قضايا وآراء

الكتاب الأحمر التركي

| عبد المنعم علي عيسى 

ظهرت في وسائط الإعلام التركية مؤخراً- خصوصاً منها المقربة من أردوغان- العديد من بوالين الاختبار كان من أبرزها ذاك الذي ذكرته صحيفة «يني شفق» وفيه تقول إن الرئيس التركي بصدد إدخال تعديلات على «الكتاب الأحمر» الذي يقال إنه يحوي أسرار الدولة التركية وفيه تتحدد خطوط الدفاع عن الأمن القومي التركي، وفي هذه النقطة الأخيرة- تضيف الصحيفة- إن التعديل الذي سيحصل سيتحدد فيه خطان الأول: يبدأ من الصومال وينتهي بقطر والثاني: يبدأ في أفغانستان وينتهي في الموصل. مع انتهاء الحرب الباردة 1989 ظهرت ثلاث رؤى لرسم الدور الإقليمي التركي انطلاقاً من تحسس موقع تركيا الجيو سياسي الأولى: نزعة طورانية قدمها الرئيس التركي تورغوت أوزال (1991- 1995) وهي تقول إن تركيا يجب أن تملأ الفراغ الحاصل في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وخصوصاً تلك التي تغلب فيها اللغة والإثنية التركية، الثانية نزعة إسلامية قدمها رئيس الوزراء نجم الدين أربكان (1996- 1997) وتقول إن المجال الحيوي لتركيا يقع في الشرق العربي والفارسي الإسلاميين وإن جميع محاولات التغريب سوف تكون مدمرة للتركيبة التركية، الثالثة نزعة عثمانية قدمها رجب طيب أردوغان (2007- 2013) وهي ترى إمكانية استعادة النفوذ التركي في العالم العثماني السابق. ما قبل انهيار السلطنة العثمانية 1918 حظيت هذه النزعة الأخيرة بقبول أميركي ما بين سقوط حسني مبارك 11/2/2011 وبين 11/9/2012 اليوم الذي شهد اغتيال السفير الأميركي في بنغازي، حينها اكتشفت واشنطن أمراً صادماً هو أن من تقوم بدعمهم بالمال والسلاح هم أنفسهم الذين قاموا باغتيال السفير الأمر الذي أدى إلى رفع يدها عن المشروع التركي، وهو ما ظهرت تراجمه في العديد من الأحداث في كل من القاهرة وتونس وليبيا وفي المعارضة السورية، فيما بعد حالة التخلي تلك أخذت الأحداث ترسم خطاً تباعدياً على طريق أنقرة- واشنطن فقد أوجد الموقف الأميركي من سقوط محمد مرسي 3/7/2013 شرخاً في العلاقة ما بين كليهما ثم اتسع ذلك الشرخ عبر تناقض الرؤى والمصالح بين الطرفين تجاه حدث مفصلي شهدته المنطقة في 10 حزيران 2014 عندما استولت داعش على مدينة الموصل العراقية، كانت هناك بالتزامن مع هذا الحدث الأخير العديد من التوجهات الأميركية المقلقة لأنقرة في المنطقة مثل اقتراب التوصل إلى اتفاق مع طهران فروائح اتفاق فيينا 14/7/2015 كانت تزكم الأنوف قبيل أشهر من حدوثه، أيضاً عملت واشنطن في سورية على تعويم الورقة الكردية بدءاً من خريف 2014 (معركة كوباني) وما تلاها وعندما حدث الانقلاب التركي الفاشل 15/7/2016تكشف القشر ليبان اللب كما يحصل للموزة فقد تذكرت واشنطن فقط في اليوم التالي للانقلاب بأنها تقف إلى جانب الدولة التركية ومؤسساتها، وما زاد الطين بلة هو أن أردوغان كان قد ذهب بعد ذلك الحدث بثلاثة أيام إلى القول إن الانقلاب قد تم تحضيره في بنسلفانيا أي المدينة الأميركية التي يقيم فيها الداعية فتح الله غولن الذي اتهمه أردوغان بالوقوف وراء الانقلاب.
فشلت النظريات الثلاث جميعها فقد اضطر أردوغان إلى تكويعة كانت لافتة عندما زادت الضغوط الغربية عليه، ولربما كان ذلك بالاستعانة بالتاريخ التركي، حين اضطرت الضغوط الغربية كمال أتاتورك ما بعد العام 1920 (واتفاقية سيفر) إلى التقارب مع جاره الروسي فلاديمير لينين وقد استطاع عبر ذلك التقارب تحقيق العديد من الانتصارات العسكرية على البريطانيين والفرنسيين ما اضطرهم إلى تقديم تنازلات كرستها اتفاقية لوزان 1923 ولربما تفسر هذه الحادثة اندفاعة أردوغان باتجاه جاره الروسي الذي تقدم إليه باعتذارات متتالية، وفيما بعد تطور التقارب إلى تفاهم حول العديد من القضايا العالقة في المنطقة وهو ما قيل إنه قد حدث أثناء زيارة الرئيس الروسي الأخيرة لأنقرة 10/10/2016.
الآن السؤال المهم هو: هل يقرأ التقارب الروسي التركي على أنه خيار نهائي لأنقرة مع ما يعنيه هذا الأمر من تقارب مطلوب في النظرة إلى الأمن القومي لكلا الطرفين مع ما يستدعيه من ضرورة إعادة النظر في انتماء تركيا الأطلسي؟ وفي هذا قد يكون بالون يني شفق حول تعديل الكتاب الأحمر عملية جس نبض لمن يعنيهم الأمر؟ أم إن ذلك التقارب لا يعدو أن يكون حالة تحصين لمواقع إقليمية تركية في مواجهة واشنطن لإغرائها أو إجبارها على الخروج من حالة التجاهل التي تشكو أنقرة من استفحالها تجاهها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن