اقتصاد

«أربعائية» التهريب!

| علي هاشم

كانت جلسة فضائحية بأكثر مما تحتمله مناسبة أسبوعية أُريد لها أن تحجز مكانها كصالون فكري يتحاور فيه أطراف المصلحة، فمن عنوانها اللطيف «الإدخال المؤقت للسلع بقصد التصنيع وإعادة التصدير» ذي العلاقة بالقطاع الصناعي ومستورداته، ما لبثت «أربعائية التجار» الأخيرة أن انزلقت لما يشبه وكراً لمؤامرة صغيرة تستهدف تموين دمشق انتقاماً لما سمّي «عسفها» بالتحقق من البيانات الجمركية للسلع المشكوك بمصدرها في دكاكين العاصمة!
إلا أنه، ورغم قوة ما ظهر من وشائج قوية «جمركية/ تجارية» لتحقيق ذلك، ما لغربال «الأربعائية» المتخم بالثقوب أن يحجب الأفكار الخطرة التي طرحت خلالها!.
مسؤول تموين دمشق، رد على الاتهامات التي وصمت ضابطته بـ«عسف» تفحص المهربات في الدكاكين، بالاستناد إلى مخزون قانوني نص عليه قانون التجارة الداخلية، مؤكداً أن لضابطته الحق بالتحقق من صحة البيان الجمركي للسلع الأجنبية «إن أبرزه أصحاب المحال»؟!
الطرح التمويني المنطقي هذا يثير شكوكاً جوهرية حول الجهة الحامية للمهربات في أسواقنا، ويزيد من إلحاحها، انهماك جبهة الجمركيين بسوق كل ما يكفل طرد الضابطة التموينية من جنة الرقابة ومنع أي احتكاك لها مع المهربات بذريعة أن التحقق من صحة البيانات الجمركية، هو «ماركتهم المسجلة» لهم «فقط دون غيرهم»؟!
لم يكن من الذكاء أن يحشر ممثلو الجمارك أنفسهم في مساحة شكوك حول مشاركتهم بحماية المهربات، فلا مبرر لامتعاضهم من مشاركة التموين في التحقق «والتحقق فقط» من صحة البيان الجمركي للسلع المشكوك بتهريبها في الأسواق ما داموا هم ذاتهم ممنوعون من الوصول إليها، وما دامت عملية التحقق تلك لن تتم إلا من خلال قواعد بياناتهم، وخاصة بعدما داوموا مؤخراً على الدفاع عن اتهامهم بحجم التهريب الفاضح في أسواقنا، بالتأكيد أن المهربات التي يتم شحنها عبر الطرقات العامة «حيث تقتصر صلاحيتهم» تتم عبر بيانات جمركية قديمة، أو مزورة، أو بيانات كلفة، وأنهم –أي الجمركيون- يتيقنون منها ما أمكنهم ذلك؟!
في الواقع، رغم عبث رزمة الذرائع، تبدو قضية البيانات القديمة كذبة صغيرة لا تنطلي على من لا يريد ذلك، فالسلع بطبيعتها، استهلاكية كانت أم معمّرة، لها عمر افتراضي لا يتناسب مع قدم البيانات، ففي الأولى ثمة فترة صلاحية تمنعها من الاختباء خلف بيان قدم، وفي الثانية يمكن لهذا البيان أن يتحول إلى قرينة قانونية تثبت تهمة «الاحتكار» على أصحابه.
بمجملها، قدمت الجلسة خلاصات مفيدة في فهم التهريب وآليات حمايته القانونية في أسواقنا، والأهم، ما قدمته من إجابات متأخرة عن تساؤلات طرحها رئيس مجلس الوزراء قبل أسابيع حول أسباب ترعرع المهربات رغم توقف منح إجازات استيراد كماليات منذ آب الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن