ثقافة وفن

ما أفعله أني أدعكم تشاهدون الحياة بعينيّ بعد أن أنفذها وفق أسلوبي الخاص … وقاف لـ«الوطن»: إزميلي الأول قلمي وأستمد أفكاري من عالم خاص أسكنه وحدي

| سارة سلامة

كلما تمعن النظر في أعماله يومض بذهنك تلك التفاصيل التي تشغله وكيف استطاع تجسيدها من خلال منحوتة، وقدرته على الغوص في جزئياتها، إذاً هي قدرة تطويع اليدين لتحاكي ما يدور في فكره، فكان لا بد له من استخدام يديه فاسحاً لها حرية الإبداع، وإطلاق العنان لأفكاره لتأخذه في عالم خاص، رامي وقاف نحات سوري له بصمة خاصة في عالم النحت فمنذ كان طفلاً استهواه النحت بالتجربة ونحت صفحات دفاتر الرسم دون ملل، لم يكن يعلم أن تلك المحاولات النحتية الخجولة ما هي إلا نبوءة لمستقبل نحات لامع، يأخذنا في أعماله إلى عالم يرسمه ويراه بعيونه يسمعه ويحسه بخياله، كما أن المرأة حاضرة دائماً في أعماله فهي العاشقة الحالمة، العازفة، الراقصة وهي الآلهة حتماً وبهذا حصر وظيفتها، أما الرجل فصوره مثقل بالأعمال والواجبات والهموم، وفي منحوتة سيدة القصر تحضر لك تدمر في رمزيتها، في حين في «الزمن» جسّد ثقل الوقت وكأن الساعات والدقائق أصبحت عبئاً يكسر الظهر، أما منحوتة «أعباء» فيتمثل لنا هذا الرجل الذي يحمل صخرة وكأنه حامل ضغوط الحياة كلها.
جريدة الوطن التقت النحات رامي وقاف وكان لنا معه الحوار التالي:

تحدث لنا عن بداياتك في النحت؟
البدايات ربما تعود إلى اللحظة التي أمسكتُ بها قلمي لأول مرة (إزميلي الأول) ورحت أحاول حفر ورق دفتر الرسم لكنه للأسف لم يكن يتجاوب معي بالصيغة الصحيحة، يتمزق أمامي فقط؛ لم أملّ من ذلك كنت أنحت كل صفحات دفاتر الرسم التي كان أبي يستمر بإحضارها لي دون ملل أيضاً، لم أكن أعرف أن ما حدث في طفولتي هو نبوءة عن مستقبلي كنحات، لم أعرف ذلك حتى بلغت 18 سنة، بدأت حينها بدراسة النحت بخطواته الأكاديمية (التشريح، المواد والتقنيات…) لكن بجهود فرديّة باعتباري درست اختصاص الأدب العربي في الجامعة.

ما أسلوبك في النحت؟
أؤمن بتنوع الأساليب لدى الفنان وأحياناً دمجها لخلق بصمة خاصة، فأحياناً تكون أعمالي سريالية بتكويناتها وأحياناً بموضوعها، وتارةً قريبة للواقعية حيث لا قاعدة ثابتة في العمل إلا الإحساس الداخلي للفنان وربما المادة أحياناً تقول كلمتها وتفصح لنا عن الصورة التي ترغب بالظهور من خلالها.

ما المواد المستخدمة في أعمالك؟
البرونز هو المادة الأساسية في أعمالي، وحيداً في الأغلب وأحياناً يشاركه الخشب الحضور لكنه حقيقةً حضور خجول.
العمل الفني مرتبط بروح الفنان، هل النحات أو الفنان يعبر بشكل أوضح عما يدور بداخله من الشخص العادي؟
بالتأكيد، فحتى يكون الإنسان فناناً عليه أن يكون صاحب حسّ مرهف، وعينٍ ثاقبة تمسك التفاصيل البسيطة التي يغفلها الأشخاص الآخرون، وأذن حساسة تحوّل الأصوات لكائنات مرئية وبالطبع صاحب خيالٍ، يستطيع أن يحوّل الواقع بتناقضاته إلى أعمال فنية تحبس الأنفاس.

الرجل له مساحة كبيرة في أعمالك «المايسترو-وراقص الميلوية» باعتباره محملاً بأمور كثيرة تقع على عاتقه، أما المرأة فصورتها بصورة ملكة خارجة من الزمن الروماني أو اليوناني.. هل تتحدث لنا أكثر عن ذلك؟
الرجل في منحوتتي «المايسترو» و«راقص الميلوية» كانا متحررين من الأعباء التي تحملها تماثيلي في أعمال أخرى كـ «الزمن» حيث الزمن يعتلي ظهر الرجل و«أعباء» العمل الذي يمثل رجلاً يحمل صخرة ضخمة بين كتفيه وأعمال أخرى كثيرة تحوم حول فكرة ضغوط الحياة ومشاكلها، وقد عملتُ جاهداً أن أُبعد المرأة عن هذه الهموم وأبقيها رمزاً للجمال والحياة، مانحة للحب والفرح فهي الملكة وهي العاشقة الحالمة، العازفة، الراقصة وهي الآلهة حتماً.

قدمت ثلاثين منحوتة من خامة البرونز بأحجام صغيرة وبحالات إنسانية متنوعة.. هل تتحدث لنا أكثر عن مشاركتك؟
في المعرض الأخير كانت مشاركتي كما ذكرت بـ30 عملاً من البرونز حاولتُ أن تكون بمجملها صرخة للحياة، وكأن كل عمل يقول على حدة سنستمر ونتابع خلق الجمال وسط الدمار والحروب؛ عمدتُ أن تكون مواضيع الأعمال منوّعة مثلما الحياة تماماً، فهنا بالقرب من التعب ينام الفرح، وهنا العشق وبجواره ذكريات الحرب لا تعرف الصمت، هنا الموسيقا تملأ سماء المكان والرقص يجاهد لئلا يُحدث فوضى… أعمالي مرآةٌ للواقع تعكسه وفق رؤيتي الخاصة، ما أفعله باختصار أني أدعكم تشاهدون الحياة بعينيّ بعد أن أنفذها وفق أسلوبي الخاص.
منحوتة الزمن عمل يجسّد ثقل الوقت الذي يمرّ علينا وكأن الساعات والدقائق أصبحت عبئاً يكسر الظهر، فنرى الرجل يصعد الدرج والساعة (وهي الرمز الواضح للزمن) محمولة على كتفه بارتخاء شديد وكأن الزمن فقد حضوره الرصين في نفوسنا وراحت الدقائق والساعات تتساقط منه على الطريق.
سيدة القصر، عمل مختلف عن السابق فهو مستدعى من ذاكرتي عن تدمر فهذا عمودٌ من قصرٍ قديم وبالقرب منه السيدة تقف بثقة بجسدها العاري متكئة بيدها اليمنى على العامود، وبيدها الأخرى تمسك وشاحاً واسعاً يحاول الرقص حولها.
المايسترو، هذا العمل كان تتمة موجودة في بالي بعد أن قمت بنحت العديد من العازفات مع آلاتهن (القيثارة، الكمان، البيانو…) فكان لابد منه ومن عصاه التي ترسم لوحاتٍ مسموعة في الهواء.

من أين تستمد أفكارك؟
من الحياة، من الخيال والأحلام، من العالم الواقعي ومن عالمٍ خاص أسكنه وحدي.

ما الوقت الذي تستغرقه في صنع المنحوتة؟
الوقت يختلف من منحوتة لأخرى وفقاً لحجمها وتفاصيله وكذلك يتعلق بالحالة النفسية لي، لذا لا وقت ثابتاً لتنفيذ المنحوتة.

هل هناك إقبال من المجتمع لرؤية هذه الأعمال؟
أجل بالطبع، السوريون بطبعهم مهتمون بالجمال باحثون عنه، لذا تراهم لا يضيّعون فرصة للتعرف إلى أعمال فنية وتأمل جمالياتها والتي من المفروض أن تربت على أكتافهم وتخفف عنهم صعوبة الحياة.

هل يقتني السوري هذه الأعمال؟
نعم يقتني السوري هذه الأعمال، وعلى الرغم من ظروف الحياة القاسية إلا أن هذا لم يعتبره السوري ترفاً، فالفن ضرورة لابن هذه الحضارة العريقة.

هل هناك من دعم تتلقونه من وزارة الثقافة بخصوص هذا الموضوع؟
أجل وزارة الثقافة في الفترة الأخيرة تقدّم دعماً مهماً للفنانين وتكون سنداً لهم لمتابعة طريقهم رغم كل التحديات، فالفنان لا يحتاج مادةً فقط بل يحتاج الدعم المعنوي أحياناً فهو يشكل الحافز الأهم لاستمرار الفنان.

تحدثت عن مشروع إعادة ترميم الآثار التي تهدمت قبل الحرب وبعد الحرب بشكل شخصي ما تفاصيل هذا المشروع؟
المشروع ليس ترميماً للآثار، بل هو رغبة بإعادة إحياء التماثيل التي حطّمتها آلة العقل المتخلّف في السنوات الماضية من خلال إعادة صنعها كمنحوتات تحفظ قيمتَها الجمالية وتمنع ذكراها البصرية من التلاشي، مثلما صنعتُ بالتماثيل التي حطّمت يوم فتح مكة حيث إنني بدأت بتنفيذها وفق رؤية فنية خاصة بعد الاطلاع على الكثير من المراجع المهمة مثل «الأصنام» لابن الكلبي، و«تاريخ مكة» للأزرقي، «السيرة النبوية» لابن هشام، «الكامل في التاريخ» لابن الأثير…
وهذا لأني أؤمن بأننا أصحاب حضارة وثقافة عمرها آلاف السنين، من المستحيل أن تضيع أو تُنسى مهما قست الأيام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن