ثقافة وفن

مُجسَّداً من رائد المونودراما «زيناتي قدسية» … «غاندي» يعتلي مسرح الحمراء في دمشق

| سوسن صيداوي

كل شيء إلى الزوال وكل شيء ماض نحو ما هو متغير وما هو متحول، ومنذ الأزل ومهما تتالت الظروف وتتابعت الأحداث، ومهما علت الصيحات وتهالكت الحروب واندثرت الآلام، وبين هذه الصور المتلاحقة والمتكررة كي تشكل ألبوماً متكرراً ويعيد نفسه رغم تغيير الزمن والمكان، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن أن تتغير ولا يمكن الدخول في نقاش حول صدقها، لأن وقعها في النهاية سيكون كوقع الجدل. لهذا يبقى الإنسان هو الإنسان رغم اختلاف الثقافات ورغم اختلاف الحضارات ورغم اختلاف الطوائف والديانات، ورغم كل شيء وأنف كل شيء سيبقى الإنسان هو الوحدانية التي تجمع ملايين الكون في بوتقة واحدة، من فكر ومشاعر ومعتقدات ومذاهب ومن حضارات، «غاندي» صورة لإنسان حارب الظلم والاستعمار والطمع والجشع وتزهد عن كل شيء من أجلها هي فقط.. هي الإنسانية، واليوم وفي ظل الوجع الذي نعيشه نحن السوريين بشكل خاص والعالم بشكل عام ربما نحن نحتاج وبشدة لأن يكون كل واحد منا «غاندي».

غاندي على المسرح
العرض المسرحي «غاندي» تطلّب عملاً متواصلاً استغرق مدة سنتين من الفنان زيناتي قدسية، وبتصريح من ابنه الفنان قصي قدسية والذي كما أسلفنا ذكره من الأسماء المشاركة في العرض من حيث المساعدة في الإخراج والتوليف الموسيقي، وصرّح لـ«الوطن» قائلاً «غاندي -كما هو معروف- اشتبك على مدى ستين عاماً مع الكثير من القضايا والمشاكل في بلده الهند. مثل مشكلة الفقر المزمنة آنذاك، ومشكلة الحروب والمذابح الأهلية والمذهبية والطائفية المفزعة وقضية المنبوذين الرهيبة التي كانت شغل غاندي الشاغل ومشاكل أخرى كثيرة… كل هذا مقابل القضية الكبرى الوطنية المتمثلة بالاستعمار البريطاني الذي هيمن على الهند ما يقارب القرون الثلاثة إضافة إلى كفاحه العنيد في مواجهة هذا الاستعمار لتحرير الهند ونيلها الاستقلال التام».
وحول شخصية «غاندي» في العرض المسرحي أوضح قدسية الابن قائلاً «في عرض غاندي ليس هناك تأريخ للهند والسيرة ذاتية لغاندي. بل هو تكثيف لأهم المفاصل في حياة هذا الإنسان الذي خرج من دائرته المحلية وتمدّد على مستوى الإنسانية جمعاء… ويجيء العرض المسرحي على وقع ما يجري في بلادنا والعالم وعلى أهمية البعد الإنساني العام الذي مثّله ويمثّله غاندي».

جديرٌ بالذكر
زيناتي قدسية اسم من أهم الأسماء الشهيرة في عالم المونودراما العربي، فلقب «فنان المونودراما» رافقه طويلاً رغم عمله في السينما والتلفزيون وفي أعمال مسرحية كبيرة، إذا بقي اسمه لصيقاً بفن الممثل الواحد، واستطاع أن يميّز نفسه فيه من خلال شخصيته الطاغية على ما يقدّمه من شخصيات التي يتقاطع أداؤها مع أسلوبه التمثيلي وأدائه الكلاسيكي. وتكرار هذا الأسلوب لم يُبعد زيناتي عن جمهوره العربي بل وثّق العلاقة بينهما رغم تكرار صورته الشكلية من خلال صلعته اللامعة تحت الأضواء الباهتة وجسده المنكمش نحو الأسفل وغيرها من التفاصيل التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عروض اعتلت خشبة مسرح الحمراء والقباني في دمشق، مقدمة حكايا خلال مسيرة تفوق الأربعين عاماً من العمل المسرحي تشبه حال كل واحد منا وحال زيناتي نفسه وحال الفلسطينيين، وخصوصاً أنه ابن قرية «إجزم» الفلسطينية، حكايا تسرد التوق والشوق الممزوج بالحنين الموجع والأنين المضني برغبة لا يمكن كبحها بالعودة إلى الأوطان مهما طال الانتظار.
بقي أن نذكر مقتطفاً بسيطاً من مسيرة مسرحية حافلة، أن قدسية انتقل إلى دمشق عام 1971، وبدأ تجربته في المسرح الجامعي ومسرح الهواة، كما عاصر تجربة سعد اللـه ونوس مع المخرج فواز الساجر، مقدماً مع الساجر أعمالاً مسرحية منذ عام 1977، بعدها أسس فرقة أحوال المسرح والتي قدّم فيها أعمالاً مونودرامية حملت توقيع الكاتب المسرحي ممدوح عدوان، محققاً معه شراكة أنتجت ثلاثة عروض ساهمت في تكريس اسم قدسية كواحد من الأسماء الشهيرة في عالم المونودراما العربي.
البطاقة للعرض
بمناسبة يوم وزارة الثقافة وتحت رعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، مديرية المسارح والموسيقا -المسرح القومي يقدم: مونودراما «غاندي» نص وتمثيل وإخراج زيناتي قدسية، مساعد مخرج نوفل حسين، تصميم الديكور والأزياء هشام عرابي، تصميم تقنيات نصر اللـه سفر، تصميم إضاءة أدهم سفر، توليف موسيقا قصي قدسية، تصوير فوتوغراف يوسف البدوي، مدير منصة عمر فياض، تنفيذ فني للديكور ومادة نحتية باسل جبلي، تنفيذ إضاءة عماد حنوش، تنفيذ صوت إياد عبد المجيد، تعاون في الإخراج قصي قدسية.
انطلقت العروض في دمشق بدءاً من يوم أمس الساعة السادسة على خشبة مسرح الحمراء، ومن ثم إلى المحافظات وبعدها في عدة دول عربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن