من دفتر الوطن

«موهبة» الكذب!

| عصام داري 

«الكذب ملح الرجال» هكذا يصفه ويصنفه بعض السوريين، لتبرير الكذب الذي لا يقتصر على الرجال، بل ينطبق على كل الناس تقريباً فجميعنا يكذب: النساء والرجال والتجار والساسة، حتى الأطفال تعلموا الكذب، ربما من مراقبتهم للكبار، وأنا أعرف طفلة لم تتجاوز السنتين ونصف السنة تكذب «بطلاقة» وتخترع قصصاً غير صحيحة على الإطلاق.
والكذب يرافق الإنسان من بدء الخليقة إلى آخر يوم في العالم، عندما يرث اللـه الأرض وما عليها.
ونتذكر قصة يوسف وكيف ألقاه إخوته في البئر وكذبوا على أبيهم وقالوا له إن الذئب أكله، وقبل ذلك بدأ الكذب من عهد آدم وأولاده، ونحن من أحفادهم، لذا نكذب على مدار الساعة.
ويمكننا أن نتحدث عن مرض اسمه الكذب، إنه كذب لمجرد الكذب، أو التباهي بشيء لا نملكه ويملكه الآخرون، وعندما يتحدث شخص ما عن تجربة مهمة ومثيرة جرت معه، ينبري هذا النوع من الناس لفبركة قصة مشابهة يدعي أنها جرت معه، وقد يصدقه الآخرون، أو يكتشفون كذبه، وأنا شخصياً أعرف شخصاً ينطبق عليه هذا «المرض»!.
في الأدب والروايات نجد الكثير من الأمثلة على الكذب، وعلى مرض أو هوس الكذب، وأذكر شخصية الجنرال في رواية «الأبله» لدوستويفسكي الذي كان عندما يسمع قصة طريفة أو جميلة أو مؤثرة يرددها بعد دقائق معدودات فقط زاعماً أنه هو بطلها، مع العلم أن الذي رواها لم يغادر مكانه بعد، والجميع سمعوا تلك القصة منه، لكن الجنرال يصر على أنه هو من جرت معه.
والطريف أن معظم شعوب الأرض تحتفل بعيد الكذب، ونعرف قصة الأول من نيسان، مع أن المفروض أن نحتفل بعيد الكذب كما في مسرحية «غربة» للمسرحي والشاعر الراحل محمد الماغوط، والمبدع الفنان الكبير دريد لحام.
فعلاً يحتاج الصدق إلى شجاعة خارقة، وهو قد يتسبب في الكثير من المشكلات والخلافات وحتى العداوات، وأعترف أنني لا أستطيع أن أكون صادقاً بالمطلق، لكنني أحاول أن أكون كذلك في حياتي العامة.
عندما تقاعدت استضافتني الإعلامية المتميزة والصديقة القديمة نهلة السوسو في برنامج إذاعي، وكان السؤال الأخير هو: بعد التقاعد ماذا ستفعل؟ وإِلامَ تخطط؟
أجبتها: أحاول أن أؤلف كتاباً عن قصتي مع الصحافة والإعلام، فقالت: متى تتوقع أن تنجز هذا الكتاب؟. قلت: بصراحة أظن أنه لن يرى النور أبداً! وعندما أبدت دهشتها وسألتني عن السبب قلت: لأنني أريد أن أكون صادقاً، ولو فعلت ذلك فسأفقد صداقة خمسين شخصاً بعد الصفحة العشرين!.
لست جباناً، لكن هناك ما لا يقال، ربما في وقت ما، إذا أمهلتني الحياة وامتلكت الجرأة وقررت أن «أبقّ البحصة»، كما حدث في فيلم «أيوب» لعمر الشريف أو الراقصة والسياسي لنبيلة عبيد.
وحتى ذلك الوقت سنظل نردد: الكذب ملح الرجال.. والنساء أكثر!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن