من دفتر الوطن

أربع دموع

| حسن م. يوسف 

عشت خلال الأسبوع الماضي أربع لحظات سورية، شرقت خلالها بالدمع حتى كاد يشرق بي على حد قول شاعرنا الأكبر المتنبي.
الدمعة الأولى ذرفتها فخراً عقب مشاهدتي الفيلم الملحمي «رد القضاء» للمبدع الجميل نجدة إسماعيل أنزور، الذي لا يكف عن إدهاشنا بفنه الممتع والمقنع، فقد تمكن بفيلم واحد طوله أقل من ساعتين أن يجسد ملحمة صمود سجن حلب المركزي التي دامت ثمانية عشر شهراً، كما استطاع من خلال رصد بضع عشرات من الشخصيات أن يضعنا في زخم المأثرة التي اجترحها خمسة آلاف شخص من الجنود ورجال الشرطة والسجناء. ولن أنسى ما حييت لحظة النشيج الخافت التي خيمت على الصالة الرئيسية في دار الأوبرا عندما صعد إلى الخشبة على كرسي متحرك البطل حاتم عرب الذي فقد كل أفراد عائلته، في الواقع، وأدى دوره باقتدار الفنان المتألق مجد فضة. كما لن أنسى رقصة الضابط جعفر الذي أدى دوره بتمكن الفنان الصاعد لجين إسماعيل، ولا شخصية الدكتور جمال التي أداها ببراعة ورهافة الفنان عامر علي، ولا شخصية الضابط الفاسد التي جسدها بإدهاش الفنان ليث المفتي. يمتاز أنزور عن سواه بتجسيده العميق والخلاق لمقولة ليف تولستوي: «إن المهمة الحقيقية للفن في زمننا هي نقل الحقائق من مجال العقل إلى مجال الأحاسيس». وأنا أستطيع القول بعد ربع قرن من معرفتي بالمخرج نجدة إسماعيل أنزور، أن كل يوم جديد من حياته هو بمنزلة حياة أخرى، فهو أحد المبدعين السوريين القلائل الذين لا يتساوى يومهم بأمسهم ولا يكفون عن اكتساب المعارف وصنع الجمال.
الدمعة الثانية طفرت من عيني امتناناً عندما قرأت ما نشره الفنان الصديق يوسف مقبل على صفحته، فأثناء مشاركته مع فرقة جلنار في تونس التقى عائلة تونسية عاشت سبع سنوات في دمشق وأنجبت أول أولادها فيها، والحق أن الدموع طفرت من عيني عندما قرأت ما جرى مع الفنان مقبل في آخر يوم له مع تلك العائلة التونسية الكريمة:
«خلعت سيدة البيت (راضية) أسوارتها وناولني حمادي ظرفاً فيه مبلغ من المال… وقالا عندما تعود إلى دمشق نرجو أن تبيع الإسوارة وتقدمها مع هذا المبلغ البسيط لأسر شهداء وجرحى الجيش العربي السوري… هذا جزء من رد الجميل لسورية وأهلها الشرفاء»
الدمعة الثالثة قَفَزَت فرحاً، عندما علمت من خلال صفحة الصديق الدكتور جعفر محسن الخير المدير التنفيذي السوري للمسابقة البرمجية للكليات الجامعية أن تسع جامعات سورية قد شاركت في النهائي العربي العشرين للمسابقة بتسعة عشر فريقاً، وأن خمسة من هذه الفرق قد فازت بميداليات في المسابقة العربية، وأن ثلاثة فرق سورية قد تأهلت للمشاركة في النهائي العالمي الحادي والأربعين الذي سيقام في شهر أيار 2017 في مدينة رابيد سيتي في أميركا بمشاركة 128 فريقاً من نخبة جامعات العالم.
الدمعة الرابعة ذرفتها إيماناً بالشباب وامتنانا لهم، عقب مشاهدتي العرض المسرحي «كرة الجنون» الذي قدمته فرقة مشروع حلم التي يديرها المخرج ماهر منير أمين، في المركز الثقافي العربي في بانياس، لقد كان العرض فقيراً بجل المستلزمات المسرحية لكنه كان غنياً بالحب والانتماء وعزيمة الروح.
الطريف في الأمر هو أن هذه الفرقة كرمتني بعد عرضها الشجاع ذاك، على الرغم من أن أعضاءها هم الأجدر بالتكريم. وقد سرني اعترافهم بي، فكتبت على صفحتي: ما يبقى من أعمارنا في الشباب هو الأرقى والأنقى والأبقى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن