قضايا وآراء

دعوة ملكية لتكريس التقسيم

باسمة حامد : 

دعوة الملك الأردني لتسليح العشائر «السنية» في سورية والعراق لا تخرج عن مخطط التقسيم الذي تقوده واشنطن في الشرق الأوسط بعد مرور 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو وانتهاء صلاحيتها.
فالدعوة لا تنسجم مع مزاعم «محاربة داعش» ودعم أمن واستقرار وحدة العراق والتسوية السورية السلمية، بل تؤكد اتهام دمشق لعمان بدعم الإرهاب وتصديره إلى الدول المجاورة وخصوصاً أن الأردن شكّل رأس الحربة في مشروع إسقاط سورية منذ بداية الأحداث، ما دام المسؤولون الأردنيون قد غطوا على هذا الدور بعنوان إعلامي فقط أي: التأكيد على موقف الأردن «الراسخ والقوي» في التوصل إلى «حل سياسي للأزمة».
وفي الواقع، أن تصريحات عبد اللـه الثاني خلال زيارته للبادية الأردنية الشمالية قبل أيام لا تعبر عن تعبئة شعبية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي بقدر ما تقدم دليلاً إضافياً على كونه يسعى – بأوامر أميركية- لتكبير المملكة جغرافياً على حساب الأشقاء العرب، وإفساح المجال أمامه لإنشاء «حزام أمني» داخل الأراضي السورية والعراقية والسعودية (وقد مُهد لهذه الخطوة قبل أشهر حين سقطت المعابر الحدودية بيد التنظيمات الإرهابية).
ووفق العقل الأميركي فإن تنفيذ هذا المخطط الآن من شأنه تحقيق عدة أهداف في وقت واحد: فهو يكريس الحالة الطائفية والمذهبية في العراق تمهيداً لتقسيمه من جهة، ويصغر مساحة سورية عبر دفع الجيش العربي السوري للانكفاء إلى حدود «دولة دمشق» من جهة ثانية، ويوطن الفلسطينيين في وطن بديل ويشطب القضية الفلسطينية- جوهر الصراع العربي الصهيوني- من جهة ثالثة.
لكن فرص إنجاز ما خططت له الدوائر الأميركية بهذا الخصوص قد تبدو معدومة في ظل العوامل التالية:
1- وجود مشاكل داخلية في الأردن تنذر بكارثة على المستويين الأمني والاقتصادي وتضع البلاد في قلب الحرب الدائرة، فضلاً عن الجدل الدائر في المملكة على خلفية الموقف الرسمي من سورية حيث أدى دعم الجماعات المسلحة في الجنوب على مدى خمس سنوات إلى تبخر «المعارضة المعتدلة» وتجذّر التنظيمات المتشددة والمتطرفة «كالقاعدة وداعش»، ومع وصول آلاف المقاتلين التابعين لهذين التنظيمين إلى الحدود الأردنية وسط تنامي البيئة الحاضنة لهما بالداخل (معان نموذجاً) يصبح من الصعب على المملكة الهاشمية احتواء «الجهاديين» ودرء خطرهم.
2- عدم قدرة الملك الأردني على استقطاب العشائر وجذب ولائها بالنظر إلى صعوبة التعامل معها لامتداداتها الواسعة في البلاد العربية والانقسامات والخلافات والتناقضات التي تحكمها، فبعضها بايع «داعش» وبعضها الآخر بايع «النصرة» (المجازر المروعة التي ارتكبها التنظيمان بحق العشائر في دير الزور وريف حلب وغيرها برهنت أن البيعة لا تحميها).
3- الوعي الوطني لدى قسم كبير من العشائر العربية السورية التي أعلنت وقوفها مع الدولة، ورفضها القاطع لأي «دعوة أو طرح أو مشروع يجردها من جوهرها الوطني وعروبتها» مجددةً تمسكها بالدولة والوحدة الوطنية، ودعمها ومساندتها للجيش باعتباره «الضامن القوي لوحدة البلاد»، وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى تدريب وتسليح من قبل الأردن للدفاع عن مدنهم وقراهم بوجه العصابات الإرهابية فأهل مكة أدرى بشعابها.
4- تراجع اهتمام النظام السعودي بالملف السوري بعد عاصفة «الحزم»، إذ إن سورية لم تعد أولوية له بسبب انشغاله بالمأزق اليمني.
والأهم من كل ما سبق أن محور المقاومة – وهو يرفع شعار (تحرير فلسطين) – يقرأ بوعي خطورة الدور الذي تنفذه أدوات واشنطن لتقسيم سورية وتفتيتها، وبالتالي لن يقف مكتوف اليدين حيالها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن