سورية

أنقرة وواشنطن تتبادلان لعب ورقة الرقة والتوتر بينهما إلى تصاعد

| أنس وهيب الكردي – وكالات

مع اقتراب رحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما من البيت الأبيض، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس عن انتقاداته لسياسات أوباما تجاه الأزمة السورية. جاء ذلك، على حين تصاعدت حدة الخلاف بين أنقرة وواشنطن بشأن مصير مدن الباب ومنبج والرقة. وبعد رفض واشنطن توفير التغطية السياسية والعسكرية لحملة المليشيات المدعومة تركيا على مدينة الباب بريف حلب الشمالي، اتجهت أنقرة على ما يبدو، إلى تعليق نشاط طائراتها داخل الأجواء السورية، وكذلك طائرات التحالف الدولي الذي تقوده أميركا انطلاقاً من قواعدها العسكرية.
وبينما تبادلت أنقرة وواشنطن لعب ورقة الرقة في وجه بعضهما البعض، كشف الجيش التركي عن توغل دباباته إلى مسافة 30 كيلومتراً في عمق الأراضي السورية، على مقربة من مدينة الباب، في سياق انتهاكات النظام التركي للسيادة السورية.
وأعرب أردوغان عن أمله في تحسن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، بعد تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في واشنطن. وبث الرئيس التركي شكاواه من أوباما الذي يستعد لمغادرة البيت الأبيض، لافتاً إلى أنه نقل الملفات المتعلقة بتلك الأزمة إلى البيت الأبيض ونائب الرئيس جوزيف بايدن، «لكنهما فشلا بشكل جاد في تناول هذه الملفات وهذا ما أزعجنا». وأضاف «كنت سأكذب لو قلت: إنني لا أشعر بخيبة أمل، لأنني أشعر بها».
وخلال حوار تلفزيوني خاص مع إحدى القنوات الإخبارية الأميركية، اعتبر أردوغان أن سياسات أوباما «لعبت دوراً في ظهور تهديدات أمنية على الحدود الجنوبية لتركيا وإصابة قدراتها الدفاعية»، إضافة إلى لجوء نحو 3 ملايين سوري إلى تركيا.
وبرز آخر تصادم بين الأتراك والأميركيين خلال عهد أوباما بالخلاف الكبير بينهما بشأن السيطرة على مدينة الباب. وتصر أنقرة على امتداد عمليتها «درع الفرات» إلى المدينة، على حين رفض التحالف الدولي، تغطية حملة مليشيات «الجيش الحر» المدعومة تركياً على الباب. وكشف أحد الناطقين باسم التحالف أن تركيا اتخذت قرار الحملة على المستوى الوطني، لا على صعيد التحالف.
وسارع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الاتصال بنظيره الأميركي جون كيري بعد التصريح الصادر عن التحالف، لاعباً ورقة الرقة. وجدد رفض الحكومة التركية القاطع لمشاركة عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية التابعة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» في عملية تحرير الرقة، حسبما نقل موقع «ترك برس» عن مصادر دبلوماسية تركية.
وأبلغ جاويش أوغلو كيري أن أنقرة جادة في مسألة عدم المشاركة بالحملة العسكرية المرتقبة في مدينة الرقة في حال كانت عناصر «الوحدات» من بين القوات التي ستدخل المدينة.
دبلوماسياً، انعكس التوتر التركي الأميركي مزيداً من التقارب بين أنقرة وموسكو. وأفاد السفير الروسي أندريه كارلوف، بأن بلاده تتفق مع تركيا على مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وترغب في التنسيق مع أنقرة لتحقيق هذا الهدف، مشدداً على أن التنسيق المشترك بين البلدين سيؤثر إيجاباً في الأزمة السورية والأمن والاستقرار العالميين.
وقال كارلوف في تصريحات صحيفة: «يتهموننا بالدفاع عن نظام (الرئيس) بشار الأسد، علماً أننا منذ بداية الأزمة كنا ندعو لحلها بالطرق السلمية، ففي حال تعرضت هيكلية الدولة للدمار فإن سورية ستكون مثل ليبيا التي غابت عنها سلطة الدولة».
وتطرق إلى الزيارة التي سيجريها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى العاصمة الروسية مطلع الشهر المقبل، مشيراً إلى أن محور محادثاته مع المسؤولين الروس سيكون حول تطوير العلاقات بين البلدين وإعادتها إلى مستويات ما قبل حادثة إسقاط المقاتلة الروسية. لكن الدبلوماسي الروسي ألمح إلى أن العلاقات الروسية التركية قد تستغرق وقتاً كي تعود إلى سابق عهدها.
ومن المقرر أن تبحث اللجنة الوزارية الروسية التركية المشتركة، تزويد تركيا بمنظومات دفاع جوي صاروخية روسية. وكشف رئيس هيئة التعاون العسكري الفني بين روسيا وبلدان العالم ألكسندر فومين، أن الاجتماع المُنتظر، سيتناول مناقشة موضوع توريد منظومات دفاع جوي روسية من طراز «إس-400».
وقبل يومين، أعلن وزير الدفاع التركي فكري إيشيق أن بلاده ترغب في امتلاك منظومة دفاع جوي تتلاءم مع المنظومات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، لكنه أكد أن تركيا لن تدير ظهرها للعرض الروسي في هذا الصدد. ووصف الموقف الروسي حيال تزويد تركيا بـ«إس 400» بـ«الإيجابي».
كما انتقل التوتر بين أنقرة وواشنطن إلى الميدان في الشمال السوري، حيث واصل الجيش التركي قصف مواقع لـ«حماية الشعب» في شمال حلب، معلناً أن القصف أدى إلى مقتل 8 عناصر منها. وذكرت هيئة أركان الجيش التركي في بيان لها أمس، أن القوات التركية دمرت 88 هدفا لتنظيم داعش و6 أهداف لـ«حماية الشعب»، تضم ملاجئ ومواقع دفاعية ومقرات قيادية، إضافة إلى عربات وأسلحة.
وأقر البيان، بأن طيران سلاح الجو التركي لم يجر طلعات جوية في شمال سورية، لكنه أوضح أن الطائرات الحربية التركية بقيت على أهبة الاستعداد تحسباً لأي تطور آني قد يطرأ. وكشف أن طائرات التحالف أيضاً لم تقم بطلعات جوية. ويشير هذا البيان بشكل مبطن، على ما يبدو، إلى أن تركيا تمنع تحليق طائرات التحالف في شمال حلب، ما لم توافق واشنطن على تغطية عمليتها في الباب.
وذكر البيان، أن إحدى ميليشيات «الجيش الحر» وبتغطية نارية من القوات التركية في منطقة «قره داغ» بحلب سيطرت على منطقتين مأهولتين بالسكان، من دون أن يذكر أسماء المناطق. كما أشار إلى أن عناصر داعش في منطقة الكفير غربي مدينة الباب هاجموا بصاروخين موجهين دبابتين تركيتين، ما أدى إلى إصابتهما بشكل خفيف. وذكر البيان أن الهجوم لم يسفر عن إصابات في صفوف الجنود الأتراك.
ولا تزال مليشيات «درع الفرات»، تحاول التقدم نحو الباب، في حين لا تزال «قوات سورية الديمقراطية» المنتشرة في منبج تسعى إلى تعزيز مواقعها في شرق مدينة الباب، حيث طوقت بلدة عريمة واقتربت من بلدة قباسين، حيث تدور معارك كر وفر بين داعش ومليشيات درع الفرات. ونقلت تقارير إعلامية عن مستشار الرئاسة المشتركة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» سيهانوك ديبو، نية «قوات سورية الديمقراطية» التوجه نحو الباب. وتشكل «حماية الشعب» عماد «قوات الديمقراطية». واتهم ديبو المليشيات المنضوية تحت لواء «درع الفرات» بـ«تنفيذ أجندة تركية في شمال حلب»، معتبراً هذه المليشيات «خصماً» بسبب ذلك، كما يتهم تركيا بالتصعيد، من خلال إعلان نيتها الاتجاه نحو مدينة منبج.
وعلى الرغم من نفي المليشيات المحسوبة على تركيا لانسحاب «الديمقراطية» من منبج، إلا أن مصادر في «حماية الشعب» أكدت خروج 10 آلاف عنصر من المدينة على دفعات. وحسب تقارير إخبارية فقد انسحب نحو 9 آلاف مقاتل ومقاتلة من «الديمقراطية» بإطار الدفعة الأولى، وانسحبت البقية يوم الخميس الماضي بمراسم رسمية.
وبدوره، بث أحد مقاتلي «المجلس العسكري لمنبج وريفها» فيديوهات تُظهر عملية تسليم رسمية لمدينة منبج من قبل مليشيات «الديمقراطية» لقياديي «مجلس منبج العسكري»، وقال: إن العملية تمت بحضور ممثلين عن التحالف الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن