سورية

شوق سكان أحياء حلب لرؤية منازلهم ينال منه الدمار

| وكالات

على مدى أيام، لم تغمض كفاء عينيها من شدة حماسها للتوجه إلى منزلها في الأحياء الشرقية لمدينة حلب الذي اضطرت إلى مغادرته مع زوجها عند سيطرة الميليشيات المسلحة على تلك الأحياء قبل أكثر من أربعة أعوام، لكن عند وصولها وجدته ركاماً وبقايا بناء غير قابلة للسكن.
وحسب وكالة «أ ف ب» للأنباء، كانت عينا كفاء جاويش (36 عاماً) تبرقان وهي تتحدث عن شوقها للعودة إلى منزلها، خلال الرحلة التي استقلتها في باص حكومي متجه إلى حي الحيدرية، أحد الأحياء الذي تمكن الجيش العربي السوري من تحريره من سيطرة الميليشيات المسلحة عليه قبل أيام.
وقالت والفرحة بادية على وجهها وهي إلى جانب زوجها تاج الدين الأحمد (45 عاماً) في الباص: «خرجت من منزلي منذ أربعة أعوام وأشعر بفرحة غامرة»، مضيفة: إنها لم تنم منذ ثلاثة أيام، وأنها ستزغرد عندما تصل وترى منزلها سالماً.
ومع تقدم الجيش العربي السوري داخل الأحياء الشرقية وسيطرته على أكثر من نصف المساحة منها التي كان تحت سيطرة مقاتلي الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية، عاد المئات من السكان لتفقد منازلهم في المناطق التي هجروها، مستخدمين حافلات حكومية عادت لتؤمن خط النقل من الأحياء الغربية للمدينة إلى الشرقية.
وبينما موظف الباص المزدحم بالركاب يسلم بطاقات الرحلة، قالت كفاء: «سأعود للسكن في المنزل مهما كانت حالته، لقد تعبنا من الإيجار، واشتقنا لمنزلنا وأهلنا وجيراننا».
وعلى غرار كثيرين، غادرت كفاء التي كانت تعمل مصففة شعر، مع زوجها على عجل منزلهما في تموز 2012، بعد اندلاع المعارك في المدينة بين قوات الجيش والميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ليقيمان في حي السريان الواقع تحت سيطرة الجيش في مدينة حلب، حيث استأجرا غرفة مع منتفعاتها من دون أن يأخذا معهما أياً من أغراضهما الشخصية.
ووفقاً للوكالة، فقد عبر تاج الدين عن أمله في أن يجد منزله سالماً وأن يستعيد حياته الطبيعية مع عائلته وجيرانه، بعد حياة التشرد والمعاناة من ارتفاع الإيجار والمعيشة، حسب قوله. خلال الرحلة، تلقى تاج الدين اتصالاً من أحد جيرانه يطلب منه أن يلتقط له صورة لمنزله المهجور أيضاً.
ووفقاً لـ«أ ف ب»، لم تغب الابتسامة عن وجه الزوجين منذ انطلاقهما من غرب حلب، لكن ما أن اجتاز الباص حي بني زيد في الطريق إلى الحيدرية حتى بدأت ملامحهما تتبدل تدريجياً مع اكتشافهما حجم الدمار على جانبي الطريق.
وبعد صمت استمر دقائق، همس تاج الدين مراراً وهو ينظر إلى الأبنية المهدمة من نافذة الباص: «حسبي اللـه ونعم الوكيل»، لم يسلم بناء من دمار كلي أو من تصدع كامل أو من فجوات كبيرة في جدرانه.
ولدى وصول الحافلة إلى دوار الجندول، راحت كفاء، تستعيد ذكريات عزيزة على قلبها، فهنا كانت تتنزه مع زوجها قرب شلالات المياه التي كانت تزين الدوار، على حد قولها،بينما كان زوجها يتجاذب أطراف الحديث مع راكب آخر، مشيراً بإصبعه إلى معالم كانت مألوفة وغدت دماراً. ومع الاقتراب من حي الحيدرية، حسب ما لفتت الوكالة، بدأ صبر كفاء ينفد وما كان منها إلا أن طلبت من زوجها إكمال الطريق سيراً بين الأبنية المدمرة اختصاراً للوقت.
وبدت الصدمة واضحة على وجه الزوجين لدى وصولهما إلى المكان، وإغرورقت عينا كفاء بالدموع: مبنى متصدع ونوافذ محطمة، زجاج متناثر وحجارة تسد مدخل المنزل الرئيسي، ما يعوق دخول الزوجين إلى بيتهما الذي اشتاقا إليه كثيراً.
وبحيرة وصدمة، تنقلت كفاء من نافذة إلى أخرى، محاولة الوقوف على رؤوس أصابع قدميها لتتمكن من رؤية محتويات منزلها المبعثرة، مستعيدة بحزن شديد كفاحها مع زوجها طيلة سنوات لبناء المنزل وتجهيزه، وقالت: «بنيناه حجراً فوق حجر، حرمنا أنفسنا لشراء كل غرض فيه، حتى يكون لدينا براد وغسالة، الآن لا شيء فيه والبيت مهدوم وغير قابل للسكن»، مرددة باللهجة المحكية «يا ربي دخيلك» قبل أن يقاطعها تاج الدين قائلاً: «الحمد للـه على الصحة والعافية».
وقبل مغادرة الحي، ذكرت الوكالة أن كفاء أسفت كون كل ما عاشته في هذا المكان أصبح مجرد ذكرى، لكنها قالت في ذات الوقت: «الحمد للـه على الأمن والأمان».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن