ثقافة وفن

لأنّ سورية حضارة باقية كعين الشمس الحارقة … «معركة سوريّة للدفاع عن ماضيها».. معرض أول للآثار تمّ افتتاحه في المركز الوطني للفنون البصرية

| سوسن صيداوي

الأثر هو الدليل، وهو اللاحق لما سلف من حياة كانت لشعوب عمّرت حضارات بثقافات متنوعة، تتالت وتتابعت مع مسير القرون والعقود والسنين والأيام لتبقى إلى هذا اليوم دليلاً على جمال وعلى فكر وعلى ثقافة وعلى كل ما هو شاهد قوي وحاسم، بضرورة البقاء والعيش والاستمرار دائما، نحو العمار والبناء والسعي للتطور، بكل ما هو قد وُصّف لمجالات الحياة، بعيداً تماماً عن كُفر الجهل وسوداويته، الرامية إلى التدمير العشوائي اللامنطقي، ها نحن اليوم ولم نزل نحارب الجهل والكفر بالعلم والثقافة والحضارة بكل ما فيها، ولأنّ سورية كانت حضارة ولا زالت، فهي اليوم تجمع أشلاء آثارها الثابتة كي تعزّز وجودها الباقي كعين الشمس الحارقة لكل من تجرأ على محاولة تدميرها، ولأنها ستبقى بكل دلائل حضارتها الراقية والباعثة إلى النور، في دمشق بحضوره الحماسي معرض بعنوان»معركة سورية للدفاع عن ماضيها».
الافتتاح

تحت عنوان «معركة سورية للدفاع عن ماضيها» تمّ افتتاح معرض للآثار السورية، كأول مرة، في المركز الوطني للفنون البصرية بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف والذي سيستمر حتى نهاية الشهر. احتوى المعرض 70 قطعة أثرية مؤلفة من مجموعة من القطع الصغيرة تمت استعادتها بفضل الجيش العربي السوري والجهات المختصة بعد أن قامت التنظيمات الإرهابية بسرقتها.
هذا إضافة إلى مجموعة من القطع الكبيرة كانت هُرّبت ولكن تمّ استردادها من لبنان وهي عبارة عن تيجان لأعمدة وبعض القطع الحجرية الأخرى كانت خضعت لعملية ترميم بسيطة في مديرية الآثار من أجل عرضها في المعرض الحدث، وعلى ذكر الترميم يتخلل المعرض ترميم للوحة فسيفساء من فريق من المختصين، أمام الحضور، تمّ إخراجها على عدة مراحل بالتعاون بين قوات الجيش العربي السوري والمجتمع الأهلي في قرية «برهليا» بريف دمشق، حيث عملت مديرية الآثار على نقلها بالتعاون مع الجهات المختصة في تاريخ 3 آب عام 2013، واللوحة الفسيفسائية هي بطول سبعة أمتار وبعرض 6 أمتار ويعود تاريخها إلى العصر الروماني المتأخر وبداية العصر البيزنطي، هذا ما أشار إليه مدير مركز الفنون البصرية الدكتور غياث الأخرس قائلاً: «المركز الوطني للفنون البصرية مجهز لاستضافة مختلف أنواع الفعاليات سواء أكانت معارض تشكيلية أم موسيقا أم مسرح، وعن معرض «معركة سوريّة للدفاع عن ماضيها» سيكون بداية لمشاريع سيتم الإعلان عنها لاحقاً، أما هذا المعرض فهو أكثر من متحف، وجاءت فكرته كي نجعل العالم كلّه يرى ما حصل للآثار وكيف تمّ استرجاعها بجهود الجيش العربي السوري، لهذا قمنا بالعمل بصمت تام وبهدوء كي نعطيه حقه من حيث التنظيم، وأن يتم تقديمه بعقل حضاري وبعقل متحفي، كي نُظهر في النتيجة أهمية قضية المعرض وهي الآثار السورية ويتم تسليط الضوء عليها بالشكل الصحيح، ومن هنا نحن نؤكد بأن المجموعة المعروضة هي من الآثار المسترجعة والتي من بينها اللوحة الفسيفسائية التي تمّ إخراجها بالتعاون بين الجيش العربي السوري والمجتمع الأهلي وخلال المعرض يتم ترميمها من قبل عدد من المختصين، وأمام الجمهور، للتعريف بالجهود المبذولة من مديرية الآثار والمتاحف وبالعمل الجبّار الذي هو بحد ذاته كردّ على كلّ الاتهامات التي تطولها بأنها مُقصِّرة في واجباتها، والذي لابد لي من الإشارة إليه، نحن سنترك للمشاهد أن يرى هول ما فعله التكفيريون بالمواقع الأثرية السورية، من خلال عرض مجموعة من الصور الضوئية تُظهر مواقع أثرية قديمة مثل: متحف دورا أروبوس في دير الزور، قلعة حلب وأسواقها، معلولا، قلعة الحصن، الأسواق القديمة في حمص، وكلّها كيف كانت قبل الأزمة وكيف حالها اليوم».

القطع المنهوبة 1%
يأتي هذا المعرض لتسليط الضوء على جهود مديرية الآثار والجهات المختصة وأبناء الشعب السوري الذين كلهم عملوا في خندق واحد وهو إنقاذ الإرث السوري العريق من السرقة والدمار ونقله إلى أماكن آمنة، هذا ما قاله مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور مأمون عبد الكريم مضيفاً: «لابدّ من شكر المركز الوطني للفنون البصرية على هذه المبادرة وعلى هذا التعاون المشترك لتقديم صورة حقيقية لما جرى لسورية خلال الخمس سنين الماضية، سواء أكانت في الحرب أم في سرقة الآثار أم تهريبها أم تخريبها حتى من حيث التنقيب السري عنها، فنحن اليوم نواجه معركة ثقافية لإنقاذ تراثنا الثقافي الغني والذي هو في الوقت نفسه مصدر فخر واعتزاز لكل السوريين، إذا فالحروب تنتهي والأزمات تنتهي، لكنّ ضياع التراث يكون أبدياً ويشكل خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، وبالتالي بجهود مشكورة وتوجيهات فنية علمية من إدارة المركز الوطني للفنون البصرية أقيم هذا المعرض، ويسعدنا وجود جهات ثقافية تسأل عنّا وتساعدنا في توجيه رسالتنا للعالم بأننا باقون هنا لندافع عن تراثنا الثقافي، كما أود الإشارة إلى أن اللوحات المعروضة هي نتيجة تعاون تمّ بين مديرية الآثار والمتاحف وبين الجهات المختصة، والعدد الذي تمّ استرجاعه 7000 قطعة أثرية، وجميع هذه المعروضات من شواهد قبور تدمرية وتيجان تعود إلى فترات رومانية وبيزنطية ولوحة فسيفساء، والأخيرة تمّ إنقاذها من وسط الحرب وايصالها إلى متحف دمشق الوطني، ولأول مرة يتم عرضها للجمهور خلال ترميمها كشكر لأهالي قرية «برهليا»، وكذلك هناك مصكوكات وقطع نقدية وحُليّ ومخطوطات لآيات من القرآن الكريم وغيرها الكثير، كلّها تمت استعادتها في ظروف صعبة ومعقدة جدا، إلا أنها اليوم آمنة في دمشق، ونحن سعداء لأن القطع المنهوبة لا تصل نسبتها إلى 1% وبأن العدد الذي تم نقله إلى دمشق يزيد على ثلاثمئة ألف قطعة، وبأننا استطعنا حماية هذا التراث وأنه سيبقى لأبنائنا في المستقبل».

الآغا خان الثقافية.. حاضرة
الإقبال والاهتمام بهذا المعرض كان كبيراً سواء من المهتمين أو المختصين الذين أبدوا فرحتهم مبادرة كهذه تبعث التفاؤل والأمل الكبيرين والحريصين على الإرث الحضاري السوري، وهذا ما عبّر عنه لويس موريال مدير عام مؤسسة الآغا خان الثقافية»أنا موجود في سورية بصفتي مدير عام مؤسسة الآغا خان للثقافة في العالم، وهذه المؤسسة تعمل في سورية منذ زمن طويل، وللأسف نشاطاتنا في سورية والمرتكزة في حلب لسنين ماضية تعرضت لكثير من التخريب بسبب ما حدث في خمس السنين الماضية، وما أريد الإشارة إليه أنني في الوقت الحالي موجود في سورية من أجل الحوار مع مديرية الآثار والمتاحف، لمعرفة ما يمكن فعله من خلال مشاريع ثقافية مشتركة، وخصوصاً المشاريع التي ترّكز على إعادة ترميم الآثار، وأنا سعيد جداً أن تتزامن زيارتي مع هذا المعرض، والذي هو بحد ذاته إشارة جيدة تبعث على الأمل والتفاؤل في مستقبل أفضل للبلد».

الترميم.. بخبرات وطنية
كما ذُكر أعلاه تخلل المعرض ترميم للوحة الفسيفساء بحضور الزوار، من مختصين تابعين لمديرية الآثار والمتاحف، محمد كايد وبرهان الزرّاع أوضحا أن أعمال ترميم لوحة الفسيفساء تتم بخبرات وطنية من المديرية، من خلال مواد خاصة وهي محلية في الوقت ذاته، معتمدين على عناصر منها الكلس السوري وصفائح لاصقة تتميز بقدرتها على المحافظة على أرضية الفسيفساء وغيرها، كما تمت الإشارة إلى أن الكوادر الوطنية هي من تقوم بترميم العديد من المواقع الأثرية، إضافة إلى السعي إلى تأهيل كوادر من جامعتي دمشق وحلب للعمل في المرحلة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن