سورية

إعادة تفعيل القنوات الروسية الأميركية يحيل القناة التركية إلى المجهول … عشية مباحثات جنيف مع الأميركيين.. لافروف يؤكد: يجب أن تشمل انسحاب جميع المسلحين من دون استثناء من شرق حلب

| أنس وهيب الكردي– وكالات

بدا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري حمل معه إلى العاصمة الإيطالية روما، ما أثلج صدر الروس ودفعهم إلى التخلي عن القناة التركية التي سبق أن فتحوها للتفاهم على إخلاء ما تبقى من الأحياء الشرقية في مدينة حلب من المسلحين، والتي استخدمتها أنقرة أداة لعزل واشنطن عن شؤون العاصمة الاقتصادية لسورية.
ويناقش خبراء روس وأميركيون من المستويين السياسي والعسكري هذا الأسبوع مقترحات سلمها كيري الجمعة لنظيره الروسي سيرغي لافروف، والتي أوضح الأخير أنها «تنسجم» مع المواقف الروسية. وسيرفع الخبراء نتائج مشاوراتهم التي يعقدونها في مدينة جنيف السويسرية، إلى كيري ولافروف اللذين يعودان للقاء نهاية الأسبوع الجاري في ألمانيا. وتريد موسكو لمشاورات جنيف أن تحدد الخطوات المقبلة بما فيها انسحاب جميع المسلحين من دون أي استثناء من شرق مدينة حلب، مع وضع جدول زمني محدد لعملية التنفيذ.
وعقب سقوط اتفاق التاسع من أيلول، الذي توسط بشأنه كيري لافروف، أمر الرئيس الأميركي باراك أوباما مرؤوسيه بالامتناع عن التفاوض مع الروس بشأن التعاون العسكري في سورية. دفعت هذه الأوامر، رئيس الدبلوماسية الأميركية إلى اجتراح صيغة لوزان الإقليمية، التي حضر اجتماعاتها السياسية ممثلو روسيا والولايات المتحدة والدول الإقليمية مستبعدين الدول الأوروبية. ولاحقاً، وضمن صيغة لوزان، التقى خبراء عسكريون من روسيا والولايات المتحدة، السعودية، تركيا، وقطر، لبحث سبل فصل المسلحين المعتدلين، عن المتطرفين. لكن المباحثات تعثرت ولم تتمكن من وضع أساس الحل على الرغم من دعوة أنقرة «جبهة النصرة» إلى الخروج من حلب.
وأتى فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية ليضع إدارة الرئيس أوباما في موقف سياسي صعب. فالرئيس المنتخب، وبغض النظر عن عدم وضوح إستراتيجيته حيال الشرق الأوسط، تعهد بالتعاون مع روسيا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، كما ألمح إلى إيقاف الدعم الأميركي عن المسلحين، مقابل تشديده على الوصول إلى أرضية مشتركة مع موسكو ودمشق لحل الأزمة السورية. هذه المواقف المعلنة لترامب، اضطرت أوباما الأسبوع الماضي إلى طرق باب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولعب ورقة المفاوضات حول سورية وأوكرانيا معاً، وهو ما سبق أن رفضه لعامين ماضيين. بكثير من البرودة، استقبل بوتين عرض أوباما. وبناء عليه تم ترتيب لقاء رئيسي الدبلوماسية الروسية والأميركية في روما بعد سلسلة من الاتصالات المعلنة وغير المعلنة.
وبعد يوم من اللقاء، كشف لافروف عن ظهور «بادرة جديدة» في الاتصالات بين موسكو وواشنطن حول سورية، مبيناً أن كيري سلمه خلال مفاوضات روما «حزمة من المقترحات بخصوص سورية»، معلناً أن تلك المقترحات «تنسجم مع المواقف التي يتمسك بها الخبراء الروس»، حسبما نقل الموقع الإلكتروني لقناة «روسيا اليوم».
وأكد لافروف أثناء مؤتمر صحفي مع نظيره الياباني فوميو كيشيدا عقداه في العاصمة الروسية، أن روسيا مستعدة لإرسال دبلوماسييها وخبرائها العسكريين إلى مدينة جنيف السويسرية في أي وقت لاستئناف المشاورات مع الجانب الأميركي بشأن تسوية الوضع في حلب. وبين أن الخبراء الروس والأميركيين عقدوا في جنيف على مدار الأسبوع الماضي، اتصالات تركزت خصوصاً حول حل أزمة حلب، كاشفاً أن جميع الجهود المبذولة في هذا المجال فشلت حتى الجمعة الماضية بسبب ما سماه «سعي الولايات المتحدة إلى طرح بنود إضافية على اتفاقاتها مع موسكو، تعطي غطاء لمسلحي جبهة النصرة (جبهة فتح الشام حالياً)».
ولعل هذا ما دفع الوزير الروسي إلى الدعوة كي لا يكون اللقاء الروسي الأميركي المقبل في جنيف مجرد لقاء للقاء، بل شدد على ضرورة أن تتوج الجهود بتحديد مواعيد دقيقة لاتخاذ الخطوات المطلوبة لتجاوز الأزمة الراهنة في حلب، وبالأخص «المواعيد الدقيقة لانسحاب المسلحين من هذه المدينة».
في هذا المجال، شدد لافروف على ضرورة أن تضمن هذه الخطوات المنسقة مع الجانب الأميركي «انسحاب جميع المسلحين، دون استثناء، من شرق حلب»، وهو ما من شأنه أن يتيح إيصال مساعدات إنسانية إلى المناطق المنكوبة، وتطبيع الأوضاع فيها. وأعاد إلى الأذهان أن سبب انهيار الاتفاقات السابقة بين موسكو وواشنطن حول سورية، يكمن في عجز الولايات المتحدة عن الفصل بين المجموعات المتطرفة وفصائل المعارضة المعتدلة.
وبعد ساعات من تأكيد لافروف أن استعادة السيطرة على طريق الكاستيللو من الجيش السوري تقلص المخاطر على موظفي الأمم المتحدة من المسلحين، قالت المنظمة الدولية إنها مستعدة لتقديم المساعدة الفورية والإجلاء الطبي للمدنيين في المناطق الشرقية من حلب. وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوغريك: إن «الشاحنات المحملة باللوازم الإنسانية تقف على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة الإنسانية شرقي حلب من غرب المدينة وتركيا».
وبعدما هاجم وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بشدة الدور الروسي في سورية، داعياً لإبداء مزيدٍ من الصرامة في التعامل مع روسيا ومواصلة فرض العقوبات عليها، مؤكداً رفض لندن استمرار حكم الرئيس بشار الأسد، ذكره وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بأن فرض عقوبات على موسكو لن يساعد في تخفيف معاناة المواطنين في حلب.
وبدا أن إحياء المفاوضات الروسية الأميركية قد أدى إلى انتفاء الحاجة إلى القناة التركية، والتي تشهد مفاوضات بين روسيا وزعماء من المجموعات المسلحة من أجل تسوية الوضع في شرق حلب. وفي هذا الإطار، جاء هجوم لافروف على ما يسمى «جيش حلب» الذي أعلنت عن تشكيله الميليشيات المسلحة داخل حلب باستثناء «جبهة فتح الشام»، معتبراً أنه لا يعدو أن يكون إلا محاولة لتقديم الجبهة تحت اسم جديد وإخراجها من تحت العقوبات الدولية المفروضة عليها.
وأفادت مصادر إعلامية معارضة عن تأجيل المفاوضات في العاصمة التركية بين مسؤولين روس وممثلين عن الميليشيات المسلحة بشأن حلب إلى اليوم. وجاء ذلك بعد يوم من اتهام مصادر من المسلحين روسيا بالمماطلة الشديدة خلال مفاوضات أنقرة. ودفعت هذه الأجواء القيادي في «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة أسعد الزعبي إلى استبعاد أن يتم التوصل لاتفاق بين روسيا والمسلحين حول حلب.
وأوضح القيادي في ميليشيا «حركة أحرار الشام الإسلامية» محمد الشامي، أن ممثلي الميليشيات المسلحة المدعومة أميركياً غابت عن اجتماع أنقرة، متحدثاً عن التوصل إلى اتفاق على «خروج مقاتلي (فتح الشام) من حلب عبر ممرات إنسانية إلى إدلب، مقابل وقف القصف، والسماح بإدخال مساعدات إنسانية عبر معبر الكاستيلو بضمانة الحكومة التركية».
والأسبوع الماضي، زار لافروف تركيا، حيث التقى نظيره التركي مولود تشاووش، الذي أعلن اتفاقهما على الحاجة لوقف إطلاق النار في حلب لكنه أضاف إن موقف تركيا إزاء الرئيس بشار الأسد لم يتغير، وذلك على حين أعلن الوزير الروسي أن بلاده ستواصل عملياتها في شرق حلب وتنقذ المدينة من «الإرهابيين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن