ثقافة وفن

د. السيد يتحدث عن العربية وعصر الثقافة الرقمية

اختلفت العصور وباختلاف سنيها، هناك ما يتم اختراعه كي يكون جديداً وربما أسلوباً متبعاً في سلوك الحياة، واليوم في عصرنا هذا نحن أمام شيء ضخم وهو المحتوى الالكتروني أو الرقمي، وأصبحنا نخضع لقواعد الشبكة الالكترونية، وبالنتيجة وحسب تطبيقاتها يكون أسلوب حياتنا. وعن طبيعة العصر والمحتوى الرقمي العربي وبرعاية المجمع اللغوي في دمشق، ألقى الدكتور محمود السيد محاضرة جاءت بعنوان: «طبيعة العصر والمحتوى الرقمي العربي»، وذلك في قاعة محاضرات المجمع- المالكي- شارع عبد المنعم رياض، ومن خلال البحث الذي قُدم حاول المحاضر التعريف بطبيعة عصرنا الذي نحيا فيه، وذلك بالوقوف على المحتوى الرقمي العربي على الصعيد العربي واقعاً وتشخيصاً، كما اغتنى البحث بمعلومات دقيقة حول بعض المبادرات التي سعت إلى زيادة مساحة المحتوى العربي الإلكتروني على الشابكة (الإنترنت)، إضافة إلى العديد من الأقسام بالوصول إلى القسم الأخير والمتضمن عدداً من التوصيات الرامية إلى النهوض بهذا الواقع والارتقاء به.

العصر.. ثقافته خامسة
العصر الذي نحيا فيه متعدد الصفات وهو محكوم بالمتغيرات التي يعيشها الكون والتي ترمي بثقلها على الشعوب سواء من الناحية المادية والثقافية والكثير من النواحي الأخرى، وهذا ما شرح عنه الدكتور محمود السيد في بحثه «يتسم العصر الذي نحيا فيه بالكثير من الأمور فهو عصر التدفق المعرفي، والانتشار الثقافي الخاطف، والمواصلات السريعة، عصر العلم والتقانة (التكنولوجيا) والمعلوماتية، وهو عصر هيمنة الأقوياء على الضعفاء، وعصر ازدواج المعايير، وانحسار القيم المعنوية لمصلحة قيم الاستهلاك والقيم المادية، كما تعدد أساليب الاتصالات وتقنياته في كل المجالات، فرض نفسه على برامج تعليم اللغة، فازداد الاهتمام بالبعد الثقافي في تعليم اللغات، وغدت الثقافة مهارة خامسة تصاحب زميلاتها من المهارات اللغوية الأربع محادثة واستماعاً وقراءة وكتابة.
ومن الملاحظ أن الأطفال في عصرنا الحاضر تعلّقوا بالوسائط التقانية بعد أن هيمنت على المجتمعات، وأثرت فيهم حتى بات يطلق على الأطفال في عصرنا مصطلح الأطفال الرقميين: Digital Kids، وصارت الخبرات التي يحصل عليها الأطفال بنتيجة تفاعلهم مع تلك الوسائل خبرات غير تقليدية شقّت طريقها إلى حياتهم في الأسرة والمدرسة وفي ألعابهم وتعلمهم وتفاعلهم مع أقرانهم. وغني عن البيان أن ثمة هوة هائلة أي فجوة رقمية بين الوطن العربي وثورة الاتصالات والمعلوماتية في الدول المتقدمة، وتظل المجتمعات تعاني الفجوة الرقمية عندما لم تتمكن من النفاذ إلى مصادر المعرفة واستيعابها وتوظيفها لتوليد معرفة جديدة تسهم في تطوير التنمية في المجتمع.
ولقد حوّلت الثورة التقانية الهائلة التي حدثت في الربع الأخير من القرن الماضي وفي العقد الأول من الألفية الجديدة، حوَّلت المعلومات إلى مورد من الموارد الاقتصادية، وظهرت مفاهيم جديدة على الساحة الدولية مثل الاقتصاد الرقمي والمجتمع الرقمي».

المحتوى العربي.. حافظ للهوية
توجهت بعض الدول العربية نحو الثقافة الرقمية، وعقدت المؤتمرات على نطاق الساحة العربية للبحث في زيادة المحتوى الرقمي العربي على الشابكة، وعن المحتوى الرقمي العربي تحدّث السيد «يقصد بالمحتوى الرقمي العربي Digital Arabic Content ما يوضع على الشابكة (الإنترنت) باللغة العربية، ويطلق عليه أيضاً المحتوى الإلكتروني العربي، وهو مجموع مواقع وصفحات الويب التي كتبت باللغة العربية أو الكتب أو الموسيقا أو الفيديوهات.. الخ، ويتضح من هذا التعريف أن مساحة المحتوى العربي يفترض أن تكون مساحة واسعة تشمل الثقافة بمختلف أبعادها، وتتجلى أهمية هذا المحتوى في توظيفه لدعم التنمية في المجتمع العربي، والتحول به إلى مجتمع معرفي تتوافر له المعلومات والفرص الإلكترونية، كما تتجلى أهميته على الصعيد العالمي في حفاظه على الهوية العربية، وتعزيز المخزون الثقافي والحضاري الرقمي إنتاجاً واستخداماً لدعم التنمية وولوج عالم المعرفة».

مبادرات توسيع المحتوى العربي
واقع المحتوى العربي من الإحصاءات التي قدمها الدكتور السيد في بحثه، تدل على أن هذا الواقع ضعيف نسبياً، ولا تتجاوز نسبة المحتوى الرقمي العربي 3%، ما يتطلب مبادرات لزيادة مساحة هذا المحتوى «لقي المحتوى الرقمي العربي بعض الاهتمام على الصعد كافة محلياً وعربياً وعالمياً، وثمة اهتمام من مواقع عالمية باللغة العربية في بعض الدول وفي المنظمات العالمية والإقليمية والعربية، إلى جانب الاهتمام من شركات خاصة ومبادرات فردية. وعلى الصعيد العربي قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بإنجاز عدة أعمال في إطار مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة، وهو المشروع الذي تقدمت به الجمهورية العربية السورية إلى مؤتمر القمة العربي الذي عقد في دمشق عام 2008. وفي سورية تم إنجاز أعمال متميزة في مجال المحتوى الرقمي العربي، ومن هذه الأعمال ما قام به المعهد العالي للعلوم التطبيقية حيث عمل على وضع نظام الاشتقاق والتصريف وقاعدة معطيات الإعراب، وقاعدة معطيات معجمية، وقاعدة معطيات التراكيب، وضبط النصوص بالشكل. ومن مشروعات المنتج الأول في الإستراتيجية تعريب أسماء النطاقات، توثيق التراث (ذاكرة الوطن العربي) جمعاً وتوثيقاً ورقمنة وتعميماً من خلال بوابة إلكترونية باللغتين العربية والإنجليزية، وتعريب المصطلحات.

مبادرات المحتوى الرقمي السوري
وعن واقع الحال حول المحتوى الرقمي في سورية وخاصة حول المبادرات تكلم الدكتور السيد عن بعضها «وضعت وزارة الاتصالات والتقانة في سورية الإستراتيجية العربية العامة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بغية تقديم خدمات تقانة الاتصالات والمعلومات والإعلام من أجل إتاحة أفضل الخدمات للمواطن العربي ليواكب روح العصر.
ومن إنجازات الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية «مدونة وطن» وهي بوابة الكترونية تدوينية تتبنى نموذج الإعلام التدويني الإنساني متخصصة بتدوين وتوثيق أهم التفاصيل للمجتمع المحلي السوري».

توصيات ومقترحات
جاء آخر قسم بمقترحات وتوصيات من أجل الارتقاء في واقع المحتوى السوري ومن ثم العربي، ومن بعض التوصيات والمقترحات «إجراء مسح شامل لجميع مشروعات المعالجة الآلية للغة العربية في داخل الوطن العربي وخارجه، دعوة وزارات الاتصالات والتقانة في الوطن العربي إلى التنسيق والتكامل بينها، ضرورة التكامل بين الإستراتيجيات الوطنية ذات العلاقة، والتعاون بين إستراتيجية تقانة المعلومات والاتصالات وإستراتيجية الحكومة الإلكترونية، الاستعانة بالمعايير العالمية كمعيار دبلن على أنه معيار مرن وموضوعي وسهل التطبيق، إيجاد تشريعات عربية حاكمة للعمل في البيئة الرقمية، دعم حركة الترجمة على الصعيد العربي، إعادة النظر في المناهج التربوية على الصعيد العربي لإعداد جيل عربي يواكب روح العصر، عصر العلوم والتقانة والثقافة الرقمية، العمل على تطوير البرامج الأكاديمية في الجامعات، الطلب إلى شركة جوجل الاهتمام بعمليات الحفظ الرقمي بعيد المدى، وأن تدرجه ضمن رسالتها وتضعه في أولوياتها، الحرص على نشر المحتوى الجاد والهادف والدراسات العلمية في كل الاختصاصات، دعم البحوث العلمية والدراسات التي تتعلق بالمحتوى الرقمي، ودعم إنتاج البرمجيات الخاصة بمعالجة اللغة العربية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن