعتبارها مشروعاً متجدداً لممارسة الحريّة… إلخ، وليس بالضرورة أن يتعايش مع عمق المشكلات فهو معني بخلاصات ونتائج ما ينعكس على الإنسان وعلى الحياة. وهو معني بالسياسة بوصفه فرداً في جماعة، وطليعة واعية مسؤولة في أمة، وإنساناً حراً في مجتمع حر. يمكن له أن يلعب دوره في تطوير العمل في السلطة وممارستها… إلخ. أمّا السياسي فهو معني بالفكر والأدب والأدباء، لأن الثقافة هي أفضل وأرقى جهد بشري، وتعنيه الحياة وسعادة البشر وتطور المجتمع وأمنه وظروف العمل والمستقبل، ومصير الفرد والبلاد، وأمور التعليم والتربية، وتنمية الوعي والثقافة، وتخطيط شامل للتنمية.

الإعلام والكاتب
تستطيع المنابر الإعلامية تحقيق اللقاء بين الكاتب والقرّاء، ولهذا التواصل إيجابيات وسلبيات، تدعو البعض لاستغلالها، فتقصي قسماً منهم وتقرب آخر تبعاً للتيارات الفكرية، وهذه النقاط وغيرها هي ما شرحها مؤلف «الثقافة والمواجهة»، إضافة إلى نقاط أخرى كتحكم السلطة بالإعلام وتوجيهه ضمن مفاهيمها.

في التراث والأصوليّة والسلفيّة
يطرح الكتاب مجموعة من الأسئلة التي تحتاج البحث والإجابة في هذا القسم، حول الأصوليّة والسلفيّة، وحول تأثيرها في المجتمع والتطور والعصرية، فهل تراثنا مجرد أوراق صفراء حكمتنا وتحكّمت بنا وألقتنا خارج العصر فكانت لنا قيداً وقوقعة ومنفى أكثر منها جذراً حيّاً وساقاً وأغصاناً تحمل أوراق كل ربيع؟

العلمانيّة والعلم
«تعني العلمانيّة: اللادينيّة وهي نبتٌ غربي انتشر في بلداننا مع سيطرة الاستعمار وانتشار التبشير الديني والاستشراق المرتبط بالاستعمار في عقوده الأولى، وبتأثير الغرب ثقافيّاً وسياسيّاً في الكثير من المفكرين والأدباء والمثقفين في عالمنا، وقد أدى المنهج العلماني الذي أسفر عنه الصراع بين الكنيسة من جهة ورجال السياسة والإقطاع من جهة أخرى، إلى فصل الدين عن الدولة، استناداً إلى القول «دعوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، وتحييد النظرة الدينية نسبياً في المعاملات المدنيّة».

الأدب والقيم
أوضح الكاتب في مفهومين شائعين عن الأدب والقيم، أولاً: الأدب هو صفات الإنسان الخُلُقيّة، المتصل بعلم الفضائل وكيفيّة التحلي بها، ومعرفة الرذائل وكيفيّة تجنبها، لتصلح بذلك النفس فتصلح بصلاحها الحياة بنظر الإنسان ومن ثم يُقبل المرء عليها إقبال الباني لها، المتمسك بها، المستمتع بأيامه فيها. ثانيّاً: الأدب هو أساس المعطى الثقافي في العلوم الإنسانية، وهو نوعٌ من معرفة، وضربٌ من ضروب الإبداع بفنّ الكلام، الذي يحلّق بجناحيه الشعر والنثر؛ مذ وُجِد الإنسان والوعي، وجدت لديه الرغبة والمعاناة، ووجد الشوق في جسده وروحه، والتّوق إلى التعبير عنده عن حاله ومعاناته وتجاربه في تأمله وحياته وتألق روحه وذاته.

الأدب والشعر مسؤوليّة
يوضح «عرسان» أن الأدب تعبير إنساني في قوالب كلاميّة، تراعي قيم الجمال وتنميها، ويشرح مفهوم الأدب وتعمقه في المجتمع كأنه حاملٌ له بصورة أو بأخرى، وعلاقة الأديب بأدبه، وارتباطه بالفنّ، ومحتواه الإنساني، والعلاقة مع الأخلاق، بصورة مباشرة، بعيداً عن النزوع العنصري والتسلّط، كما بسّط في هذا الجزء أيضاً مهمّة الكاتب في تقديم الأدب الجيد والجميل والممتع والمسؤول، لرفع قيمة الحياة والعمل، وتجديد أفق السعادة والحرية بالوعي المعرفي. أمّا الشعر فقد أفرد له كاتبنا قسمه الخاص واحتفى به من خلال شرحه لمفهومه بتعابير تناسب موضوعه، فكما يقول الشعر هو عواطف وانفعالات ومشاعر ومواقف يقدّمها الإبداع في صيغ فنيّة تحقق مقومات الفنّ الشعري وقيمه. وهو يختمر في القلب قبل أن يطفر على اللسان، والقلب يسمع ويبصر ويهتدي ويشع بالنور أو بالحبّ وقد يعميه الحقد ويعشش فيه الشرّ وتثمر فيه الكراهية. إنه دارة عامرة تدور فيها الدوائر من كلّ لون.

صورة المرأة في مرايا الإبداع من خلال بعض النصوص المسرحيّة
ورد في بداية هذا القسم: «في غمرة الحديث عن أدب نسائي، وضجيج تقيمه المرأة أو يقام باسمها، وجدتني أمام سؤال ذي فروع، أو أسئلة ذات جذر واحد وربما جذع واحد، أبدؤها بسؤال يدهشني قبل أن يدهش سواي: هل كانت القصة الأولى التي تُروى لنا عن هبوطنا أو طردنا من ملكوت السماء إلى ناسوت الأرض والشقاء، أعني قصّة الشجرة والتفاحة، آدم وحواء»، هي قصة آدم أم قصة حواء؟! أتراها بدأت منه أم منها، بسببه أم بسببها، ومن ثم لمن تنسب أولاً؟!». ثم يلقي الكاتب الضوء على صورة المرأة في عمل الرجل في مثال أعمال «سوفوكليس» وشعره ومسرحه، وفاوست، وسترندبرغ، وتنسي ويليامز، ولوركا، وغيرهم.

بين عزازيل وبوشكين
يستعرض الكاتب في هذا الجزء من الكتاب دراسة تشريحية لكتاب «عزازيل» لمؤلفه «يوسف زيدان»، كمثال عما يقرؤه العرب اليوم، ولماذا؟ وأسئلة كثيرة مرتبطة بهذا البحث، لكن الضوء الذي أحب تسليطه كان على هذا العنوان دون غيره، ومنه نقتطف: «لمن يتذرعون بأن المقدمة التي صدر بها الدكتور زيدان «الرواية» هي جزء من البنية الروائية التي استحوذت على إعجاب بوصفها مدخلاً روائيّاً جديداً، أقول إنه لا يستقيم، ولم أقتنع بأن المقدمة مجرد مدخل للرواية مثير بالطريقة الفنية التي عرض بها المؤلف نصه، بل هي كما أرى جزءاً من البنية السردية التي أهلت النص للمكانة المتقدمة. فلو أن الأمر يذهب هذا المذهب لوجب أن يكون ذلك جزءاً من بنية السرد الروائي ولا يذيل بتوقيع المؤلف على أنه مقدمة سرد فيها وقائع وملابسات وصعوبات واجهته في أثناء ترجمته للنص عن اللغة السريانيّة، ومن رقوق جلدية تعب سبع سنوات في ترجمته وتدقيق مفرداتها ونصوصها». وفي قسمٍ آخر يلقي الضوء على «ألكسندر سيرغييفتش بوشكين» الشاعر الروسي الكبير، الذي خلّد شعبه، وخلّده شعبه.

العروبة والمستقبل

يذكرنا المؤلف بما أورده الجاحظ من تعريف للعروبة في ما ذكره من مواصفاتٍ للعرب: «إن العرب لما كانت واحدة في التربية، وفي اللغة والشمائل، والهمة، وفي الأنفة والحميّة، وفي الأخلاق والسجيّة، فسبكوا سبكاً وكان القالب واحداً، تشابهت الأجزاء وتناسبت الأخلاط… وصارت هذه الأسباب ولادة أخرى، وقامت هذه المعاني عندهم مقام الولادة والارحام الماسة».

في المشروع القومي العربي
يتبيّن في هذا الجزء شيء من التحديات التي تواجه المشروع القومي العربي ومنها قضية الانتقال بمجتمعنا الذي لم يدخل العصر الصناعي بعد إلى مجتمع دخل عصر الفضاء والذرة والحواسيب والمعلوماتية والعولمة. والتحدي السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي يطرحه الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني المتحالف معه على أمتنا ووطننا وثقافتنا. والتحدي في موضوع المساواة والحريّة والممارسة الديمقراطيّة للإنسان العربي. والتحدي الناجم عن مسيرة الإحباط في المدّ القومي والعمل القومي التي أوصلتنا إليه بعض الأنظمة العربية التي تحافظ على وجودها القطري على حساب الأمة.

الشباب القضية والمستقبل
يتساءل مؤلفنا هنا في طرحين الأول حول: هل ما زال الشباب العربي والأجيال الصاعدة اليوم يؤمن بعروبة فلسطين، وبأن عليه أن يرفض الاحتلال الصهيوني؟ وهل الشباب العربي المنهك بقضايا كثيرة تتمحور حول العمل ولقمة العيش والمسكن وغيرها من هموم الحياة اليوميّة، هل هو قادر على تحمل تبعات الحروب وتقديم تضحيات قاسية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن