ثقافة وفن

صراخ البوح… وست عجاف

| إسماعيل مروة 

نديماً لروح شام كن
تعبّد في محرابها لترجو لك السلامة
كن عابداً بين يديها حين تدلف إلى روحها
تتحول إلى رسولة تمنح عذب آياتها..
لا تغب عن صوتها
شام صوتها لا يغيب
لا يدركه ألم
لا تصل إليه بحة
لا يحشرجه ألم أو دمار
غرتها موشاة بالألق والنور
ومن مساماتها
من حبات ترابها تنسرب روائح البخور
ألف من العطر
آلاف
مليون عطر وأزيد في كل نقطة من شام
لو يدرك العابد غور شام
لا تعطيك عطراً.. تمنحك خلاصته
سلافة عطرها تمنح مع رشفة من فنجان قهوة
محلّى
غير محلّى
في شام كل الأرصفة عشق
كل الانتظار ابتهاج
على حدود لهفة
ينتهي العام… يتبعه آخر
العابرون يملّون
وشام يغيب صوتها ولا يختفي
وحين يدركهم اليأس
تحتوي المنتظر على عتباتها
لا يفقد أملاً
في أن ترقص شام رقصة السماح
رقص الدراويش حول بركة التكية
رقصة ستي مع النقشبندية
ترقص حاملة صليب نديمها المنتظر
ست عجاف والشام سكرى بالصبر
ست عجاف وشام تدني قهوتها لعاشقها
تقول اصبر.. سيكون
تمنحه كلمة فيطول عمره
ويتحلق كالمجاذيب ومعهم يغني ولا يتوقف
يعانق أطراف أصابع بردى
ويمسح جدائل قاسيون
العذراء تشهد تعميده
والشيخ الصوفي يمنحه الخرقة
وتحت تنورة الدرويش يختصر الزمن
لعلّ سماء تنهمر
لعلّ خلوداً يدنيه منه ويزرعه فيها
تحت جلد شام
عند قبة السيّار
عند ذي الكفل
جوار الصالحية والصالحين
هناك الرسل يجتمعون
وهناك الخلود أبدي
عند غرتها التي لا يطولها دنس ينزرع
يهمس عشرة آلاف سنة
شام لا تجزعي
منذ عشرة آلاف سنة والعابد يغمره دفء روحك
لن تحرقه طلقة
لن يبعده عن صدرك حاقد
ترياق قهوتك يشفي
حارة كانت
باردة كانت
تتسلل في عروقه مع طرقات الطاسات النحاسية
وكل محلات العطور ترشه بعطرها
كلها عطور آسرة
لكنها ليست من يدك
ليست من صنعك
على رصيف انتظار يجلس
على هدب ترقب..
من أول إشراقة الصباح
وحتى مطلع الفجر
يدور بحثاً عنك
وأنت هناك هناك
في البعيد
تعطرين غرتك بدمه
ليغمر الدم نهرك وواديك
إنه عطر الذبيح المشتهى..
لأجلك ولد ورأى وعاش
تستحقين أن يبقى منتظراً
يجلس على عتبتك
يرقب اختلاجاتك
يهصره ألمك
وحين يعانق وجهك السمح
يدرك أنك وحدك الأمان
أنت السكينة والهدوء…
تعبوا والشام لا…
هجروا والعابد لا…
ومع أذان فجر ندي
وناقوس شجي
يرتل الشآمي آياته لتكون رسول شامه
منها الخلود
وفي جوانياتها حياة سرمدية
انثري ياسمينك فوق جسده
عطريه بالجوري
امنحيه خمرة قهوتك المسكرة
على جبل وفاء يحيا بك
ليس قاتلاً
ليس نذلاً
لا يحتاج أن يعلمه غراب
وفي كهفه عند جبل الأربعين
يحكي حكاية شام البقاء والخلود
يدور الأطفال حوله
وحدهم يعرفون أنه الدرويش
ويخلعون عليه عباءة النسّاك
غداً تخرج شام
صوتها أذان
وصراخها بوح
لتغمر الكون بالحب
ست عجاف… وكفى

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن