شؤون محلية

حياة ضنك

| هني الحمدان

لم يعد ثمة ما يهم، غدا كالأمس، كل شيء تغير، النفوس لم تعد هي، والضحكات تبدلت نكهتها وخف بريقها، وبات الجميع مشغولاً بمرارة الأيام ووجع الآلام من لهيب الأسعار وفراغ الجيوب وقلة الدخول.
ظهورنا انحنت وشاخت أعمارنا قبل ميعادها بكثير، غابت البسمة حتى عن شفاه أطفالنا بحرمانهم ليس مما يشتهون من الأكل والملذات ومسرات أخرى فحسب.. بل تشعر أنهم أصبحوا بمستوى تفكير الكبار وهواجسهم سبقت أعمارهم نحو النظر إلى مستقبل يلفه ثقل متطلبات الحياة وظروفها التي لم تعد ترحم أحداً..!
مع ذلك الجميع ينظر بعين الأمل في الخروج من هذا النفق الشديد الظلمة، بوقت الكل يشكو فيه قلة الحيلة وضنك العيش، يذهبون يتسوقون ويعودون لا يحملون شيئا، ليس لأن همتهم خارت بل لفراغ جيوبهم، يكتفون بالفرجة ليس إلا.. تكثر النكت وتتقافز بين الأفواه ومع ذلك لا أحد يضحك، الكل يسير والبعض يحاول أن يهبش في أي شيء ولا أحد يشبع ولا أحد يبدو سعيداً..
ننام بنصف عين تحت جنح ظلام الكهرباء وشح المياه، نخاف من الاستيقاظ على قرارات جديدة بعد حرقة حياتنا بقرارات التجار والحكومة.. علنا فقط نفوز بتأمين قوت يومنا فقط..!
نجلس هنا ونثرثر في الأحاديث، نسمع ونشاهد الاجتماعات وتوقيع البرتوكولات والاتفاقيات، مترقبين قرارات علها تفرح جانبا من أسارير وجوهنا الكالحة… لكن..! نحاول الهروب من كل الطلبات والواجبات التي تحيط بنا، نلوذ بالتأجيل والتسويف أحياناً، ونبتعد عن احتياجات رئيسية نراها بادية في عيون أطفالنا… لكنه الغلاء ذاك الوحش الكاسر..! قد نصبح محاصرين أكثر من حصار طروادة.. عندها تبدأ مسيرة دق الأبواب وفتح السماعات للبحث عن صديق للاستدانة.
في كل صباح تجد ورقة صغيرة ما هي إلا قائمة طلبات وقيم فواتير كهرباء وتلفون وماء واجبة الدفع، ولا مفر من سدادها، تفكر وتحسب والنتيجة معروفة، تذهب إلى العمل فلا تجد إلا النميمة والكلمات الجوفاء من هذا وذاك، ومضايقات لا حصر لها.. فتعود إلى مشكلات الحياة من جديد.. هكذا هي بانوراما لجانب رئيسي من حياة الأغلبية التي اكتوت حياتها بلهيب الجشع والقهر والحرمان، جشع مارسه البعض من قلة بلا ضمائر، صاروا كالحيتان لم يشبعوا بينما الجياع ازدادوا أضعافاً والأفواه جاعت وقد تموت من الفقر..!

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن