قضايا وآراء

إسرائيل وتزايد المخاوف من نظام متعدد الأقطاب

| تحسين الحلبي 

ما تزال القيادة الإسرائيلية تدرس وتتابع الأخطار التي ولدها تصويت المندوبين في منظمة (الأونيسكو) بأغلبية على أن المسجد الأقصى وموقعه مكان مقدس للمسلمين وليس لليهود أي صلة في ذلك المكان.. ويبدو أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدرور يتولى الآن دراسة هذا القرار المتعلق بالقدس وأماكنها المقدسة من مختلف الجوانب السياسية بشكل خاص، فهو يرى في تحليل نشره في مركز (بيغين- السادات للدراسات الإستراتيجية) أن تصويت روسيا والصين لمصلحة هذا القرار في منظمة الأونيسكو أغضب الحكومة الإسرائيلية وهذا يعني أن هاتين القوتين الكبيرتين ستشكلان قوة مستمرة في دعم وجهة النظر الفلسطينية والعربية تجاه إسرائيل والصراع الدائر معها منذ عام (1948).
ويحذر من أن هذا الموقف الروسي- الصيني يعرقل السعي الإسرائيلي للتحالف مع موسكو وبكين وتحييد موقفهما المؤيد للموقف الفلسطيني والعربي بشكل عام، فهو يرى أن الصين تدير سياسة ديناميكية وستتحول إلى قوة عظمى من ناحية اقتصادية وسياسية تدعمها القوة العسكرية التكنولوجية المتطورة الروسية وستحتل الدولتان موقعاً متقدماً في صنع القرار الدولي أمام الولايات المتحدة… ويكشف (عميدرور) أنه أجرى حواراً مع عدد من الشخصيات السياسية الصينية وأبلغها بقلق إسرائيل من هذا الموقف الصيني فقالوا له إنهم بحاجة إلى أصوات (57) دولة مسلمة في الأمم المتحدة وأن لديهم مواطنين مسلمين من الصينيين. ويبدو أن التطورات الدولية على ساحة القوى الكبرى وبداية التحولات في موازين القوى بينها لن تكون من مصلحة إسرائيل رغم أنها تحاول منذ الآن فتح أبواب تحالف مع الصين وروسيا وتطويرها للمحافظة على إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة. يقول عميدرور: «إن إسرائيل ستظل صغيرة الحجم وستحتاج دوماً إلى دول كبرى في الساحة الدولية وهي لا ترى حتى الآن إلا الولايات المتحدة راعية وشقيقة لها (رغم وجود بريطانيا وفرنسا إلى جانبها من دون تردد) لكن المسرح العالمي قابل دوماً للتغير».
ومن الملاحظ أن القيادة الإسرائيلية تتزايد مخاوفها من أي تطورات إقليمية أو دولية تغير موازين القوى العالمية وتفتح الفرص أمام تغيير النظام الدولي الذي استندت إليه إسرائيل منذ نشوئها…
ففي زمن بلفور وسايكس بيكو كان النظام العالمي تحكمه قوى الاستعمار البريطاني والفرنسي. نشأت إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية التي فتحت بوابة نظام عالمي أميركي يقابله نظام سوفييتي، وفي هذه الأوقات يدرك المفكرون في إسرائيل أن أي تطورات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور عالم متعدد الأقطاب تتنافس أقطابه وتتناقض مصالح بعضها مع بعضها الآخر ستؤثر سلباً في مستقبل المشروع الصهيوني وأهدافه التوسعية ومصداقيته المطلوبة… وهنا يقول عميدرور: «إذا كانت إسرائيل واليهود لا توجد لهم صلة تاريخية أو دينية بالهيكل، (موقع المسجد الأقصى) ومدينة القدس، فإن الفلسطينيين سيصبح في مقدورهم تفنيد ادعاء إسرائيل بحقها في وطنها التاريخي وهذا ما يمكن أن يحول أي مفاوضات إلى عملية لتصفية الدولة اليهودية».
وفي النهاية يشير السجل التاريخي لنشوء هذا الكيان العنصري إلى أنه نشأ من رحم حربين عالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945) حتى وصل عام 1948 إلى الإعلان عن نفسه أي إنه مر على نظامين عالميين نشأا من حربين عالميتين.
وما نشهده في ظروفنا الآن هو مخاض لولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب وتتحكم بعناصره الكبرى تناقضات ومصالح متناقضة، وإسرائيل تريد تسخير نتائجه لمصلحة مشروعها التوسعي، فهل نعمل نحن على تسخيره لهزيمة مشروعها؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن