ثقافة وفن

المفاضلة بين متعة الخلق الفني والأدبي مسألة صعبة … روان سكر لـ«الوطن»: كسب التحدي في نجاح تصوير البورتريه يُقاس بتفاعل الناس وبقوة الدهشة التي حققها

| سوسن صيداوي

بين الألوان والرسومات هناك الصمت، وبين الأبيض والأسود هناك الفحم الناطق والجميل رغم عتمة سواده، وبين الحرف والكلمة هناك البوح والصوت المعبّر عن الشعور والإحساس إضافة لما يجول في البال من أفكار، ولكنّ بين كل ما سبق هناك شخصاً واحداً جامعاً لها معبّراً عنها، إنها الدكتورة روان سكر، وهي من اختارت الأدب العربي دراسة تابعتها وكللتها بالحصول على درجة الدكتوراه، فكلّها مراتب طموح تصاعدت في درجاتها محقّقةً تنوّعاً في طموح لم يقف عائقاً أمام ما تشعر به أو تفكر فيه أو ما تحاول تقديمه بأسلوب جاد ومعطاء سواء بالكلمة أم بالرسم أو باللون.

السيرة.. ذاتية
نالت الفنانة التشكيلية روان سكر درجة الماجستير في الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها في الدراسات الأدبية، كما نالت درجة الدكتوراه في الشعر الأندلسي قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق، كما عملت مدّرسة لمادة اللغة العربية في ثانويات دمشق منذ عام 2001 ولا تزال تمارس هذا العمل حتى الآن. أنجزت العديد من الأبحاث في مجال الدراسات الأدبية وتحقيق التراث، كما نشرت مقالات وقصائد شعرية في مجلة الكلية الطلابية بين عامي 1998 و1999، وتعمل على إعداد أبحاث من وحي علاقة الأدب بالعمارة والفنون كالرسم والموسيقا، وأيضاً على تطوير مجموعة من الأعمال الأدبية وإعدادها للنشر، منها مجموعة شعرية ومجموعة قصصية للأطفال مشفوعة برسوماتها الخاصة. مارست الفنانة الرسم بالفحم والرصاص وألوان الباستيل، ورُشّحت لأعمال رسم القصص ورسم الشخصيات في مناهج عربية مدرسية.

رأي نُقّاد
هناك العديد من آراء النُقاد حول الفنانة التشكيلية السورية روان سكر والتي جاءت بالإجماع بأنها استطاعت أن تجد فسحة للتعبير عن وجدانها ومشاعرها وأفكارها سواء بالقلم أم بالألوان، وأنها قادرة على إنجاز أعمال بلغت فيها مستوى من الإجادة في توزيع الضوء والظل والتدرّج بين الأبيض والأسود بمهارة وحرفية راقية وصلت إليهما من ذاتها، وللألوان قصة في رسومها وخاصة أنها تقدمها ببراعة تصويرية وبشكل فوتوغرافي يدل على ليونة يدها ومرونتها في التعامل مع الفرشاة والألوان بطريقة يعجز عن إتقانها كثير من الفنانين الأكاديميين المعروفين، وتعتبر لوحات روان غاية في الجمال التصويري المعبّر عن حالات بشرية في صور نصفية في مجملها، ودراستها الفنية سواء للأبيض والأسود بأقلام الرصاص والفحم أم في لوحات الألوان تتميز بمستوى عال من التفوق والعناية وكأنها أستاذة في التشريح الفني.
صحيفة «الوطن» حاورت الفنانة التشكيلية روان سكر.

ما الذي يستهويك ويستحوذ على اهتمامك أكثر.. قلم الرسم أم قلم الأدب؟
لطالما استهوتني الفنون والآداب عموما، ففي النصوص الأدبية واللوحات الفنية طاقات فكرية وشعورية كانت تدعوني دائماً لتذوقها وسبرها، والانحياز في فترة ما إلى الكتابة أو الرسم كان يتبع متطلبات العمل المهني، لكن المفاضلة بالنسبة لي بين متعة الخلق الفني ومتعة الخلق الأدبي مسألة صعبة ولا يمكن قياسها بالدرجة وذلك لأسباب عديدة؛منها: اختلاف أدوات التشكيل والصياغة، وتباين المناخ النفسي الذي تتطلبه ممارسة التجربتين. يجذبني التصوير التشكيلي عموماً عندما أرغب في تجميد لحظة معينة في مكان ثابت، فإذا تزاحمت اللحظات الفكرية وتعاقبت فلابد من فاعلية الأدب.

أيهما أسهل بالنسبة لك.. التعبير الأدبي أم التعبير عبر الرسم والألوان؟
أعمال الذهن مسألة أساسية عندما يتعلق الأمر بالتعبير الأدبي، أما التعبير عبر الرسم والألوان فيحتاج إلى حالة صفاء ذهني وشعوري. عند الخيال يتقاطع كل منهما، والدقة والغوص في التفاصيل من متطلبات تجويدهما، كما أن توافر الوقت عامل مهم جداً لنجاح التجربتين واكتمالهما. أنا مع الرسم أتحلل من القيود الأكاديمية، لأنني في الأصل درست الأدب، لذا قد يبدو التعبير الفني أسهل وأوصل إلى التأثير.

ما الظروف والحالات والفصول والمشاعر التي تجعل من الدكتورة روان تارة أديبة وتارة أخرى رسامة؟
أنا أسعى عموماً نحو تحقيق المتعة الجمالية لي أو للمتلقي، والممارسة الأدبية والفنية على السواء وسيلتي للتصعيد النفسي، كما أنها طريقتي للتواصل مع الآخر، وهي مذهبي لتحقيق لقاء فكري وشعوري بيننا. في بيئتي الأدبية الضيقة وبين أقراني من الأكاديميين والمثقفين وقارئي الأدب أشكل بالألفاظ المضمون المعرفي الذي أريد التعبير عنه، وفي بيئتي الاجتماعية العريضة حيث أتوجه إلى الشريحة الأوسع من الناس على اختلاف أطيافهم أتحرر من التعقيد اللغوي والتكلف الأسلوبي، وألجأ إلى عفوية الألوان وبساطة الخطوط.

في الرسم تعتبرين البورتريه عشقك الأول؛ إلى أي مدى أنت قادرة على قراءة الوجوه وملامحها الشخصية؟ وهل تكسبين التحدي فيه؟
لكل فنان فلسفته الخاصة في قراءة الوجوه وتتبّع ملامحها، والقبض على هذه الرؤى من الناحيتين البنائية والنفسية عبر رسم البورتريه الذي هو عشقي الأول فعلا، ففي الطريق وبين الأزقة تشكل الوجوه حافزاً لي لتذوق جماليات الدراما التعبيرية الموجودة فيها، وعلى القماش والورق أحاول ترجمة هذا المخزون. إلى الآن أعتبر الاقتراب من مطابقة الحقيقة مكسباً للتحدي في تصوير البورتريه، لكنني أقيس درجة النجاح أيضاً بمدى تفاعل الناس مع العمل، وبعمق العوالم النفسية التي تركها، وبقوة الدهشة التي حققتها عوامل أخرى مثل: التكوين العام للشخصية، والانسجام في إظهارها، ونجاح سقوط الضوء على الجزء المهم فيها.
قلم رصاص صديقك الذي تذوب فيه أفكارك ومشاعرك دون سواه، حدثينا عن هذه العلاقة.
علاقتي بقلم الرصاص تحديداً علاقة وطيدة فعلا، وينقصني ما ينقصني بغيابه، أكتمل به لأنه وسيلتي لتأطير أفكاري ولرسم هواجسي. كتبت بالرصاص أمالي الجامعية ورسائلي للماجستير والدكتوراه، وإلى الآن مازلت أكتب به ما يكتبه الناس بالحبر، لأنني معه أستطيع أن أصحّح الأخطاء لتنمو فوقها أفكار جديدة متفرعة أكثر دقة ومصداقية، ولأنني معه أستطيع أن أمد الخطوط والظلال لأجسّم ما أراه بعين الخيال.

كناقدة فنية.. ما رأيك اليوم بالصحافة الناقدة للفن؟
الصحافة العربية الناقدة للفن موجودة فعلا، وهي تقوم بدور مهم في تسليط الضوء على نماذج فنية عديدة، وفي إتاحة الفرص لتحسين معرفة الناس بها والتمكين من تذوقها بصورة أفضل، لكنها تفتقر عموماً إلى الدعم المادي، وهو ما يجعلها رهينة تجارب محدودة قد لا ترتقي فعلاً إلى المستوى الفني المطلوب، لذا قد تبقى النماذج الأجدر بالدراسة والظهور الإعلامي حبيسة عند أصحابها، لأنهم لم يجدوا الفرصة المادية المناسبة لتسويق أعمالهم في الصحافة العربية والعالمية. وإضافة إلى هذا فإن التجارب النقدية العربية قد يعوزها الصقل اللغوي والفكري الذي يجعلها جديرة بالوقوف في صف واحد مع الأعمال النقدية الأجنبية من حيث القيمة. لذا نحن بحاجة إلى مؤسسات ثقافية ترعى هذه الشؤون وتدعمها بما يكفل ظهورها بالشكل الأكمل.

حدّثينا عن المعرض القادم، كم عدد اللوحات؟ وفي أي بلد؟ وعن التفاصيل الأخرى؟
في الوقت الحالي يجري الإعداد لمعرض خاص في بريطانيا، وهذا المعرض سيقام بمساعدة مسؤولين عن الجالية، وسأتناول فيه مواضيع إنسانية مستخدمة خامات عدة. علماً أنني كنت سأقيم معرضاً خاصاً في دمشق بمساعدة بعض الأصدقاء الأعزاء، لكن ظروف سفري منعتني من ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن