ثقافة وفن

دعوة علمية للعودة إلى جوهر العقيدة والنص المقدس … أحمد المفتي: القرآن حفظ في الصدور قبل السطور

| سارة سلامة

القرآن الكريم كلام اللـه المعجز، والمتعبدُ بتلاوته، وحظي القرآن بعناية العلماء على مر القرون المتوالية، ولا يمر وقت من دون أن يحتفى بالقرآن، ليس لسبب ديني فقط، بل لأسباب علمية ولغوية وبلاغية وحياتية.
واليوم نحن بحاجة لفهم حقيقي للقرآن ورحلته وجوهره بعيداً عما يحدث على أرض الواقع، ومن هنا تأتي أهمية العودة إلى المصدر والجوهر في القرآن.
نظراً للأهمية الكبيرة للقرآن الكريم أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإيرانية في سورية مهرجان «القرآن الكريم في عيون الفن»، برعاية وزارة الأوقاف السورية وذلك في التكية السليمانية بدمشق، وتضمن المهرجان نشاطات متعددة منها: ندوة قرآنية، رحلة كتابة القرآن الكريم، وتكريم الشهيد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ونظّم القائمون على المهرجان معرضاً ضمّ مخطوطات أثرية لآيات من القرآن الكريم تعود لعصور قديمة لعلماء وخطاطين من إيران وسورية وبلدان عربية وإسلامية، إضافة إلى لوحات فنية تظهر التراث الإسلامي المشترك بين العديد من الثقافات الإسلامية في العالم.
«رحلة كتابة القرآن الكريم»

حاضر في هذه الندوة فارس من فرسان الخط العربي والخط القرآني الأستاذ أحمد المفتي وبحضور الأستاذ الدكتور علي الشعيبي والسيد المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية مصطفى زنجبر الشيرازي، وبعدها عرضت ورشة عمل من إعداد الأستاذ أدهم فادي الجعفري عن «تاريخ كتابة القرآن الكريم»، وكان البدء بآية من الذكر الحكيم قدمها طفل إيراني لم يكن يتجاوز 9 سنوات عند تلاوتها اسمه جواد فروغي، وهو الآن دكتور باللغة القرآنية ويدرس تفسير القرآن وشرحه في الجامعة الرضوية باللغة الإنكليزية.

في خدمة القرآن
المستشار الثقافي للجمهورية الإيرانية الدكتور مصطفى زنجبر الشيرازي لفت إلى الاهتمام الكبير الذي أولته إيران في خدمة القرآن الكريم وكتابته وطباعته، مشيراً إلى أن القرآن الكريم ليس قرآن الإيرانيين ولا قرآن السوريين إنما هو قرآن ربنا الجليل فنحن كلنا في خدمة القرآن الكريم قرّاءً، ومستمعين ومفسرين، وشارحين، وكاتبين، وعالمين، وعاشقين لهذا الكتاب العظيم مستشهداً بقوله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وأفاد الشيرازي بأن الهدف من الندوة هو تعظيم وتعزيز كلمة اللـه الجليل في سورية العزة والكرامة سورية الأمن والأمان لا سورية القتل والفتنة.
وأشار المستشار إلى الخطأ الكبير الذي ترتكبه القنوات الغربية عندما تصف «داعش» بالدولة الإسلامية، مبيناً أن هذه القنوات تريد تفتيت الإسلام وتغيير المفاهيم وتغيير عزة اللـه وعزة الإسلام وعزة القرآن وتبديله من الرحمانية إلى الهمجية.

الأمية هي الأمية الدينية
وفي سؤال خاص لـ«الوطن» عن هذه الفعالية ودورها في الوقت الحالي تحدث لنا الأستاذ أحمد المفتي قائلاً: «تناولنا في هذه الندوة تاريخ القرآن الكريم منذ أن كُتب وحتى عصرنا الحاضر وذكرنا مجموعة الرموز التي كانت في صفحات القرآن الكريم عبر التاريخ، وتطور هذه الرموز وخاصة الإملاء العربي، معتبراً أنها تشكل بياناً يسيراً من تاريخ طويل يعود إلى 1400 سنة خلت، عن الخط العربي الذي نراه في القرآن الكريم»، مشيراً إلى جمالية الخط في وقتنا الراهن وجمالية الرموز القرآنية، وأن هذه الرموز لم تكن موجودةً زمن الرسول(ص). وأفاد المفتي بأن سورية أرض الحضارة وأرض الحرف العربي الذي بدأ تشكيله من خلال أبجدية تشكلت عبر التاريخ في28 حرفاً، مضيفاً إن الأبجدية التي اكتشفت في أوغاريت باللاذقية في سنة سبع وعشرين وتسعمئة وألف، تعتبر أبجدية معجزة، وهي التي نكتب بها القرآن الكريم، فمنذ زمن أبي الأسود الدؤلي وزمن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان هناك اختلاف في الشكل بين عصر أبي الأسود الدؤلي وبين عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي، وبيّن المفتي أن هذه الندوة هي عبارة عن إبراز للتاريخ الحضاري والتطور في رموز اللغة العربية والإملاء العربي، وتم استعراض لوحات ومخطوطات في المعرض الذي تناول بداية كتابة القرآن الكريم من غير نقطٍ أو شكل ومن خلال هذه الحروف التي نسبت إلى الخط الكوفي وبعد ذلك إلى الخطوط اللينة، مفيداً بأننا نحتاج إلى تاريخ طويل لنبين قضية النقط وقضية الإعجام وقضية إعراب القرآن الكريم وقضية تطور الحرف العربي بالذات، من خلال القرآن الكريم وكيف تطورت الخطوط من الخطوط اليابسة إلى الخطوط اللينة.
وأوضح المفتي أن أهمية هذه الندوة جاءت من خلال الغوص في تاريخ القرآن الكريم منذ نزوله على الرسول(ص)، وكيف تطورت الرموز حتى زمن الحجاج بن يوسف الثقفي وقضية النقط، وإذا ما كانت اللغة العربية منقوطة أو لا، فهناك مجموعة وثائق مثل بردية اهناسيا وتعود إلى سنة 22 هــ، وهي عبارة عن وصل استلام أغنام من قرية اهناسيا لعمرو بن العاص، وهذه سابقة لزمن عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي، ونجد في هذه البردية نقاطاً فوق الأحرف، الأمر الذي يدل على أن التنقيط كان موجوداً قبل الحجاج وقبل عبد الملك بن مروان في اللغة العربية.
وأكد المفتي أن القرآن الكريم حفظ في الصدور ثم انتقل إلى السطور وأن النبي (ص) اتخذ كتّاباً يكتبون القرآن وكانت الكتابة عبارة عن جسم حرف ليس فيه نقط وليس فيه شكل ولا علامات وإنما جاءت فيما بعد.
وأشار المفتي إلى أن هذه الندوة فتحت الفرصة للخوض في قضية بغاية الأهمية وهي الأمية ما معناها..؟ وهل تعني الأمية العلمية..؟ أو الأمية التاريخية..؟ ولكنه اعتبرها تمثل الأمية الدينية، لأن العرب لم يُرسل إليهم كتاب قبل سيدنا محمد (ص)، فعرّفنا الأمية بأنها الأمية الدينية واستشهد بقوله تعالى في كتابه الكريم (الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) فهنا نعلم أنه يصفهم بالبداية بالأمية والسؤال الأهم كيف يكونون أميين ويكتبون الكتاب..؟ إذاً الأمية تعني الأمية الدينية.
وحول أمية النبي تساءل المفتي هناك من يقول ما هذه الأمية؟ هل هي أمية كتابية أو هي أمية علمية بل تسمى الأمية الدينية، مستشهداً بقوله تعالى «هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم»، وقوله «ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ»، وقوله «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله» وهنا بيّن كيف يكونون أميين ثم يكتبون الكتاب، أما الاختلاف الأكبر هو عندما سمع أبو الأسود الدؤلي قارئاً يقرأ القرآن: «أن اللـه بريء من المشركين ورسولِه» قرأها بجر لام رسوله فقال: معاذ اللـه أن يبرأ من رسوله فذهب لـسيدنا علي وقال له أدرك الأمة قبل أن تدخل الأعجمية إلى لسانهم، فأشار علي عليه السلام إلى أبي الأسود الدؤلي بقضية إعراب القرآن الكريم من بدايته إلى نهايته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن