سورية

داعش يستميت لعرقلة «غضب الفرات» عند تل السمن.. ومراوحة حول الباب … تكتيك تركي مزدوج ضد الأميركيين في شمال سورية … مصادر محسوبة على «بيدا»: خطوات تركيا «بداية حرب حقيقية»

| أنس وهيب الكردي – وكالات

تتبع تركيا تكتيكاً مزدوجاً للرد على إستراتيجية الإدارة الأميركية الديمقراطية الآفلة، في شمال سورية؛ فهي من جهة، تعمل على «خلق وقائع على الأرض» في الشمال السوري تفرضها على واشنطن، ومن جهة ثانية، تسعى إلى تحقيق مزيد من التقارب مع موسكو.
هذا التكتيك المزدوج يتكامل مع تعويل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، كما أنه يبدو جزءاً من رد أنقرة الأوسع على التدهور المتزايد في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو».
ومنذ معركة عين العرب أواخر العام (2014)، عدلت إدارة الرئيس باراك أوباما إستراتيجيتها في مواجهة تنظيم داعش في سورية، حيث باتت «وحدات حماية الشعب» الكردية هي القوات البرية للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، على أن تقدم تركيا «قواعدها» لطائرات التحالف المشاركة في العلميات ضد التنظيم. لاحقاً، تطورت الإستراتيجية الأميركية باتجاه تأسيس وجود عسكري في مناطق شرقي وشمالي سورية، حيث تنتشر «وحدات الحماية». وتم تجهيز مطارات وقواعد للطائرات والقوات الأميركية، في الرميلان، سد الفرات، الحسكة، عين العرب. وأولت أنقرة هذه الخطوة أهمية باعتبار أنها جزء من مسعى واشنطن للتخلص من الابتزاز التركي بشأن التعامل مع «الوحدات»، عبر لعب ورقة استخدام التحالف للقواعد الجوية التركية، وعلى رأسها «أنجرليك». وبعد عبور «الوحدات» إلى المناطق الواقعة غرب نهر الفرات في ريف حلب الشمالي (تحديداً مدينة منبج)، تبدد الدعم التركي للإستراتيجية الأميركية.
وأدى الدخول التركي إلى الشمال السوري إلى انهيار الهيمنة الأميركية عليه. جراء ذلك عدلت إدارة أوباما إستراتيجيتها في الشمال السوري. بعد عملية جرابلس، وانتقلت واشنطن إلى موازنة أنقرة و«الوحدات»، مع ميل واضح لمصلحة الأخيرة. وعمل المسؤولون الأميركيون على تجميد الصراع في ريف حلب الشمالي، كي تتمكن من استخدام عناصر «حماية الشعب» في عملية الرقة.
ولأن أنقرة تدرك أن الإستراتيجية الأميركية في الشمال السوري براغماتية وتخضع لمنطق القوي، فإنها تواصل ضرب عناصر «الوحدات» وزعزعتهم في الشمال السوري، من دون الخوف من أي ردود فعل أميركية قاسية. وعلى الأرجح أن تواصل تركيا الضغط على الوحدات وأن ترفع منه في حين تغرق واشنطن في مرحلة الانتقال ما بين إدارتين.
ومع استمرار العلاقات التركية الغربية في التدهور بشدة، حذر الرئيس التركي «الناتو» من منح حماية لعسكريين أتراك تتهمهم أنقرة بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. هذا التحذير جاء رداً على إعلان الأمين العام لـ«الناتو» ينس ستولتنبرغ عن طلب عدد من ضباط الجيش التركي يشغلون مناصب رفيعة في أجهزة الحلف، اللجوء، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ليلة 15 تموز الماضي.
كما لوح أردوغان في تصريحات نقلتها الصحافة التركية عنه أثناء عودته بالطائرة من زيارة خارجية، بإمكانية انضمام تركيا لمنظمة شنغهاي للتعاون عوضاً عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن بلاده ليست بحاجة للانضمام إلى التكتل الأوروبي «بأي ثمن».
ومن المرجح أن يثير انضمام تركيا للمنظمة قلق الحلفاء الغربيين وزملاء أنقرة في حلف شمال الأطلسي.
وأصبحت فرص تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى بعد 11 عاماً من المفاوضات. وينتقد الزعماء الأوروبيون سجل أنقرة في الحريات الديمقراطية في الوقت الذي يتزايد فيه غضب أنقرة مما تصفه بأنه تعالي الغرب عليها.
هذه التوترات بين تركيا والغرب أدت إلى انتعاش العلاقات التركية الروسية وتوثقها، بعد أن كانت وصلت إلى حافة الحرب أواخر العام (2015) الماضي.
ويزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العاصمة التركية مطلع الشهر المقبل، حسبما أعلن نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، والذي بين أن الزيارة تهدف إلى الإعداد لاجتماع مشترك بين مجلسي وزراء البلدين من المنتظر أن يلتئم مطلع العام (2017).
وسيصب ارتقاء ترامب رأس الهرم في واشنطن، في مصلحة تعزيز العلاقات التركية الروسية، لأن الرئيس الجمهوري يؤيد استعادة العلاقات بين أميركا وروسيا، وكذلك تحسين العلاقات الأميركية التركية، وبذلك لن تواجه أنقرة وموسكو أي صعوبات في تطوير علاقاتهما المشتركة. وصرّح أردوغان بأن لقاء محتملاً قد يجمعه إلى الرئيس الأميركي المنتخب الشهر المقبل.
ميدانياً، وفي إثبات جديد على توغل القوات التركية في عمق الأراضي السورية، أعلنت مصادر أمنية تركية عن مقتل جندي تركي وإصابة اثنين آخرين في هجوم بقنبلة شنه عناصر داعش قرب مدينة الباب. ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن المصادر، أن الجنود الثلاثة نقلوا أحياء بطائرة هليكوبتر أمس إلى مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا لكن أحدهم توفي متأثرا بإصاباته.
وأمس سادت مراوحة ميدانية حول مدينة الباب، تسبب بها توقف طائرات التحالف الدولي والطائرات التركية عن تقديم الدعم الجوي سواء لـ«الديمقراطية»، التي تحاول شق طريق إلى المدينة عبر عريمة وقباسين، أو لميليشيات «الجيش الحر» المنضوية تحت لواء عملية «درع الفرات» التركية.
وبرزت أمس أصوات محسوبة على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي «بيدا»، أكدت رفضها إنهاء «الإدارة الذاتية» في مدنية منبج كبرى مدن الريف الحلبي على الإطلاق، على الرغم من انسحاب «وحدات حماية الشعب» التابعة لـ«بيدا» من المدنية، كما أعربت عن تمسكها بالوصول إلى مدينة الباب ورفضها تكرار سيناريو جرابلس.
وفي حديث مع صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية، رفض عضو المؤتمر الوطني الكردي فرهاد باتييف اعتبار انسحاب «الوحدات» من منبج «تراجعاً»؛ لأن «الحديث لا يدور عن مغادرة المدينة»، مشيراً إلى أن «المبدأ الذي بنيت عليه الإدارة الذاتية في كردستان سورية.. (يتمثل في أن) إدارة أي منطقة هي من واجب المقيمين فيها». وأضاف: «حالياً يحضر المقاتلون الأكراد المؤسسات اللازمة للإدارة. وبعد الانتهاء من ذلك، فإن الأكراد الذين قدموا من المناطق الأخرى يمكنهم العودة إلى مناطق إقامتهم».
واعتبر باتييف أن «الوضع حول مدينة الباب يذكر بالوضع الذي كان في جرابلس»، عندما باتت القوات التركية والمليشيات المدعومة من قبلها وجهاً لوجه أمام قوات «الديمقراطية». ولفت إلى أن «المجتمع الدولي أصر آنذاك على ضرورة مغادرة الوحدات الكردية المنطقة والتوجه إلى الضفة الأخرى للفرات»، لكنه لفت إلى أن الوحدات هذه المرة «لا تنوي غض الطرف عما تفعله تركيا في سورية»، ملمحاً إلى أن تركيا كثفت عدوانها على الرغم من انسحاب الوحدات من محيط جرابلس. وقال: «بعد أحداث جرابلس، بدأت القوات التركية بتوجيه ضرباتها إلى مواقع الأكراد. كما أنها تهاجم أحياناً منطقة عفرين، حيث يسقط بنتيجة القصف الصاروخي ضحايا بين المدنيين والمقاتلين». واختتم حديثه بالقول: إن خطوات السلطات التركية «ليست سوى بداية حرب حقيقية».
وفي هذا السياق، أطلقت القوات التركية النار على منطقة المنبطح غرب مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي. وتسيطر عناصر «حماية الشعب» على المدنية منذ العام (2015). ورداً على تهديدات تركية أرسلت واشنطن عناصر من قواتها إلى تل أبيض ومنبج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن