اقتصاد

استيقاظ مفاجئ!

| علي هاشم

على خلفية القروض المتعثرة، شهد السوريون تحولاً درامياً لبعض (نخبهم) الاقتصادية من (رجال أعمال محترمين) إلى مجرد لصوص مصارف بقفازات حريرية: اغتنوا على حساب الليرة وقدرتها الشرائية.. كبّلوا مؤسسات التمويل عن دورها الحيوي في زمن الحرب.. وبإصرارهم على الاحتفاظ بما ليس لهم، منعوا كل فرصة كان لها أن تتاح أمام نهوض منشآت تضرر أصحابها بحق جراء الإرهاب والنهب!.
لو يدري تجار الحرب هؤلاء، فإن استرداد ما سطوا عليه لهو أهون ما يمكن أن يواجهوه، إذ إن ممارسات مماثلة في زمن وجغرافيا مختلفين، كان له أن يعرضهم إلى محاكم استثنائية باعتبارهم شريكاً كامل العضوية في الحرب على السوريين، ومساهما نافذا في دفع اقتصادنا الوطني إلى ولادة مؤلمة من الخاصرة؟!.
ما اقترفه هؤلاء، يفسّر اللغة الحاسمة التي استجلبها رئيس مجلس الوزراء خلال (المسائية الاقتصادية) الأخيرة معلناً عزم الحكومة على فك الارتباط بين ملف القروض المتعثرة وانقطاع المصارف عن دورها التنموي في استنهاض الإنتاج، توازيا مع اعتماد (حلول القوة) لمواجهة تحصيل القروض التي يستوجب (تحصيلها بصرامة وبقوة القانون)، من دون الإخلال بواجب الحكومة في رعاية (من وضع قرضه المتعثر –فعلا- في منشأة وأتت عليها الحرب تدميراً وخراباً ونهباً).
مع المسائية الأخيرة، يخيل للمرء بأن الحكومة انتصبت دفعة واحدة من نوم طويل قضته في حيادها السلبي تجاه ملف الديون المتعثرة وما ساقته أمامها من تعطيل لدور القطاع المصرفي المطلوب خلال الحرب، فما قيل خلالها حول (استنهاض عمل المصارف الحكومية باعتبارها أداة التنمية) يدشن عصر قراءة جديدة لاقتصادنا الوطني بأبجدية واضحة تقطع مع سنوات قضتها إستراتيجياتنا رهينة إشارات مبهمة يُفهم من محصلتها استسلامنا لأحلام معلقة بمائدة ستهبط من السماء، وعلى صفحتها وصفة جهنمية تتيح لنا تحقيق شعارات النهوض بالإنتاج وتفجير الطاقات التصديرية، من دون الحاجة الى انشغالنا بعناء العمل على استعادة قطاعنا المصرفي المركون إلى ناصية طريق لا يمكننا عبورها، من دونه!.
بقدر ما يشيعه كلام رئيس المجلس من تفاؤل، فهو في المقابل يثير هواجس حيال تمرحل تطبيقه وعمق تطبيقه، فرغم أهمية استرداد الأموال العامة من جيوب اللصوص، فإن المضي في إعادة إحياء الاقتصاد الوطني بسرعة ومساعدة السوريين على استرداد قسط من قوتهم لمواجهة الأعباء المعيشية وإنقاذ الأسواق من كلا تضخمها وركودها المتزايدين، لا يقل أهمية، وهو ما لا يمكن أن يحصل من دون سياسة توسّعية تعيد حركية الإنتاج وتزيد القدرة التشغيلية.
وفي علاقة متعدّية، فتلك السياسة التوسعية ترتبط عضوياً ببرنامج إقراض مرن ومحط طلب وقادر على السير بثقة داخل حقل ألغام السياسة النقدية العامة، وهذا ما لا يمكن تحقيقه من دون انتشال مصارفنا الحكومية من براثن المخيلة الضيقة لبعض مفاصلها إفساحاً للمجال أمام مبادرات إبداعية تقطع مع الطريقة المدرسية التي اعتمدت لصياغة منتجات فاشلة (كالتشغيلي والتأجيري)، كما من دون تحريرها من فساد بعض مفاصلها (وفي مقدمهم حلفاء اللصوص إياهم) ضماناً لحسن تنفيذ أي خطة إقراضية حكومية عليا وعدم تشتيتها في قنوات خلفية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن