هموم معيشية
| نبيل الملاح
بدأت في المقال السابق بعرض بعض الهموم المعيشية، وتحدثت عن فوضى الأسواق والارتفاع المتلاحق للأسعار بشكلٍ غير مبرر.
ومتابعةً لهذا الموضوع، لابد من التأكيد على أهمية تحقيق الأمن الغذائي من خلال دعم القطاع الزراعي وتحفيز الفلاحين والمزارعين لزيادة الإنتاج وتنوع المحاصيل الزراعية بما يؤمن احتياجات البلاد ويغني عن استيرادها، وعلى الأخص المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشعير ولنتذكر أن صمود سورية في أواخر القرن الماضي في مواجهة الحصار الذي فرض عليها، كان بفضل ما تحقق في المجال الزراعي من إنجازات أدت إلى تحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على احتياطيات وفيرة من المحاصيل الاستراتيجية وأهمها القمح.
إن تحقيق الأمن الغذائي يدخل ضمن إطار الأمن القومي للبلاد، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال إهماله أو التقصير في الوصول إليه وهذا ما يجعل الزراعة الدعامة الأساسية للاقتصاد الوطني.
وإن تحقيق الأمن الغذائي لا يقتصر على وفرة المحاصيل الزراعية، بل يشمل إيصال هذه المحاصيل إلى المواطنين بأسعار معقولة تتناسب مع دخلهم.
أعود إلى فوضى الأسواق وأقول إن لهذه الفوضى أسباباً متعددة- وكلها غير مبررة- أهمها ضعف الإدارة الاقتصادية عموماً والإدارة المعنية بالتجارة الداخلية خصوصاً.
إن ظروف الأزمة التي تمر بها سورية تتطلب إدارة قوية وفاعلة لا تحابي أحداً وتضع مصلحة المواطن فوق وقبل أي اعتبار آخر، وعلينا أن ندرك أن هذه الفوضى التي تعيشها الأسواق سوف تنعكس سلباً على معيشة المواطنين وحياتهم، لمصلحة قلة من التجار والمستوردين الذين- على ما يبدو- تخلّوا عن ضميرهم الوطني والأخلاقي، ولابد من ضبطهم وإلزامهم بتطبيق القوانين والنسب المحددة لأرباحهم وعلى الجهات المعنية تأمين وصول المنتجات والمحاصيل الزراعية من أماكن تخزينها إلى الأسواق بيسر وسهولة دون تعقيد أو فرض أي أعباء إضافية (غير قانونية عليها).
وضمن هذا الإطار يأتي ارتفاع أسعار اللحوم والدجاج، التي باتت فوق قدرة المواطنين- وأقصد ذوي الدخل المحدود الذي يشكلون أغلبية الشعب، وأسأل هل يعقل أن سعر كيلو اللحمة يتراوح بين خمسة وستة آلاف ليرة سورية؟ وهذه اللحوم من إنتاج بلدنا، وكذلك الدجاج أقول هذا وأنا مدركٌ أن مسائل الأسواق والأسعار صعبة ومعقدة بطبيعتها وخاصةً في عصرنا هذا، لكني مؤمنٌ بأن حق المواطن في تأمين معيشته هو واجب على الدولة التي عليها أن تتحمل مسؤولية التصدي للآثار السلبية التي ظهرت بعد الأزمة بأبشع صورها من جشع وأنانية وتجاوز للقانون وتعد على حقوق الناس، بدلاً من التعاون والتكافل لتفاديها وتخفيفها.
إننا بحاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى تكريس سلطة القانون على الجميع دون استثناء، واستعادة هيبة مؤسسات الدولة لتقوم بدورها ومهامها المخولة بها قانوناً وهذا يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة التأني في اختيار القائمين عليها تحقيقاً لمبدأ «الرجل المناسب في المكان المناسب هذا المبدأ الذي أفقدته الأيام بريقه».
والمدخل الحقيقي للوصول إلى ذلك يكون في محاربة الفساد والحد منه بقوة وحزم، وذلك ممكن عندما تتوافر الإرادة لدينا جميعاً، ولابد أن تتوافر لتبقى سورية…
وللحديث تتمة