قضايا وآراء

بين بيان «العشائر» وفضائح «آل سعود»: هل دخلت المنطقة مرحلة خلط الأوراق؟

فرنسا- فراس عزيز ديب : 

 

عاد شهر رمضان المبارك، كالعادة يتحول الشهر للأسف من الروحانيات السَّامية، إلى المادّيات العفِنة، لتترسخ معه فكرةٌ أننا شعوب ثقافتها بأحسن الأحوال تلفزيونية، وبأسوأ الأحوال دراميّة، لكن أخطر ما في الجانب السيئ من مصادر ثقافتنا أنها باتت «وعلناً» تنتهج الجرأة أسلوباً، دون أن نُدرك أن هناك خيطاً صغيراً يفصل بين الجُرأة و«الوقاحة».
لكن بعيداً عن الدراما الرمضانية، هناك دراما من نوعٍ آخر ترافقت مع قدوم هذا الشهر الفضيل؛ فنتنياهو قرَّر أن يُعايد «الأمة الإسلامية»، أما «أفيخاي أدرعي» فلم يكن ينقصه وهو يعظ ويهنئ «الأمة الإسلامية» بقدوم الشهر الفضيل، إلا عباءةَ القرضاوي ولحيةَ البغدادي، ليؤم جموع «الثوار»، لا ندري ربما قد يكون قد أمَّهَم فعلياً في المشافي التي تستقبل جرحى الإرهابيين، باعتبار أن «ثواراً» كهؤلاء يليقُ بهم «إمام» كهذا.
هنا علينا أن نعترف بقدرة العدو على إدارة الحرب النفسية ضدنا، لأنه يجيد اللعب على أدقِّ التفاصيل التي تفيده في معركته القذرة، فيما لا نزال نفهم اللعبة الإعلامية بأن يكرر ضيوف الإعلام السوري معلومة أن كلينتون اعترفت بأن «أميركا أنشأت القاعدة»، (من المسؤول عن المستوى الثقافي ومدى الاطلاع لمقدمي وضيوف البرامج في الإعلام السوري!).
ربما لن نبحث كثيراً متى اعترفت كلينتون بأن الولايات المتحدة هي من أنشأت «القاعدة»، لأننا مدركون تماماً أن أميركا أسَّسَت ما هو أسوأ من «القاعدة»، لأننا مدركون تماماً أن أميركا أسست في داخل كل منا انهزاماً فكرياً وثقافياً ما يجعل منه أسوأ من البغدادي، وأخطر من الجولاني، كل هذا ما كان ليكون لولا غسيل الفكر الإعلامي الذي يقوده «آل سعود». فأيهما أخطر «آل سعود» أم «القاعدة»؟
لكن في المقابل لم تكن بداية شهر رمضان هذا العام خيراً على «آل سعود» ومرتزقتهم من إعلاميين وسياسيين، كانوا في الأساس رأس حربةِ مشروع غسل الثقافة وتجريدنا من الثوابت. ربما لم تأتِ بجديد تلك الوثائق التي نشرتها بالأمس صحيفة «الأخبار اللبنانية» المسربة من رسائل خارجية «آل سعود» والتي تثبت تحول إعلاميين ورجال سياسة لمتسولين عند أقدام الأمراء بهدف الحصول على ما تيسر من ريالات «طويلي العمر»، فجميعنا يعرف أن هؤلاء يؤدون مهمات مسبقة الدفع، والوثائق أثبتتها بما لا يدع مجالاً للشك، فهل لا يزالون مصرين أن يحدثونا عن «الصحافة الحرة» أو «الدولة السيدة» وهم ليسوا أحراراً وليسوا أسياداً حتى أمام أمراء العصور الحجرية، ما يدفعنا للتساؤل: متى سيستيقظ من يتاجر هؤلاء باسمهم؟
تلك التسريبات دفعت سلطات «آل سعود» بالأمس لتحذير «مواطنيها» من خطورة الاطلاع عليها، في قرارٍ يعكس مدى التخبط الذي أصابهم نتيجةً لما يتم نشره. لكن ما لفت النظر أن أغلبية الوثائق المرسلة من سوق الجواري المُسمى سفارة «آل سعود» في بيروت إلى الرياض لتنقل تسولاتٍ ماديةٍ لأصحابها، كان التعريف بشخصياتهم يركز بوضوحٍ على موقفهم مما سموه «النظام السوري»، أي إن جسر العبور لقلب طويل العمر وريالاته هو العداء لـ«النظام السوري» فقط، تُرى ماذا سيكون موقف «آل سعود» مستقبلاً عندما يتم الكشف عما فعلوه مقابل تدمير سورية، أو بالأصح هل سيأتي ويكيلكس يوماً ما وكشف عما أراده «بندر» من بوتين، وما حصل عليه مؤخراً الأمير الأرعن «محمد بن سلمان» منه؟
زار «بن سلمان» موسكو، ليس صحيحاً أن الزيارة كان هدفها استمالة موسكو ضد سورية، فـ«آل سعود» فهموا الدرس في السابق، كذلك الأمر تبدو التحليلات المتعلقة بأن هدف الزيارة هو رسائل روسية لإيران، ورسائل من «آل سعود» لواشنطن كردٍ عل التقارب بين إيران والولايات المتحدة مدعاة للاستغراب، فلا الروس بوارد توجيه رسائل كهذه بحكم علاقتهم القوية بالإيرانيين، وهم أساساً جزءٌ من السعي للتوصل لاتفاقٍ حول النووي الإيراني، ولا «آل سعود» يجرؤون على توجيه رسائل كهذه لأوباما، تحديداً أن أيامه باتت (معدودة)، وطلب «آل سعود» بخصوص خوض الولايات المتحدة الحروب بالنيابة عنهم بشكلٍ مباشر لن يلقى أذاناً صاغيةً حتى لو كان الرئيس القادم جمهورياً.
بشكلٍ عام بدا الهدف من الزيارة هو ما تحدثنا عنه في مقال الأسبوع الماضي، أي التحضير لتداعيات سقوط «المشروع الأردوغاني»، لكي نفهم الزيارة وهدفها وما سينتج عنها، علينا فقط أن ندقق بما قاله بوتين قبل أمس خلال المنتدى الاقتصادي. كان الكلام واضحاً؛ لقد خاطرت أوروبة وساقت ليبيا نحو الفوضى فباتت داعش على بعد مئات الأميال فقط من السواحل الايطالية، وخشية بوتين بالنهاية من هذا السيناريو ما هي إلا رسالة لمن يحاول استنساخه بأن هذا الخطأ لن يتكرر في سورية. أما الحديث عن التحولات السياسية فمن قال أساساً: إن القيادة السورية تقف بوجه أي حلٍ سياسي مع المعارضة السلمية. هنا تتضح أمور كثيرة قد تنجلي في القريب العاجل ليس لجهة سورية فحسب، لكن للجهة الأهم بالنسبة لـ«آل سعود» وهي ورطة اليمن، فهل بات الروس هم طوق النجاة لـ«آل سعود» بعد ترهل الحليف التركي؟ بمعنى آخر:
إنها «العُشر الأخيرات» قبل الاتفاق النووي الإيراني، وهي كما كان متوقعاً ستشهد إعادة خلط للأوراق في المنطقة؟
فشل «آل سعود» بتعويم الخوف من الخطر الحوثي، فالحوثيون وهم ذريعة «آل سعود» في الحرب على اليمن التقوا الأميركيين مطلع الشهر بوساطةٍ عُمانية. لم ينزعج «آل سعود» بل ما أزعجهم رفض الحوثيين للمطالب الضمنية التي قدمتها كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين للشرق الأوسط «آن باترسون» والمتعلقة بوقف الحرب دون ظهور مملكة العائلة بمظهر المنهزم، فذريعة اللقاء لإقناعهم بالدخول في الحل السياسي ساقطةٌ أساساً، لأنهم لم يعلنوا يوماً رفضهم للحل السياسي، فهل ينجح الروس بإتمام هذه المهمة؟
أما في الموضوع السوري، فلا يمكن فصل ما يجري في شماله عن جنوبه. فشلت العصابات الإرهابية باختراق حلب، فشلت على أسوارها قبل انتهاء «العشر الأخير» من حكم «العدالة والتنمية»، في حين نجح أصحاب المشاريع الانفصالية بالسيطرة على «تل أبيض» وممارسة ترحيلٍ جماعي لسكانها «العرب» منها.
لم تكن التصريحات التركية التي هي أشبه باستغاثةٍ عن رفض قيام كيان عنصري مستقل في الشمال السوري من باب رفع العتب، هي فعلياً مشكلة لا يجب تجاهلها بسهولة، فأردوغان لا يريد التعاون مع القيادة السورية، وأحزاب المعارضة لا يبدو أنها ستمتلك تحفظات على هذا التعاون، إن نجحت في تحقيق تشكيل حكومةٍ وإبعاد «العدالة والتنمية» عن السلطة، لأن أغلبيتها ستكون كذلك الأمر رافضة لاستقلال هذا الجزء أو ذاك، فهل يعني هذا الأمر أن إزاحة «العدالة والتنمية» باتت حاجةً لبقاء تركيا موحدة ولو على حساب التعاون مع القيادة السورية؟
جنوباً؛ فإن محاولات الكيان الصهيوني تقديم نفسه كحامٍ للأقليات عبر أذرعه الطائفية هنا وهناك باءت بالفشل، لم يكن صمود السويداء ومطارها هما السبب فحسب، تحديداً أن التجربة العميلة أثبتت أن أهم أسباب عدم سقوط المدينة هو قتال أهلها يداً بيد- رغم أصوات النشاز «القليلة جداً»- إلى جانب الجيش العربي السوري، لكن الأهم هو ما حدث على محوري «حضر» «التلال الحمر» مع إمكانية تقدم المسلحين باتجاه «مدينة البعث» في القنيطرة، فصمود هذا المحور «حتى الآن» ساهم لحدٍّ بعيدٍ بإبعاد شبح فكرة منطقة عازلة يحلم بها الاحتلال ومعه «ملك شرقي نهر الأردن». تصاعد طرح الفكرة جاء مترافقاً مع تراجعات الجيش العربي السوري وإعادة انتشاره في عدة مناطق، الأمر الذي فُهم منه أن الجيش ربما بات بحالة وهنٍ؛ فهل أن إخفاق الإرهابيين بتحقيق المراد قد يدفع الكيان الصهيوني للمغامرة؟
لا يبدو الأمر بهذه البساطة، وما يتم تناقله من تسريباتٍ عن تجهز الكيان الصهيوني لتطورات في الجنوب السوري، ما هي إلا نوع من الحرب النفسية لا تستند لأي مصداقية فماذا ينتظرنا؟
بكل بساطة يمكننا القول إننا أمام مرحلة استنفد فيها الجميع الأسلحة، ونحن أمام عملية إعادة خلط الأوراق، بمعنى آخر بداية تقاربات ستسبق نجاة الأميركي باتفاقه الإيراني، بعدها قد نشهد نوعاً جديداً من الدراما… دراما ليست ممولة خليجياً، ولا تحوِّل «المرأة السورية» لسلعةٍ، ولا تختصر تاريخها بمراجل وهمية، دراما قد تبدأ الحلقة الأولى منها بسحب حق استضافة قطر لكأس العالم أما نهايتها فهي مرهونة بأن نصغي جيداً لبيان العشائر السورية بالأمس، فالكلام لم يكن موجهاً فقط لملك «شرقي نهر الأردن»، الكلام مقصود به طرف ثان يقبع هناك… شمالاً…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن