سورية

الرئيس بشار الأسد في حوار خاص مع «الوطن»: حلب ستغير مجرى المعركة كلياً في كل سورية وتعني فشل المشروع الخارجي الإقليمي والغربي

| أجرى الحوار : رئيس التحرير وضاح عبد ربه

أكد الرئيس بشار الأسد، أن قرار تحرير كل سورية بما فيها حلب متّخذ منذ البداية، وأن عملية تحرير المنطقة الشرقية من مدينة حلب مؤخراً لا تأتي في إطار سياسي وإنما في سياق الأعمال العسكرية الطبيعية.
وفي مقابلة خص بها «الوطن»، أرجع الرئيس الأسد الذعر الدولي والخوف على المسلحين داخل الأحياء الشرقية من حلب، لأن خسارتهم المعركة في حلب تأتي بعد إخفاق معارك دمشق في السنوات الأولى من الأزمة، وبعدها إخفاق معارك حمص، معتبراً أن تحرير حلب من الإرهابيين يعني ضرب مشروع الدول الداعمة لهم.
ورأى الرئيس الأسد، أنه بالمعنى الاستراتيجي «من يربح من الناحية العسكرية في دمشق أو حلب يحقّق إنجازاً سياسياً وعسكرياً كبيراً، كونها مدناً هامة سياسياً واقتصادياً»، لكنه أوضح أن ذلك «لا يعني نهاية الحرب في سورية»، و«لكن محطة كبيرة باتجاه هذه النهاية»، معتبراً أن الحرب لا تنتهي في سورية إلا بعد القضاء على الإرهاب تماماً.
وأكد الرئيس الأسد، أن العلاقة مع روسيا قائمة على مبدأ «الاحترام المتبادل»، و«التشاور»، وقال: «هم يخوضون الآن معنا معركة حقيقية ضد الإرهاب، وفي هذه الحالة نحن وهم شركاء»، مؤكداً أن موسكو لم تطلب أي مقابل من دمشق لقاء تدخلها إلى جانب الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب. ولم يستبعد الرئيس الأسد حصول مواجهة عسكرية مع تركيا إذا استمر تدخل جيش النظام التركي في الأراضي السورية، وقال «طالما أن الذي يقود دفة السياسة التركية شخص غير سوي ومضطرب نفسياً، كأردوغان، علينا أن نضع كل الاحتمالات، عندما تتعامل مع شخص غير سوي نفسياً، فلا مكان للمنطق، المنطق يقول إنه ليس هناك أي مصلحة لسورية وتركيا إلا بالعلاقات الجيدة. والحس الشعبي في تركيا، كما في سورية، لا يزال بهذا الاتجاه، ولكن بالمحصلة عندما يكون هناك تدخل تركي، فمن حق سورية أن تدافع عن أراضيها».
وحول ما اعتبره الكثيرون بأن وصول العماد ميشيل عون إلى سدة الرئاسة هو انتصار لسورية ولمحور المقاومة، وإن كان يعتبر وصول العماد عون نصراً لسورية، أعرب الرئيس الأسد عن اعتقاده بأن «تمكن اللبنانيين من انتخاب رئيس هو انتصار للبنان»، وأن «انتخاب اللبنانيين لشخص حوله إجماع هو أيضاً انتصار للبنان، وأن يكون هذا الشخص وطنياً هو أيضاً انتصار للبنان». وأضاف: «ولكن عندما يكون شخصاً وطنياً ويعمل لمصلحة الشعب اللبناني سيصبح لبنان أقوى، وعندما يكون لبنان أقوى ستكون سورية مرتاحة وستكون أقوى». وتابع: «الأهم من ذلك عندما يكون هناك شخص كالعماد ميشيل عون يعرف خطر الإرهاب حول لبنان على اللبنانيين فهذا أيضاً سيكون انتصاراً للبنان وانتصاراً لسورية خاصة عندما يعرف هذا الرئيس بأنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سميت سياسة النأي بالنفس».
وأوضح الرئيس الأسد، أن العلاقة بين دمشق والقاهرة، بدأت تتحسن بعد زوال حكم الأخوان في مصر، وهي «مازالت في طور التحسّن»، لكن «لم تصل للمستوى المطلوب، لأنها حتى هذه اللحظة محصورة بالإطار الأمني فقط»، متمنيا أن تنعكس تصريحات الرئيس عبد الفتاح السياسي الأخيرة التي أكد فيها دعم الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب على «رفع مستوى هذه العلاقة».
وقال: «الشيء الطبيعي أن تكون هناك علاقات كاملة كأي دولة. من غير المعقول أن يكون لدينا سفراء وزيارات من دول مختلفة أجنبية وعربية، وألا تكون العلاقة مع مصر بهذا الشكل. هذا بالنسبة لنا غير منطقي».
وإن دخلت العملية السياسية في سبات حتى وصول إدارة أميركية جديدة؟، قال الرئيس الأسد: «إذا قلنا أنها دخلت في سبات فهذا يعني أنها كانت على قيد الحياة، هي لم تكن كذلك، فهي منذ البداية لم تُبنَ على أسس واضحة، العملية السياسية ليست حواراً سورياً سورياً بحسب ما بُنيت عليه»، مضيفاً: «هي لم تُبنَ على مفاوضات بين سوريين وطنيين وإنما بين سوري وطني وسوري عميل.. كل ما سبق جعل من العملية مولوداً ميتاً منذ البداية..».
وأوضح الرئيس الأسد أن سورية شاركت في هذه العملية السياسية «لكي نسد الذرائع ولكي نثبت للجميع بأن الدول التي تتحدث عن حل سياسي – الغرب تحديداً – هو غير صادق، نحن نعرف اللعبة، وشاركنا فيها لفضحها».
ورد الرئيس الأسد على الأسئلة المتعلقة بصمود الاقتصاد السوري والفساد والإعلام، كما أجاب بكل صراحة على العديد من الأسئلة الخاصة وكان هذا اللقاء:

معركة حلب

الوطن: سيادة الرئيس، نبدأ من حلب، الجيش يتقدم في الأحياء الشرقية من حلب وبسرعة، لكن هناك مساعي أميركية وأممية أيضاً، وهناك مفاوضات مع روسيا لوقف القتال كلياً في هذه المناطق، هل قرار تحرير حلب بالكامل اتُّخذ؟

قرار تحرير كل سورية متّخذ منذ البداية، بما فيها حلب. لم نفكر في أي يوم من الأيام بتركِ أي منطقة من دون تحرير، لكن تطوّر الأعمال القتالية في السنة الأخيرة هو الذي أدى لهذه النتائج العسكرية التي نراها مؤخراً، أي إن عملية تحرير المنطقة الشرقية من حلب مؤخراً لا تأتي في إطار سياسي وإنما في سياق الأعمال العسكرية الطبيعية.

الوطن: لماذا هذا الذعر الدولي والخوف على المسلحين داخل الأحياء الشرقية من حلب، علماً أن أغلبيتهم من «النصرة» المصنّفة على لوائح الإرهاب؟

هناك عدة أسباب.. أولاً، بعد إخفاق معركة دمشق، أو معارك دمشق في السنوات الأولى من الأزمة، وبعدها إخفاق معارك حمص التي كان من المفترض أن تكون أحد معاقل الثورة الوهمية، أو الثورة المفترضة، انتقلوا إلى حلب كأمل أخير بالنسبة لهم.. وميزة حلب بالنسبة للإرهابيين وداعميهم أنها قريبة من تركيا، وبالتالي فالإمداد اللوجستي إلى حلب أسهل بكثير من جميع النواحي، فكان كل التركيز خلال السنتين الأخيرتين على موضوع حلب، لذلك فإن تحرير حلب من الإرهابيين يعني ضرب المشروع من قاعدته.. فدمشق مع حمص وحلب، يعني ألا يبقى في يدهم أوراق حقيقية، بالنسبة لتلك الدول، وبالنسبة للإرهابيين طبعاً.

الوطن: هذا يقودنا إلى السؤال حول مقولة «من يربح معركة حلب يربح الحرب في سورية».. هذا ما يروّجه كثيراً الأتراك والأميركيون. هل هي مقولة صحيحة؟

من الناحية العسكرية، لنقل إنها صحيحة، لأن دمشق وحلب أهم مدينتين، فمن يربح من الناحية العسكرية في دمشق أو حلب يحقّق إنجازاً سياسياً وعسكرياً كبيراً، لكونها مدناً مهمة سياسياً واقتصادياً.. هذا بالمعنى الإستراتيجي. لكن بالنسبة إلى حلب، ولأن المشروع التركي مبنيّ عليها، فإن ذلك يعطيها أهمية خاصة.. وكلنا نعلم اليوم أن كل الدول الغربية والإقليمية تعتمد على تركيا في تنفيذ مشروعها التخريبي والتدميري في سورية، ودعم الإرهابيين.. فلأن تركيا وضعت كل ثقلها وأردوغان وضع كل رهانه على موضوع حلب، ففشل المعركة في حلب يعني تحوّل مجرى الحرب في كل سورية، وبالتالي سقوط المشروع الخارجي، سواء كان إقليمياً أم غربياً، لهذا السبب، صحيح أن معركة حلب ستكون ربحاً، لكن لكي نكون واقعيين لا تعني نهاية الحرب في سورية.. أي إنها تعني محطة كبيرة باتجاه هذه النهاية، لكن لا تنتهي الحرب في سورية إلا بعد القضاء على الإرهاب تماماً، فالإرهابيون موجودون في مناطق أخرى، حتى لو انتهينا من حلب، فإننا سنتابع الحرب عليهم.

الوطن: سيادة الرئيس، في هذا السياق هناك أسئلة يطرحها حتى الحلبيون، لماذا كل هذه الهدن المتكررة التي حصلت في حلب. طوال العام الماضي كان هناك هدنة تلو أخرى، هل كان ذلك لتجنيب الجيش معركة كبيرة، أم لفتح المجال لروسيا لخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة وتركيا؟

إذا نظرنا إلى الهدن بشكل عام، فنحن كنا نسير دائماً مع مبدأ الهدنة، وذلك لأسباب عدة.. أوّلاً، الهدنة تفسح المجال للمدنيين للخروج من المناطق التي يحتلها الإرهابيون، تعطي المجال لإدخال المساعدات الإنسانية، وتعطي الإرهابيين فرصة لإعادة التفكير في موقفهم في حال أرادوا أن يقوموا بتسوية أوضاعهم مع الدولة، أو في حال أرادوا الخروج من المنطقة التي يحتلونها كما يحصل عادة.. الهدنة تعطي الفرصة للتخفيف من التدمير. وفي الوقت نفسه، نحن بالنسبة لنا من الناحية العسكرية، أولى أولوياتنا سلامة وأمان المقاتل.. فبكل تأكيد من كل هذه الجوانب، الهدنة لها فوائد، ولذلك كنا دائماً نسير باتجاهها، والمصالحات هي إحدى نتائج هذه الهدن.. من المؤكد أنها حققت نتائج على الأرض.. لكن لو أخذنا حلب بشكل خاص، فلأن حلب كانت أساس المشروع المعادي مؤخراً، فإن طلب الهدنة من القوى الأخرى لم يكن للأسباب التي ذكرناها الآن، بل كان لأسباب أخرى.. كلنا نعرف أنهم يريدون أن يعطوا الإرهابي فرصة لكي يتنفس، ولكي يقوي موقعه، ولكي يقوموا بإرسال إمدادات لوجستية له سواء عبر التهريب، أم تحت غطاء مساعدات إنسانية أو ما شابه، كل ذلك ليتمكن الإرهابيون من استعادة مواقع خسروها أو ليقوموا بالهجوم على الجيش وإكمال الخطط التي كُلفوا بها، لذلك كانت الهدن تفشل.. وفي الوقت نفسه، من الناحية السياسية، الهدن كانت بالنسبة لنا مفيدة لكي نثبت لكل من لديه شك بأن هذه الدول تكذب وأنها تريد هذه الهدنة ليس من أجل الشعب، وليس لأنها حريصة على وقف سفك الدماء، ولكن لأنها تريد شيئاً واحداً فقط هو تعزيز مواقع الإرهابيين.. لذلك كنا نسير معهم بالهدنة مع الأخذ في الاعتبار النيات الحقيقية لهذه الدول.. وعندما كانوا يقومون بأي عمل يضرّ بمبدأ الهدنة، كنا نعتبرها لاغية ونتابع الأعمال القتالية. هذا هو السبب بالنسبة للهدن المتكررة بشكل عام، ولكن بشكل خاص في حلب.

الوطن: إذاً، هل انتهت الهدن اليوم؟

عملياً غير موجودة طبعاً.. هم ما زالوا مصرّين على طلب الهدنة، وخاصة الأميركيين، لأن عملاءهم من الإرهابيين أصبحوا في وضع صعب.. لذلك تسمع الصراخ والعويل واستجداء الهدنة هو الخطاب السياسي الوحيد الآن، بالإضافة طبعاً إلى الحديث عن النواحي الإنسانية.

روسيا
الوطن:سيادة الرئيس، سأنتقل من حلب إلى العلاقات الدولية.. حتى الآن في الغرب يصورون العلاقة السورية – الروسية كعلاقة تبعيّة.. أن سورية تابعة لروسيا وأنه لم يعد هناك قرار مستقل في دمشق، بل القرارات تصدر كلها من موسكو. ما ردّكم على هذه الادعاءات؟

أولاً، دعنا نقُل بأن الغرب يُفكر بهذه الطريقة لأنه يعيش هذه الحالة، أنت تعلم بأن كل الدول الغربية الآن هي تابع لسيد واحد وهو الأميركي، وفجأة هذا المايسترو الأميركي يُحرك العصا، فيتحرك الكل باتجاه واحد سياسياً أو عسكرياً أو حتى إعلامياً، ما هذه المصادفة أن يكون الإعلام الغربي من أقصى أوروبا إلى أقصى أميركا يتحدث برواية واحدة، ما هذه الديمقراطية؟ وما هذه الحرية؟ فإذاً، هم يعيشون حالة تبعية وعلاقتهم بالدول الأخرى في منطقتنا أيضاً علاقة تبعية، المعروف أن أغلب الدول في هذه المنطقة هي تابعة لدول ومحاور غربية بشكل أو بآخر، فهم يتحدثون بهذا المنطق، أما بالنسبة لروسيا فنحن تعاملنا مع كثير من الروس الآن وفي الفترة الأخيرة، عدا عن معرفتنا بهم خلال عقود، عبر تاريخ العلاقة مع الاتحاد السوفييتي وروسيا لاحقاً، وخلال الظروف المختلفة التي مرت بها هذه العلاقة، وهي ظروف حملت تبدلات جذرية، لم يحدث مرة واحدة أن الروسي حاول أن يفرض علينا شيئاً، حتى في لحظات الخلاف ومنها كان الدخول إلى لبنان، ورغم اختلافنا مع الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، ولكن لم يحاول أن يفرض علينا قراراً معيناً مع أننا كنا نعتمد عليه كثيراً وخاصة في موضوع السلاح، واليوم الشيء نفسه بالنسبة لجمهورية روسيا الاتحادية، هو ليس فقط مجرد أسلوب يعتمده الرئيس أو القيادة الروسية، هي ثقافة شعبية بالنسبة إليهم، عندما تلتقي بكل المستويات الموجودة لديهم وبمختلف القطاعات، لديهم ثقافة واحدة تقوم على الأخلاق.. وعلى احترام للذات وللسيادة، لذلك السياسة الروسية اليوم ترتكز على المبادئ، لأن هذه المبادئ هي حالة شعبية وثقافية موجودة. فعندما يقولون إنهم يؤكدون على قرارات مجلس الأمن، على سيادة الدول، على احترام الآخرين، على احترام إرادة الشعب السوري أو غير السوري، فهم يعكسون ثقافتهم ويطبقونها بشكل يومي ومستمر، لذلك أستطيع أن أؤكد مرة أخرى أنهم لم يقوموا بخطوة واحدة بسيطة أو معقدة أو أساسية أو كبيرة، بغض النظر عن التسميات، إلا وكانت بالتشاور مع سورية. طبعاً أغلب هذا التشاور يكون بشكل غير معلن، ولأن اللعبة اليوم هي لعبة دولية بين الغرب الذي يريد تحجيم وإحراج روسيا، وبين روسيا وحلفائها، لذلك تقوم روسيا بالإعلان عن خطوة أو اتفاق ما. وهنا قد يظهر بالنسبة للبعض أن القرارات تصدر من روسيا ولكن الواقع مختلف والعلاقة هي علاقة احترام متبادل، طبعاً، هم يخوضون الآن معنا معركة حقيقية ضد الإرهاب، في هذه الحالة نحن وهم شركاء ولا يمكن أن نقول إن القرار هو سوري فقط، والروس ليس لهم علاقة. أيضاً هذا كلام غير منطقي، هناك تشاور يومي، هناك اتفاق واختلاف ولكن بالمحصلة نتفق على قرار واحد، ونأخذ قراراً واحداً.

الوطن: سيادة الرئيس، في هذا الموضوع، هناك من يتساءل هل هناك ثمن ستدفعه سورية للمساعدة الروسية أو للتدخل الروسي على سبيل المثال؟ هذا حديث يدور في الشارع، هل الروسي يطالب بمقابل لتدخّله في سورية؟

نهائياً، لم يطالبوا بأي شيء، بالعكس نحن نريد أن نعزز هذه العلاقات وندعو قبل الأزمة وبعد الأزمة لاستثمارات روسية في سورية، وهم في المقابل لم يحاولوا استغلال هذا الموضوع من قريب ولا من بعيد. كما قلنا الجانب المبدئي هو أساسي في سياساتهم، وبالوقت نفسه الحرب على الإرهاب، هي ليست فقط حرباً من أجل سورية. هي حرب من أجل روسيا، وحرب من أجل العالم بشكل عام وأوروبا والمنطقة. الروسي واعٍ لهذا الموضوع على المستوى السياسي وعلى المستوى الشعبي، لذلك أعتقد إذا تحدثنا عن المبادئ فهي موجودة وإذا تحدثنا عن المصالح فهي أيضاً مصالح مشتركة بين البلدين. وهم قالوا هذا الكلام علناً، نحن نُدافع عن الشعب الروسي من خلال منع الإرهاب من المجيء إلى روسيا. قالوها في أكثر من مناسبة.

تركيا

الوطن:بالموضوع التركي، خلال فترة من الفترات سمعنا عن زيارة وفود أو وفد تركي بعباءة دبلوماسية، وحديث عن تحول في الموقف التركي، بعدها تدهورت العلاقات أكثر فأكثر وتدخلت تركيا في الأراضي السورية ووصفتم التدخل بالغزو، هل يمكن أن تصل الأمور اليوم إلى مواجهة عسكرية مع تركيا إذا استمر التدخل؟

ما دام الذي يقود دفة السياسة التركية شخص غير سوي ومضطرب نفسياً، كأردوغان، علينا أن نضع كل الاحتمالات، عندما تتعامل مع شخص غير سوي نفسياً، فلا مكان للمنطق، المنطق يقول إنه ليس هناك أي مصلحة لسورية وتركيا إلا بالعلاقات الجيدة. والحس الشعبي في تركيا، كما في سورية، لايزال بهذا الاتجاه، ولكن بالمحصلة عندما يكون هناك تدخل تركي، فمن حق سورية أن تدافع عن أراضيها، هذا شيء بديهي، وسنقوم بذلك طبعاً.. الآن هناك أولويات عسكرية تفرض نفسها ولكن بالمبدأ لنا الحق بالتأكيد، ولكن نتمنى أن يتمكن الواعون في تركيا حتى ذلك الوقت من دفع أردوغان باتجاه التراجع عن حماقاته ورعونته بالنسبة للموضوع السوري، عندها نتفادى مثل هذا الاصطدام، ويجب أن نعمل على ذلك.

الوطن: بعد توتر روسي – تركي عادت العلاقات إلى طبيعتها، وفي حوار سابق وصفتم أن العلاقات الجيدة بين موسكو وأنقرة مفيدة لسورية، لكن تضطر روسيا يومياً إلى تذكير تركيا بضرورة عدم التدخل في الشؤون السورية خاصة بعد التصريحات النارية لأردوغان حول سورية وحول سيادتكم شخصياً. هل تعتقدون أن العلاقة لا تزال مفيدة بين موسكو وتركيا وتخدم سورية؟ هل تعتمدون على روسيا لإقناع أردوغان؟

يبقى لدينا دائماً نوع من الأمل، رغم أنه في كثير من الأحيان أنت تعرف أنك قد لا تصل إلى نتيجة، خاصة من خلال معرفتي الشخصية بأردوغان، هو شخص غير سياسي، هو شخص عقائدي بالمعنى الديني المنحرف، وهذا النوع من الأشخاص عنيد، لا يمكن أن يقرأ الواقع بشكل صحيح. والأحداث خلال السنوات الخمس الماضية أثبتت هذا الشيء، لكن حتى هذا الأمل المفقود بأن يتغير أردوغان، لا يمنع من أن يبقى لديك شيء من بصيص الأمل بأن هناك من سيتمكن من تغييره، سواء كان من داخل تركيا أم من خارجها وخاصة روسيا، ولاسيما أن روسيا بالنهاية هي دولة عظمى ولديها حدود مباشرة مع تركيا، وتركيا لديها مصالح مع روسيا.. لا شك في أن اضطراب العلاقات بين البلدين أضعف أردوغان في الداخل وأثبت إخفاق سياسته. أعتقد بأن هناك ضغطاً على أردوغان من الداخل لتصحيح العلاقة مع روسيا. وبكل تأكيد روسيا ستستغل هذا الشيء من أجل إقناعه بالتخلي عن الإرهاب.

الولايات المتحدة

الوطن: يقول الرئيس دونالد ترامب في تصريحاته إنه ليس مهتماً بإزاحة الرئيس السوري عن السلطة والتدخل في الشؤون السورية، وإن هدفه محاربة داعش. هل تؤمنون أن هناك إمكانية للتعاون مع الجيش الأميركي في محاربة داعش، وخاصة أن اتفاق 9 أيلول الذي تم بين الروس والأميركان عطلته وزارة الدفاع لأنها تؤمن أن جبهة النصرة هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تستخدم لتهديد النظام في سورية؟

مبدئياً، منذ العام 1985، دائماً نقول بضرورة وجود تحالف ضد الإرهاب، ودائماً نصرح ونعلن بشكل مستمر بأن سورية مستعدة للتعاون مع أي طرف يسعى بشكل جدي لمحاربة الإرهاب. هذا بالمبدأ العام، وهذا ينطبق على أميركا، وينطبق على كل الدول.. ولكن واقعياً هل أميركا قادرة على الذهاب بهذا الاتجاه؟ إذا تحدثنا عن موضوع الذي ذكرته مؤخراً حول دور وزارة الدفاع والذي يظهر كأنه دور مناقض للبيت الأبيض، والبيت الأبيض يسير بسياسة مختلفة عن وزارة الخارجية. الحقيقة أن الدولة الأميركية في السنة الأخيرة ظهرت بوضع يشبه الفصائل المسلحة في سورية، عندما تتصارع من أجل الغنيمة والمكاسب، وهذا الأمر ليس بجديد لكنه بدا أكثر وضوحاً. لذلك ترى تصريح الصباح يختلف عن سياسة المساء، وسياسة المساء تختلف عما يقومون به من تطبيق لهذه السياسة في اليوم التالي وهكذا… والتصريحات متناقضة بين اللوبيات والإدارات، وتشعر بأنه لا سياسة محددة، هي صراعات. هذه حقيقة. هل يستطيع الرئيس الجديد أن يضبط هذه الأمور؟ هذا سؤال صعب الإجابة عنه. هل يستطيع أن يواجه الإعلام الذي هو جزء من منظومة الدعاية الكاذبة والمخادعة؟ هل انتخاب ترامب هو كرد فعل من الشعب الأميركي على المؤسسة السياسية القائمة؟ أسئلة كثيرة معقدة، إذا تمكن ترامب من تطبيق ما صرح به خلال الحملة الانتخابية بأنه سيحارب الإرهاب، وأن أولويته هي داعش، وتمكن من جمع كل القوى أو التيارات الأميركية والمؤسسات بهذا الاتجاه، عندها يكون هذا الكلام واقعياً. ولكن علينا أن ننتظر لنرى ما الذي سيحصل في أميركا.

فرنسا

الوطن:سيادة الرئيس، تتمة لموضوع انتخاب ترامب. منذ أيام فرانسوا فيون أيضاً حقق مفاجأة ونال أصوات اليمين الفرنسي، وهو المرشح الأقوى للوصول للإليزيه في باريس. والاثنان يريدان حواراً مع دمشق، هل كما يقال إن سورية محظوظة، أم إن ما يحصل هو سياق طبيعي للتغييرات على مستوى الرأي العام، وقد تكون ناجمة عن أخطاء سياسية ارتكبت في المنطقة؟

أنا لا أقول حظاً، وفي الوقت نفسه لا أقول إن المرء يسيطر على كل شيء. فكل شيء لا تسيطر عليه هو يأتي في إطار الحظ كمصطلح، ولكن هنا نسأل سؤالاً: هل يا ترى هذه التغييرات في أوروبا في الغرب هي نتيجة ما يحصل في سورية، أم نتيجة عوامل داخلية في تلك الدول؟ بكل تأكيد هناك عوامل داخلية قد تكون لها علاقة بيأس المواطنين من أشياء كثيرة مرتبطة بسياسات داخلية لديهم، ولكن في الوقت نفسه أحد أهم عوامل السياسة الداخلية الآن والحوار السياسي في أوروبا هو موضوع الإرهاب الذي بدأ يضرب أوروبا، وموضوع الهجرة إليها. هذه العوامل مرتبطة بشكل مباشر بما يحصل في سورية، لا يعني بأننا أرسلنا مهاجرين، ولا يعني بأننا أرسلنا إرهابيين، ولكن كنا نحذر من هذا الشيء، وخاصة موضوع الإرهاب، كنا نقول إنه سيضرب أوروبا، وكانوا يقولون الرئيس السوري يهدد. أنا لم أكن أهدد، بل كنت أحذر. فإذاً هذه الأشياء ساهمت في خلق استياء، ساهمت في كشف الخداع الغربي على مستوى الإعلام، وعلى مستوى السياسة والمؤسسات واللوبيات المرتبطة بها، وساهمت بالضغط الشعبي في الدول الغربية باتجاه التبديل. لا نستطيع أن نقول حظ. أيضاً لولا صمود الدولة السورية، ولولا صمود الشعب السوري قبل الدولة، لثبت للمواطن الغربي بأن الرواية الكاذبة هي حقيقة، ولكن أيضاً صمود سورية والشعب السوري بشكل عام هو الذي جعل هذه الرواية تفقد قيمتها وحقيقتها وفحواها، ومن ثم تؤدي إلى ما أدت إليه من نتائج، بالإضافة طبعاً إلى عوامل أخرى داخلية في تلك الدول لا علاقة لسورية بها.

الوطن: هل سورية مستعدة للانفتاح على فرنسا في حال تقدمت باقتراح لحوار مع دمشق؟

طبعاً عندما تتغير السياسة الأوروبية، نحن ليس لدينا مشكلة. نحن فعلاً نريد علاقة مع كل دول العالم بما فيها الغرب، رغم معرفتنا مسبقاً بنفاقه، وعندما كانت علاقتنا جيدة في 2008 حتى 2011، كان النفاق موجوداً. الغرب لم يتبدل. دائماً منحاز ومنافق. ولكن نحن نتحدث عن المصالح، مصالح الدول تتطلب علاقات.

لبنان

الوطن: في الشأن اللبناني، اعتبر الكثيرون أن وصول العماد ميشيل عون إلى سدة الرئاسة هو انتصار لسورية ولمحور المقاومة هل تعتبرون شخصياً وصول العماد عون نصراً لسورية؟

أنا أعتقد أولاً أن تمكن اللبنانيين من انتخاب رئيس هو انتصار للبنان، انتخاب اللبنانيين لشخص حوله إجماع هو أيضاً انتصار للبنان، وأن يكون هذا الشخص وطنياً هو أيضاً انتصار للبنان، ولكن عندما يكون شخصاً وطنياً ويعمل لمصلحة الشعب اللبناني سيصبح لبنان أقوى، وعندما يكون لبنان أقوى ستكون سورية مرتاحة وستكون أقوى، الأهم من ذلك عندما يكون هناك شخص كالعماد ميشيل عون يعرف خطر الإرهاب حول لبنان على اللبنانيين فهذا أيضاً سيكون انتصاراً للبنان وانتصاراً لسورية وخاصة عندما يعرف هذا الرئيس بأنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سميت سياسة النأي بالنفس.

الوطن: هل تمت دعوته إلى دمشق؟
لا ليس بعد، الآن هم مشغولون بتشكيل الحكومة.

مصر
الوطن: سيدي الرئيس، كان هناك تصريحات منذ أيام للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول أن مصر تدعم الجيش السوري في مواجهة الإرهاب. أيضاً كان هناك زيارة منذ فترة لمدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك إلى القاهرة. هل هناك تطورات جديدة في العلاقات مع مصر؟

بالنسبة للعلاقات السورية المصرية خلال السنوات الأخيرة، وخاصة خلال فترة الحرب على سورية، لا شك في أنها انحدرت لمستويات متدنية وخاصة خلال حكم الإخونجي مرسي في ذلك الوقت، ولكن حتى في ذلك الوقت لم تصل لدرجة القطيعة، ليس لأن مرسي لا يرغب، أو «الإخونجية» لا يرغبون، ولكن لأن المؤسسة الأمنية العسكرية لم تكن ترغب في هذه القطيعة، فبقي هناك قنصلية تعمل بالحد الأدنى من الموظفين. طبعاً بعد زوال حكم الإخوان في مصر، بدأت هذه العلاقة تتحسن وهي مازالت في طور التحسّن، وكانت زيارة اللواء علي مملوك، والتصريحات الأخيرة للمسؤولين المصريين وعلى رأسهم الرئيس السيسي، هي مؤشر لهذه العلاقة، ولكن لم تصل للمستوى المطلوب، لأنها حتى هذه اللحظة محصورة بالإطار الأمني فقط. من جهة أخرى، هناك قنصليات، هناك سفارات لكن لا سفراء، لا زيارات على مستوى الخارجية، لا تشاور سياسياً. عملياً لا تستطيع أن تقول إن هذه العلاقة طبيعية حتى الآن. طبعاً لا معوقات من قبل سورية، نحن نريد أن تكون هذه العلاقة طبيعية، ومصر بالنسبة لنا هي دولة مهمة، ونتمنى أن تنعكس تصريحات الرئيس السيسي على رفع مستوى هذه العلاقة. في الوقت نفسه نحن نعرف بأن الضغوطات على مصر لم تتوقف سواء من الغرب الذي يريد منها أن تلعب دوراً هامشياً باتجاه محدد، أم من بعض مشيخات الخليج التي لم تدخل التاريخ، وتريد من دولة تحمل واحدةً من أقدم الحضارات في العالم أن تكون مثلها. لذلك أستطيع أن أقول إن العلاقة تتحسن ببطء، ولكن الأفق ما زال محدوداً بالإطار الأمني.

الوطن:هل نحن بانتظار خطوة جديدة من مصر؟

نتمنى أن تسأل الدولة المصرية: ما المعوقات؟ لا نستطيع أن نجيب نيابة عنها. ولكن نعتقد بأن الشيء الطبيعي أن تكون هناك علاقات كاملة كأي دولة. من غير المعقول أن يكون لدينا سفراء وزيارات من دول مختلفة أجنبية وعربية، وألا تكون العلاقة مع مصر بهذا الشكل. هذا بالنسبة لنا غير منطقي، وخاصة لو ذهبت إلى مصر اليوم وسبرت المشاعر الشعبية باتجاه سورية، فستجدها حارة جداً.. وأكثر من قبل الأزمة بكثير. والشيء نفسه طبعاً من قبل الشعب السوري.

إيران

الوطن: سيادة الرئيس تحدثت عن موضوع الإخوان المسلمين. هناك استفسار مطروح منذ سنوات، كيف يمكن أن نفهم أن الحليف القوي لسورية وهو إيران لا تزال تتحاور مع الإخوان المسلمين ولديها علاقات ممتازة مع أردوغان، وفي الوقت نفسه هي حليفة لسورية وتقاتل معها، هل تتشاورون مع الإيرانيين في هذا الموضوع؟

طبعاً وفي كل التفاصيل. إيران دولة، والدولة تبني سياستها على المبادئ بالدرجة الأولى، ولكن العلاقات بين الدول ليس من الضروري أن تُبنى فقط على المبادئ المشتركة. بكل تأكيد ليس هناك مبادئ مشتركة بين الدولة الإيرانية والإخوان المسلمين، ولكن ضمن دور الدولة الإيرانية في خلق الاستقرار في المنطقة، فهي تسعى إلى فتح علاقات في كل الاتجاهات بما فيها مع الدولة التركية. أردوغان إخونجي، ونظامه يأخذ الاتجاه نفسه، مع ذلك فإن الحوار الإيراني التركي لا يتوقف. هذا لا يعني أن المبادئ والرؤى مشتركة، وإنما الجانب الإيجابي في هذه الحالة يشبه العلاقة الروسية التركية، هي محاولة تخفيف الأذى والضرر، الشيء نفسه هو حوار إيران مع الإخوان المسلمين، هي محاولة جلب هذه المجموعات ربما باتجاه أن يكونوا معارضة سياسية بعيدة عن الإرهاب.. وهنا نعود إلى النقطة نفسها، نحن ليس لدينا أمل أنهم سيتغيرون، هم كذلك منذ ثمانين عاماً، ولكننا لسنا ضد أي دولة أو جهة تحاول إبعاد هذه الجماعة عن الإرهاب وخاصة أنه في السابق، في الثمانينيات، هناك مجموعات خرجت من الإخوان ونبذت العنف، أي على المستوى الفردي هناك مجموعات عادت إلى سورية وعادت إلى الحالة الوطنية، وعاشت وماتت في سورية، فهذا الشيء ممكن على المستوى الشخصي ولكن يبقى بأمل محدود.

الوطن: ولكن إيران تدعم حماس أيضاً، وحماس كان لها دور ومشاركة في الحرب على سورية؟

نحن أيضاً كنا ندعم حماس ليس لأنهم إخوان، كنا ندعمهم على اعتبار أنهم مقاومة، وثبت في المحصلة أن الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، وفي أي قالب يحاول أن يقولب به نفسه، وفي أي قناع يحاول أن يلبسه، يبقى من الداخل إخونجياً إرهابياً ومنافقاً.

الوضع في شمال سورية والأكراد
الوطن: في موضوع الشمال السوري، قلتم في لقاء سابق إن موضوع الحكم الفدرالي يعود للشعب أن يقرره، لكن على أرض الواقع هناك ملامح بدأت تتشكل للفدرالية في الشمال، ولا يزال موضوع الفصائل المسلحة الكردية موضوعاً جدلياً، فتارة تقاتل إلى جانب الجيش السوري، وتارة تقاتل الجيش السوري، ما الموقف الحقيقي من هذه الفصائل؟ وكيف تنظرون إلى تطور المشهد في الشمال؟

هذه الفصائل متنوعة، منها الوطني ومنها المرتزق، منها من يسعى باتجاه الانفصال والفدرالية. هناك تنوع، المشهد معقد جداً، لا نستطيع أن نأخذ موقفاً واضحاً وإنما حسب الحالة، الأولوية اليوم هي للتعامل مع الإرهاب، الآن نقول كل فصيل يكافح الإرهاب ويقاتل الإرهابيين نحن نقوم بدعمه.
موضوع الفدرالية موضوع آخر، يرتبط أولاً بالدستور، وثانياً بالحالة الشعبية في تلك المنطقة، لا الدستور يسمح بهذا الأمر، وتبديل الدستور بحاجة إلى استفتاء، ولا الحالة الشعبية تذهب بهذا الاتجاه، حتى بين الأكراد أنفسهم. القسم الأكبر من الأكراد ليس مع هذا الطرح، هم يستغلون غياب الدولة في عدد من المناطق في الشمال كي يوجدوا بنى محددة، اجتماعية ذات شكل سياسي لإدارة شؤون الناس، ويتحدثون عن فدرالية، هذه البنى مؤقتة، ولكن التعامل مع الفدرالية بالنسبة لنا لا يمكن أن يتم إلا بعد الانتهاء من موضوع الإرهاب، عندها ستعود المسألة للشعب، بالنسبة لنا كدولة كل ما يقبل به الشعب السوري نقبل به، ولا أعتقد أن الشعب السوري يقبل بالفدرالية في أي مكان في سورية، لذلك أنا لست قلقاً من هذا الطرح.

الوطن:لكن هل أنتم قلقون على مستقبل سورية عموماً في ظل حديث بدأ ينمو عن الطوائف والأعراق وحتى المبعوث الأممي بدأ يطرح حلولاً طائفية؟

قد تستغرب أني كنت قلقاً من هذا الموضوع قبل الحرب وليس بعد الحرب، ربما في السنة الأولى في الحرب نعم لأن هذا الطرح انتشر في المجتمع وتمكن من التأثير، ولكن بعد عام وبعد عامين، أصبحت الصورة واضحة. أنا أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب، قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً لأن الأمور اتضحت له، وبات يميز بين التعصب والتديّن، بين الطائفية والتدين، وأصبحت الفروقات واضحة، وعرف المجتمع أن مصلحته في أن يقبل الجميع بعضهم بعضاً، وأن يحترم الجميع مختلف الأطياف الدينية والطائفية والعرقية في المجتمع السوري لأنها الطريقة الوحيدة لوجود سورية. لذلك أعتقد بأن الحرب على وحشيتها ومساوئها كان لها جوانب مفيدة للمجتمع السوري من هذه الناحية، لذلك علينا ألا نقلق، إذا تمكنا من ضرب الإرهاب فأنا أقول لك إن ذاك المجتمع سيكون أفضل بكثير من المجتمع السوري الذي عرفناه قبل الأزمة.

الوطن: في موضوع الزيارات التي تتم إلى سورية، كان هناك زيارات لوفود أمنية منها فرنسية ومنها ألمانية وبلجيكية، ومنذ أشهر قام مسؤول سوري بزيارة إلى إيطاليا، ما الذي يدور في هذه الاجتماعات؟ ما الذي يريدونه وما الذي تريده سورية؟ سمعنا أن سورية تريد فتح السفارات، ما حقيقة الأمر؟ لماذا يأتون إلى سورية طالما هم في حالة عداء؟
الذي حصل في الغرب أن القوى السياسية التي وقفت ضد سورية، القوى التي في الحكم طبعاً، ذهبت بعيداً في أكاذيبها، وعندما ثبت أن ما كنا نقوله صحيح وأنهم بدؤوا يدفعون ثمن الزلزال السوري والزلزال العربي بشكل عام، لم يكن لديهم المقدرة ليظهروا ويقولوا لشعوبهم نحن أخطأنا وعلينا أن نفتح علاقات مع سورية ونبدل موقفنا فبدؤوا بالحد الأدنى الممكن وهو إرسال الأجهزة الأمنية لسورية للتعاون الأمني معها من أجل حماية شعوبهم، في الوقت نفسه الذي يقومون فيه بدعم الإرهابيين في سورية، فقلنا لهم إن هذا الكلام غير منطقي، أولاً لا يمكن أن نساعدكم في المجال الأمني وأنتم تعملون ضدنا في المجال نفسه. في الوقت نفسه لا يمكن أن نتعاون معكم أمنياً وأنتم تعملون ضدنا في السياسة بالحد الأدنى.. طبعاً بعض الدول لا تدعم الإرهابيين مباشرة. ولكن بالحد الأدنى لابد أن يكون الغطاء لأي تعاون مؤسسي هو التعاون السياسي، فلا يمكن أن نسير معكم في المجال الأمني وتسيرون عكسنا في المجال السياسي. كل شيء هو انعكاس للسياسة، فتح السفارات لا يهمنا ولا يعنينا، بالعكس، سفاراتهم هي مراكز جاسوسية بالنسبة لنا في سورية، لا تعنينا على الإطلاق، ما يهمنا هو السياسات، إذا بدلوا سياساتهم واتفقنا معهم في السياسات وتأكدنا أنهم لا يعملون ضد مصلحة الشعب السوري عندها يكون هذا الكلام ممكناً. طبعاً معظم هذه الأجهزة الأمنية كانت لديها القناعات نفسها، والبعض منهم كان يعدنا بأنه سيذهب لينقل هذه الصورة ويحاول إقناع السياسيين، ولكن هذا غير ممكن، لأن هذا السياسي عندما يقول عكس ما قاله قبل سنوات سيظهر بأنه كاذب أمام ناخبيه، لذلك هو لا يفكر في مصلحة شعبه وإنما يفكر في انتخاباته المقبلة، فلم يحصل شيء ولم يكن هناك أي تعاون.

الوطن: هل ما تزال هذه الزيارات قائمة؟

نعم لم تتوقف، من وقت إلى آخر، ومن معظم دول العالم التي أخذت موقفاً ضد سورية.

الوطن: سيادة الرئيس، هم ذهبوا بعيداً في موقفهم هذا مسوّغ يستخدمونه دائماً وأن الاستدارة باتت صعبة جداً، لكن الجميع يبحث عن طريق للعودة – إذا صح التعبير – هل يمكن أن تسهلوا عليهم هذا الطريق؟

هذا السؤال طُرح مع عدد من الوفود الغربية والأجنبية التي استقبلتها، كنت أقول لهم: هم يريدون الحفاظ على ماء الوجه، لا مانع، هم صعدوا إلى الشجرة ويريدون منا أن نساعدهم في النزول، لا مانع. لكن على الأقل أي مسؤول يستطيع أن يوجد مئة مسوّغ منها أن يقول إنه يريد حماية شعبه من الإرهاب، وحماية هذا الشعب تدفعه باتجاه تحويل السياسة ليس لأنه كان مخطئاً ولكن لأن الظروف تبدلت، هم لديهم مئة حجة لو أرادوا ولكن هذا ليس مسموحاً لهم من قبل أميركا.
هم يريدون التقدم خطوات باتجاه الأمام ولكن الضغط الأميركي يعيدهم إلى نقطة الصفر في كلّ مرة. هم بحاجة للاستقلالية عن أميركا وهذا غير متوفر حالياً، ومن ثم فالحجج لا تكفي ومساعدتنا لهم لا تكفي فأميركا تضغط عليهم وتمنع كثيراً من الأشياء.

إسرائيل العدو

الوطن: سيادة الرئيس في نهاية هذا الملف السياسي الدولي، قبل الحرب على سورية، كان المعروف لنا في سورية أن لدينا عدواً واحداً هو إسرائيل، وكلّ جهدنا يصب في محاربة إسرائيل. اليوم بعد ست سنوات من الحرب على سورية هل من الممكن إضافة أعداء جدد لسورية رسمياً؟

كلمة عدو لكي تكون دقيقة مرتبطة ببلد يحتل أرضك وليس ببلد انتهج سياسة معادية، على سبيل المثال الآن لا يجوز أن نفترض بأن فرنسا عدو، فالشعب الفرنسي أعتقد أنه يتبدل الآن، هو يفهم بأن القصة غير صحيحة، وتقوم بزيارتنا وفود مختلفة، رسمية وشعبية، ويعبرون عن مواقف موضوعية جداً وأخلاقية جداً، لا نستطيع أن نقول إن هذه الدولة هي عدو. على حين إسرائيل تحتل الأرض السورية، وهذا موضوع مختلف. الشيء نفسه لدول الخليج، السعودية وقطر التي أخذت مواقف معادية جداً وعبر التاريخ كانت أحد أسباب بقاء إسرائيل وتفوقها في المنطقة. ولكن هذا لا يجعل الشعب في السعودية أو في قطر أو غيرها من الدول هو شعب عدو. لذلك أقول إن المسؤولين في هذه الدول ربما يضعون أنفسهم في خانة الأعداء ولكن وليس بمعنى الدولة أو الشعب. أما إسرائيل فتبقى هي العدو.

مسار جنيف

الوطن: سيدي الرئيس، أنتقل إلى مسار جنيف والمصالحات، اليوم هل نستطيع القول إن العملية السياسية دخلت في سبات حتى وصول إدارة أميركية جديدة؟

إذا قلنا إنها دخلت في سبات فهذا يعني أنها كانت على قيد الحياة، هي لم تكن كذلك، فهي منذ البداية لم تُبنَ على أسس واضحة، العملية السياسية ليست حواراً سورياً سورياً بحسب ما بُنيت عليه. ولم يكن بيان جنيف بياناً سورياً بل كان بياناً دولياً أممياً، لم تُبنَ على مكافحة الإرهاب، على العكس، كان واضحاً لنا أن هذه العملية لم تكن سوى وسيلة لكي يحقق الإرهابيون ما لم يتمكنوا من تحقيقه في الميدان، هي لم تُبنَ على مفاوضات بين سوريين وطنيين وإنما بين سوري وطني وسوري عميل.. كل ما سبق جعل من العملية مولوداً ميتاً منذ البداية.
الوطن: إذاً لماذا شاركنا؟
شاركنا فيها لكي نسد الذرائع ولكي نثبت للجميع بأن الدول التي تتحدث عن حل سياسي – الغرب تحديداً – هو غير صادق، نحن نعرف اللعبة، وشاركنا فيها لفضحها، خاصة لمن كان يعتقد أن هناك أفقاً لحل عبرها، أيضاً بالنسبة لبعض الدول الصديقة التي كانت تشك في البداية بأن لدينا رغبة بالحل العسكري – كما يقولون بحسب المصطلحات المستخدمة – وأن هذه الدول الداعمة للإرهاب وبمجرد دخولنا بهذه العملية السياسية فهي ستتوقف عن دعم الإرهاب، كان هناك قناعات من هذا النوع، مشاركتنا في هذه العملية بكل مبادراتها المختلفة – وكلها كانت سيئة اتجاه مصلحة الشعب السوري – أثبتت بأن هذا الكلام غير صحيح.

المعارضة

الوطن: لنتحدث عن المعارضة قليلاً، قلتم إنهم عملاء يعملون لمصلحة دول، من المعارضة التي ترونها مقبولة لتجلس على الطاولة ونصل إلى حلول سياسية؟

ليست كل معارضة هي عميلة، وإنما كنا نتحدث تحديداً عن المعارضة التي كُلفت الحوار مع سورية من تلك الدول، هذه هي المعارضة العميلة، هذا كلام غير قابل للنقاش بالنسبة لنا وأعتقد أن أغلب الشعب السوري يعرف هذا الكلام.
المعارضة لها تعريف واضح، أولاً معارضة سياسية لا تحمل سلاحاً، ولا تدعم إرهابيين، قواعدها – إذا كان لها قواعد – سوريّة من الشعب السوري، لا تعمل من أجل أجندات أجنبية، فإذاً أي معارضة من هذا النوع نحن نقبل بها.. أما بهذه الأزمة فأن نقول هناك معارضة يجب أن نتواصل معها فهذا يعتمد أيضاً على وزن هذه المعارضة وتأثيرها في الأزمة، يعني أن نجلس مع معارض فقط لأنه معارض وأن نتناقش حول كيفية حل الأزمة وهو ليس له تأثير، هذا إضاعة للوقت.. أما إذا أردنا أن نتحدث عن تصوّر لسورية المستقبل فنحن نجلس مع كلّ المعارضة ومع كلّ الأطياف السورية ليس فقط المعارضة. الحوار السياسي لا ينحصر بين الدولة والمعارضة هناك أطياف في الوسط وهناك تيارات مختلفة في المجتمع السوري ليس بالضرورة أن تكون تيارات سياسية وحزبية تشارك أيضاً بالعملية، فنتحاور مع الجميع حسب الموضوع.

الوطن: لكن هناك منصّات مختلفة: منصّة موسكو، منصّة دمشق، منصّة القاهرة، أي منهم ترونها مقبولة؟

كلّ منصّة لا تدعم الإرهابيين، ولا ترتبط بالدول نتحاور معها، أما ما هي نتيجة الحوار، كيف يستمر هذا الحوار، وما نتيجته فهذا يعتمد على قدرة هذه المنصّات والأفكار التي تحملها.

المصالحات

الوطن: هناك مصالحة يقوم بها الجانب الروسي داخل سورية، وآخر رقم أعلنته حميميم ربما تجاوز ألف قرية وبلدة وقّعوا على المصالحة مع الدولة السورية، ومؤخراً كان هناك داريا والمعضمية، وأمس الأول الكسوة وقبلها قدسيا والوعر، كل هذه المصالحات تغني عن حوار جنيف، أم إنه مسار مختلف كلياً؟

صحيح هو مسار مختلف، وهو حل حقيقي وعملي، فيه سلبيات وفيه إيجابيات، ولكن هو الحل الوحيد المتاح بالتوازي مع ضرب الإرهابيين، وأثبت نجاعته خلال السنتين أو ثلاث السنوات الماضية وبدأ يتسارع.. وهو حلّ حمى المدنيين، حمى البنية التحتية ضمن الممكن أو لنقل أوقف المزيد من تدمير البنية التحتية، فتح المجال لكثير من المسلحين للتحول والعودة إلى حضن الدولة، فماذا نريد أكثر من ذلك؟ الحل السياسي ليس بالبيانات والمصطلحات البراقة، هو الواقع الذي يعيشه المواطن، وإذا كانت هذه المصالحات حسّنت واقع المواطنين فيعني أنها جيدة.

الوطن: لكن هناك انتقادات من الشارع السوري حول هذه المصالحات، ليس كل الناس توافق على خروج إرهابيين أو قتلة من مناطق محددة وكأن شيئاً لم يحصل؟

صحيح، عندما يكون هناك دماء يكون هناك استقطاب شديد في المجتمعات، الحالة الوسط تصبح غائبة تقريباً، وأستطيع أن أقول إن الأغلبية مع هذا الموضوع، لكن لنكن واضحين: إن من له اليد العليا في معارضة مثل هذا الموضوع إذا كان معارضاً هو إما المقاتل الذي يقف على الجبهة ويعرّض نفسه وحياته للخطر والموت، وإما الجريح وعائلات الجرحى وعائلات الشهداء وعائلات المقاتلين الذين يرسلون أبناءهم للقتال، وليس بعض المنظّرين الذين يحبون الدردشة العامة في المقاهي ولا الذين يريدون أن يحاربوا الإرهابيين من خلف شاشات الكمبيوتر، من ثم أنا أقول بالنسبة للجيش والقوات المسلحة والمقاتلين وعائلاتهم، هم يشعرون بالراحة تجاه المصالحات لأنها لا تحمل فقط حماية للبلاد، وإنما في جانب منها هي حماية لأبنائهم.

الوطن: البعض اتهم الدولة السورية بأنها تسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي وبدأ هذا الطرح مع تحرير داريا، ويتكرر الآن حول كفريا والفوعة والزبداني ومضايا، كيف تنظر الدولة إلى هذه الاتهامات؟ هل تأخذونها على محمل الجد؟

هذا امتداد للحملة التي بدأت في بداية الحرب، وبداية الحملة الطائفية، وعندما أخفقوا بإيجاد شرخ كبير في المجتمع كما كان متوقعاً، بدؤوا بطرح مفاهيم أخرى، فالتغيير الديموغرافي يأتي في إطار الصراع الطائفي نفسه، عملياً لو أردنا أن ننظر من بعيد، ليس كمواطنين سوريين وإنما كأشخاص ينظرون من خارج سورية لهذا الموضوع، ونفكر بشكل حيادي، يجب أن نقول: ما الأدوات التي ستستخدمها الدولة السورية للقيام بهذا التبديل الديموغرافي؟ هذه المناطق هي مناطق منظّمة وليست مناطق مخالفات ومن ثم هناك ملكيات لمواطنين سوريين، ولو أرادت الدولة أن تغيّر ديموغرافياً فعليها أولاً أن تقوم بالاستملاك، لكي يمكنها لاحقاً بنقل هذه الملكيات لأشخاص آخرين، من دون هذه الآلية لا يمكن أن يُطبّق هذا الشيء، وهذا ما لم يحصل، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن تهجير هؤلاء الأشخاص حصل عندما دخل الإرهابيون وليس عندما دخل الجيش… عندما دخل الجيش خرج جزء بسيط، معظمه من عائلات الإرهابيين، وهذه العائلات تعيش الآن في كنف الدولة وليس في كنف الإرهابيين. هذا من جانب، من جانب آخر: ما مصلحة الدولة بأن تقوم بمثل هذا التبديل الديموغرافي المزعوم؟ الاستقرار في سورية هو بالدرجة الأولى استقرار اجتماعي ينعكس استقراراً أمنياً وسياسياً، أنا أتحدث عن استقرار عمره عقود وهو تراكم لاستقرار عمره قرون مبني على علاقة اجتماعية، بنية اجتماعية، تركيبة اجتماعية عمرها قرون، اللعب بهذه البنية الاجتماعية بشكل أو بآخر، يعني نسفاً لهذا الاستقرار، فإذا افترضنا جدلاً أن هذه الدولة لا تسعى إلى المصلحة الوطنية وتنظر فقط لمصالحها الخاصة فهي ليس لها مصلحة في ضرب هذا الاستقرار، بل على العكس هي تسعى إلى تعزيزه لأن ذلك يضمن استمراريتها إن كان كدولة أو كحزب أو كحكومة، فكيف إذا كانت هذه الدولة بالأساس هي دولة تسعى إلى المصلحة الوطنية وتسعى إلى استقلال القرار الوطني، فهي بكل تأكيد بحاجة، وبشكل كبير، للحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي ذكرتُه، والذي تكوّن عبر قرون، لذلك علينا ألا نضيع وقتنا في هذه المصطلحات، فهي أساساً لم تلقَ آذاناً مصغية من المجتمع السوري، وإن تأثرت بها مجموعات بسيطة ولأيام قليلة.

المخطوفون والمعتقلون

الوطن: سيادة الرئيس لا يزال هناك الكثير من المختطفين والمعتقلين لدى الفصائل الإرهابية والمسلحة، دائماً هذه الفصائل تروج مقولة إن الدولة لا تهتم بهم ولا تسأل وهي تهتم أكثر بالمختطف الإيراني، على سبيل المثال، ما الإستراتيجية التي تتبعها الدولة للإفراج عن السوريين؟ وهل هناك فعلاً أي تقصير اتجاههم؟

لا، على الإطلاق في كل مصالحة حصلت كان موضوع المخطوفين هو الأساس والدليل المصالحة الأخيرة في خان الشيح وخروج المسلحين إلى خارج المنطقة، تم تحرير نحو 25 مختطفاً، هذا الموضوع أساسي وهذه أولوية لنا لأنها مشكلة اجتماعية وإنسانية كبيرة، لا يمكن للدولة أن تتغاضى عنها، لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال أن نغضّ النظر عنها لأن تأثيراتها نراها في كل مكان.. لذلك نحن نعمل بشكل مستمر على البحث عن مفقودين أو مخطوفين، مفقودين لا نعرف عنهم شيء، أو مخطوفين نعرف مكانهم ونبحث عن آليات أو أقنية للتواصل مع الإرهابيين من أجل تحريرهم ونحن مرنون جداً بهذا الملف حرصاً على عودة المخطوفين أحياء إلى عائلاتهم.

الوطن: طوال فترة الاختطاف أو الفقدان هل الرواتب لا تزال مستمرة للمقاتلين، وخاصة أن العديد منهم معيل لعائلته؟

طبعاً، قانوناً هي مستمرة، طبعاً المخطوف غير المفقود، المخطوف هو حالة نعلم بأن هذا الشخص هو على قيد الحياة، أما بالنسبة للمفقود فهو غير معروف إن كان حيّاً أم ميتاً، وهناك إجراءات خاصة بالمفقودين تتعلق برواتبهم والمدة التي يبقى اعتبارهم أحياء فيها.

منتدى وطني في دمشق

الوطن: هناك حديث عن إقامة منتدى وطني وحوار في دمشق وإقامة منصّة دمشق يشارك فيه معارضون من الداخل والخارج، هل أنتم مع إقامة هذا المنتدى في دمشق؟

أي شخص سوري يريد أن يأتي إلى سورية، يخضع للقانون السوري، إذا كان عليه ارتكابات فهو خاضع للقانون السوري، فأن نضمن سلامته شيء، وأن نجعله فوق القانون شيء آخر، فضمان السلامة له معان عدة: إذا كان المقصود بأن الدولة ستعتقل شخص لم يخرق القانون فهذا كلام غير صحيح، بكل تأكيد الدولة لن تعتقله وبهذا المعنى ستضمن أمانه وسلامته.
الوطن: هم يريدون نوع من الحصانة؟

لا حصانة من القانون هناك عدم اعتقال لأي شخص لم يخرق القانون السوري.
الوطن: لكن من حيث المبدأ، أنتم مع إقامة هذا المنتدى؟
طبعاً، نحن مع الحوار كمبدأ الحوار نحن مع أي حوار بين السوريين، عندما يكون حواراً سورياً سورياً، بين سوريين لا ينتمون لأجندات خارجية ولا يدعمون الإرهاب، نحن نؤيد أي حوار بهذا المنحى.

الوطن: وإن كان في دمشق؟

في أي مكان، لا مشكلة، وحصلت حوارات سابقة لقوى معارضة لم نتدخل من يأتي ومن لا يأتي ولم نمنع دعوة معارضين من الخارج لكن الأغلبية لم تشأ القدوم لأسباب مختلفة.

الاقتصاد السوري

الوطن: سيادة الرئيس الملف الاقتصادي ربما يكون الأصعب، السؤال الأول كيف صمد الاقتصاد السوري؟ أنا أذكر أن عدة سفارات غربية في دمشق أرسلت تقارير إلى حكوماتها تقول فيها إن الاقتصاد السوري قادر على الصمود ستة أشهر فقط، اليوم ندخل السنة السادسة والاقتصاد السوري لا يزال صامداً، كيف صمد هذا الاقتصاد؟
كما قلت كان التوقع هو أشهراً ولو أردنا أن نكون متفائلين ونتحدث من خلال القواعد الاقتصادية المنطقية والعلمية فكانت التحليلات آنذاك تشير إلى أن الاقتصاد سيصمد سنتين أو سنتين ونصف السنة بحسب الإمكانات السورية.
ولكن هناك عدة عوامل ساهمت في صمود الاقتصاد، عوامل واقعية.. أولاً: هي إرادة الحياة لدى الشعب السوري بمختلف المهن الموجودة في سورية في القطاع العام والخاص كان هناك تصميم على استمرار دورة الحياة ولو بالحد الأدنى الممكن من خلال بقاء هذه المهن واستمرارها.. وهنا أؤكد أكثر على القطاع الخاص: من المهن الصغيرة إلى المتوسطة إلى بعض المعامل الكبيرة أو بعض الاستثمارات الكبيرة. والكثير قد يستغرب وأنا واحد من الذين استغربوا بأن هناك استثمارات بدأت قبل الحرب وتمّ تدشينها خلال الحرب، والبعض طلب استثماراً وبدأ به وأنجزه خلال الحرب. حتى إن هناك بعض الاستثمارات التي لا تدخل في إطار الاستثمار الاقتصادي – استثمار ثقافي غير رابح – افتُتح بعض منها في دمشق وحلب، فإذاً، هذا يؤكد إرادة الحياة القوية لدى الشعب السوري.
النقطة الثانية: هناك أسس بُني عليها الاقتصاد السوري عبر عقود منها القطاع العام. القطاع العام الذي كان له دور أساسي في صمود الاقتصاد رغم الثغرات الكبيرة فيه التي كنا نعرفها قبل هذه الحرب.
النقطة الثالثة: الدولة بعد عامين أو ثلاثة أعوام عندما بدا أن الحرب ستستمر ربما لسنوات طويلة انتقلت باتجاه حلول غير تقليدية، أي إن هناك حلولاً أو إجراءات لم تكن مقبولة في الأوضاع الطبيعية قبل الحرب، اضطرت الدولة أو رأت أنه من المفيد اتخاذ إجراءات غير تقليدية من أجل التعامل مع الاقتصاد غير التقليدي، وهذا ساعد على استمرار عجلة الاقتصاد أيضاً بالحد الأدنى. ولكن يُضاف إلى كلّ هذه العوامل الدعم الخارجي الذي أتانا من الأصدقاء وخاصة الإيراني والروسي الذي ساهم في تخفيف الأعباء عن هذا الاقتصاد. هذه العوامل هي التي أدت إلى استمراره.

الوطن: سيادة الرئيس، نحن في حالة اقتصاد حرب؟

طبعاً، نحن نعيش حالة حرب، والاقتصاد لدينا يعيش حالة حرب بكل معانيها.. بدءاً بالحصار، فنحن لا نستطيع أن نصدّر ولكننا نصدّر رغماً عن أنف بعض الدول بطرق مختلفة، ممنوع علينا أن نأتي بمواد أولية ضرورية لاستمرار الاقتصاد ومختلف مناحي الحياة في سورية، ومع ذلك نتمكن من جلبها، إضافة إلى ضرورة وجود العملة الصعبة والمتطلبات الأخرى.

إعادة الإعمار

الوطن: خلال سنوات الحرب خسر السوريون قرابة ستين إلى سبعين بالمئة من قدرتهم الشرائية نتيجة التضخم وتراجع سعر صرف الليرة، كان ذلك من الأسباب التي أدت إلى هجرة العديد من الكفاءات بحثاً عن فرص عمل كما ذكرتم في لقاء سابق، اليوم سيادة الرئيس ما الذي يمكن أن يعيد الاقتصاد السوري إلى عافيته وأن يعيد هذه الكفاءات إلى سورية لتعمل وتبني من جديد؟

أهم اقتصاد في أي دولة في العالم بعد الحرب هو إعادة الإعمار، وهذا اقتصاد ضخم جداً تعمل فيه مئات المهن، وهذا ينعكس بشكل غير مباشر على كل المهن الأخرى.. أي إن اقتصاد البلد يقلع بشكل أساسي على إعادة الإعمار أولاً، بأموال السوريين.. بدءاً من كل شخص يريد أن يصلح منزله أو بناءه أو معمله أو ورشته.. إلخ.. هذا الشيء ليس كلاماً نظرياً، بل يحصل الآن.. حمص القديمة نموذج ومعامل حلب وغيرها نموذج.. وما تسمعه من مختلف أطياف الشعب السوري أنه عندما تتحرر أي منطقة كانوا يعيشون أو يعملون فيها فإنهم سيعودون إليها ويعيدون إعمارها.
إذاً، إعادة الإعمار بدأت بالحد الأدنى نحن لم نصل إلى نهاية الحرب بعد.. هذا جانب. أما الجانب الآخر فهو إعادة الإعمار التي ستقوم بها الدولة كما في المناطق مثل خلف الرازي وغيرها.. هذه المناطق كلها ستقلع عملية إعادة الإعمار.. عندها، وخاصة عندما يكون هناك أمان، فالكثير من الأموال السورية ستعود، ومعظم السوريين الذين هاجروا سيعودون إلى سورية بمختلف مستوياتهم الاقتصادية، عودة هؤلاء إن كان من الجانب الاقتصادي أو من الجانب المهني أي بمعنى آخر عودة الكفاءات.. كل هذا سيساهم في عودة الاقتصاد السوري.. بالوقت نفسه نحن دولة لا نبدأ من الصفر.. الكفاءات موجودة لدينا والاقتصاد السوري لم يُبنَ على الأجانب.. الاقتصاد هو اقتصاد سوري بكل ما تعنيه الكلمة.. فهذه الكفاءات ستعود وسنقلع.. الخبرة موجودة في سورية.. لسنا بحاجة أي شيء إضافي لكي نقوم بإعادة إعمار بلدنا.. يضاف لهذا الكلام أن إعادة الإعمار هي قطاع اقتصادي جاذب جداً للاستثمارات الأجنبية وبكل تأكيد الدول الصديقة ستكون من أول المساهمين في هذا المجال عبر شركاتها وعبر القروض.. فعندما نصل إلى هذه المرحلة لا يوجد أي مشكلة في إعادة إعمار الاقتصاد السوري.

الوطن: سيادة الرئيس، موضوع إعادة الإعمار مكلف جداً.. هل ستخصص حصراً الدول الصديقة بالعقود الكبيرة؟

لا أعتقد أن الشعب السوري يقبل أن تأتي شركات من دول معادية لتقوم بإعادة الإعمار وتحقق مكاسب من الحرب التي أشعلتها، منطقياً هذا غير ممكن، ولكن أعتقد أن الكثير من الدول التي ناصبتنا العداء – وهي تفكر الآن بهذا الموضوع – ستبحث عن شركات في دول صديقة لتكون واجهة لها في إعادة الإعمار في سورية.

الفساد

الوطن: في ملف الفساد، الفساد كان موجوداً في سورية مثل كل الدول العربية بالسابق لكن بحدود.. اليوم أصبح علنياً والمواطن يلمسه كل يوم.. ألم تسهم قضية عدم المحاسبة الجدية في أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم؟ وهل تشجع الفاسدون من خلال قربهم من مسؤول هنا ومسؤول هناك من نشر فسادهم ونشر هذه الثقافة في سورية؟

في كل الظروف الفاسد يعتمد على قربه من مسؤول فاسد لكي يتمكن من ممارسة الفساد. الفساد كالجرثوم، والجراثيم موجودة في الحياة وفي جسم الإنسان لكن مناعة الإنسان تمنعها من تثبيت المرض إلا أنه عندما تضعف مناعة الجسم يصبح الجرثوم أقوى. الفساد نفس الشيء.. عندما يكون هناك حالة حرب تساهم فيها مجموعات من السوريين الفاسدين والمرتزقة والخونة فهي تعني حالة ضعف في مناعة الدولة والمجتمع.. عندها يصبح هذا الجرثوم الذي هو الفساد أقوى وأكثر انتشاراً.. ولكن هناك عامل آخر مرتبط بالمناعة ألا وهو الأخلاق.. فعندما ينتشر الفساد ويظهر بهذه الطريقة فهذا يعني أنه موجود قبل الحرب ولكنه ظهر بقوة عندما ضعفت مناعة المجتمع والدولة، فإذاً لدينا مشكلة يجب أن نعالجها بشكل صريح مع بعضنا البعض كسوريين.. المشكلة لها علاقة بالتربية والأخلاق وهذا موضوع أساسي.
الآن نأتي إلى الدولة.. طبعاً، الدولة في مرحلة الحرب ليست كالدولة في مرحلة السلم.. هي ليست الدولة التي تسيطر على التفاصيل بنفس الطريقة وبنفس الفاعلية، هذا شيء بديهي.. لكن هل هذا يعني أن الفساد يجب أن يستمر من دون محاسبة.. لا، على الإطلاق.. القانون يبقى قانوناً وصرامة الدولة تبقى موجودة.. المشكلة هنا تأتي في كيفية الكشف عن الحالة الفاسدة.. أي مشكلة الفساد ليست في عدم القدرة على محاسبته وإنما في عدم القدرة على اكتشافه خصوصاً في مثل هذا الظرف. عدد من الحالات التي تعاملنا معها، كانت من خلال مقالات على الانترنت أو ما ينشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعي. طبعاً، قسم كبير من الأشياء التي تُطرح على هذه المواقع غير صحيح ولكن البعض منه كان صحيحاً وتمت معالجة حالة الفساد.. فإذا أردنا في هذه الظروف الصعبة أن نكافح الفساد فلابد من أن نضاعف الجهود على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع من أجل عملية الكشف لأنه في ظروف الحرب مؤسسات الدولة لا تكون في كل مكان ولا تستطيع أن تتابع كل قضية.. أولويات الدولة الآن تختلف.. أولاً، مكافحة الإرهاب.. ثانياً، توفير الحد الأدنى من سبل العيش للمواطنين السوريين.. هذه الأولويات، لا تعود نفس الأولويات الموجودة في حالات السلم.. فإذا تعاونا كلنا في الكشف عن حالات الفساد أعتقد بأننا نستطيع أن نلجمه إلى أن يأتي يوم نقضي فيه على الإرهابيين وتعود الدولة السورية كما كانت وأقوى.

القوات الشعبية

الوطن: سيادة الرئيس، تتمة لموضوع الفساد أصل إلى القوات المقاتلة على الأرض في الحرب على الإرهاب فهناك قوات رديفة وقوات شاركت مع الجيش السوري في عدة مناطق.. لكن هناك ظاهرة سميت بالتعفيش قام بها أفراد من هذه القوات أساءت إلى الجيش برمته، كيف تنظرون إلى مشاركة كل هذه القوات مع الجيش السوري وإلى هذه التجربة وسلبياتها وإيجابياتها؟

تجربة القوات الشعبية هي ليست خياراً للدولة ولكن هي تجربة تفرضها كل الحروب الوطنية في أي دولة من دول العالم.. في معظم الحروب الوطنية المشابهة كان هناك دائماً قوات شعبية تقاتل إلى جانب الجيش وهي حالة ضرورية وطبيعية وحالة اندفاعية عاطفية لكثير من الشباب الذين يريدون الدفاع عن بلادهم بطرق مختلفة، أحياناً تأخذ هذه الحالة الطريقة المؤسساتية أي الدخول إلى القوات المسلحة الجيش والشرطة، وأحياناً تأخذ الشكل غير المؤسساتي كالقوات الشعبية التي تنشأ فقط خلال هذه الحالة الطارئة وهي الحرب.
هذه التجربة لها إيجابيات ولها سلبيات، هل كان لها إيجابيات في حالتنا؟ طبعاً كان لها إيجابيات كثيرة وحققت إنجازات عسكرية على الأرض في دعم الجيش سواء في أماكن كان الجيش موجوداً فيها أم في أخرى لم يكن موجوداً، وكانت تخوض هي المعارك كالقوات المسلحة وحققت فعالية في الدفاع عن المناطق أو في تحرير مناطق أخرى من الإرهابيين.
هل هناك سلبيات؟ طبعاً، لكن السلبيات دائماً ترتبط، كالفساد، بالحالة الفردية، أي إن الفاسد فاسد أينما ذهب سواء كان في مؤسسة أم لم يكن، الفساد الذي نتحدث عنه ليس مرتبطاً تماماً بهذه الحالة، لا نستطيع أن نعمّم ونقول إن هذه التجربة كانت فاسدة وهناك تجربة أخرى غير فاسدة، لا، الفساد في كل الحالات خلال هذه الحرب كان مرتبطاً بالأشخاص. طبعاً أغلب حالات الفساد التي تتحدث عنها كانت تحصل في الأنساق الأولى في المعارك، وفي الأنساق الأولى لا يوجد سوى المقاتل والمشرف عليه سواء كان ضابطاً أو في بعض الحالات كان مدنياً. هنا كل الأمور تعتمد على ضمير الأشخاص الموجودين. لا يوجد رقيب… لا توجد شرطة… لا توجد مؤسسات رقابية. فإذا كان هذا الشخص فاسداً فهو يسيء للمواطن وإذا كان شخصاً ذا ضمير فهو يقوم بالعكس. لكي نكون شفافين، فإن أغلب الحالات كانت هي الحالات الجيدة وليس العكس، ولكن من الطبيعي أن يتم الحديث دائماً عن حالات الفساد وهذا أمر بديهي. هناك حالات ضُبطت على الرغم من صعوبة ضبطها في ظروف المعركة.. حيث كانت تُضبط في الخطوط الخلفية عندما يتم القبض على شخص قام بالإساءة أو بالسرقة بشكل من الأشكال… هناك حالات تم إلقاء القبض عليها وأنا أعرفها بالتفصيل ولكن هناك حالات أخرى لم تُضبط.. مع ذلك هناك توجيهات يومية للضباط وللمعنيين بضرورة إنهاء هذه الحالة وهناك إجراءات اتُّخذت وكانت فاعلة تتمثل في أن القوات المسلحة تقوم بطلب الفعاليات الموجودة في المنطقة التي سيتم الدخول إليها من أجل إرسال وفد أو مجموعات من هذه الفعاليات لتدخل مع الجيش لتثبيت واقع ما تم تخريبه من الإرهابيين وبالتالي لا تتهم هذه القوات زوراً بالإساءة أو بالسرقة, هذه الإجراءات تمت وكانت ناجحة، وهناك إجراءات أخرى تتم لمنع أي إساءة قد تحصل، كما أن المحاسبة قائمة حسب الإمكانات المتوافرة في كل مكان.

تطوير أنواع الخطابات في سورية

الوطن: سيدي الرئيس، في موضوع حزب البعث، أريد أن أسأل في بداية الأزمة أو الحرب كان هناك فكرة عن تطوير الخطاب الحزبي بحيث يكون أكثر انسجاماً أو أكثر قُرباً من المنتسبين.. رأينا فجوة في وقت ما بين القيادة والشارع. اليوم، سيادة الرئيس، وبعد التطورات الأخيرة والدستور الجديد، أين هذا التطوير في الخطاب الحزبي؟ هل بدأ، أو يُخطّط له؟

صحيح كنّا نركّز عليه قبل الحرب بشكل كبير باعتبار أن الحزب كان هو القائد للدولة والمجتمع بحسب الدستور، وكنا نطور باقي الخطابات، الخطاب السياسي وغيره. خلال الحرب رأينا ضرورة تطوير كل أنواع الخطابات في كل القطاعات.. الخطاب السياسي تغيّر، فلا يمكن أن يستمر الخطاب السياسي في ظروف الحرب بشكل مشابه لما كان عليه قبل الحرب، وهذا الشيء تم إلى حدّ كبير. الخطاب التربوي من خلال تطوير المناهج وهذا ما نقوم به الآن، فلم تعد المناهج متوافقة مع ما وصلنا إليه. الخطاب الديني الآن تطور بشكل كبير وما زلنا مستمرين بتطويره. الخطاب الإعلامي يجب أن يتطور، ولكن الخطاب الحزبي له خصوصية تختلف عن باقي الخطابات، خاصةً في حزب البعث، مرتبط بعقيدة الحزب. كان المقصود في ذلك الوقت بالخطاب الحزبي هو ما يسمى بالمنطلقات النظرية لأنها هي التي تشكل عقيدة الحزب. المنطلقات النظرية التي نشأت في عقود سابقة لم تكن تتماشى مع مرحلة ما قبل الحرب فكيف الآن؟ وكنّا قد أعددنا دراسة كاملة وأنهيناها، ووصلنا إلى مرحلة طرحها على القواعد الحزبية كي تأخذ وقتها من النقاش قبل أن يتم إقرارها، وأتت الحرب. الآن، لم تعد هذه أولوية.. الأولوية أصبحت للممارسة.. لم نلغ موضوع تطوير المنطلقات النظرية ولكن تأثير هذا الأمر متوسط وبعيد، في حين أصبحت الأولوية للممارسة الحزبية من خلال: اختيار المسؤول الجيد، مكافحة الفساد، التواصل مع الشرائح الاجتماعية المختلفة داخل الحزب وخارجه في المدن والقرى والأحياء كي يلعب الحزب دوره الوطني في الأمور اليومية التي يعيشها المواطن من خلال دور الحزب وعلاقته بالمسؤولين البعثيين الموجودين في الدولة واختيارهم الصحيح، بالإضافة إلى الاختيار الصحيح لممثليه إلى مجلس الشعب، وإلى الهيئات المختلفة كالإدارة المحلية وغيرها، ودوره في تطوير النقابات والمنظمات الشعبية باعتبار الحزب له أغلبية فيها أيضاً. هذه الأمور هي التي يريد أن يلمسها المواطن فأعطيناها الأولوية.. وكان هناك تبديل في القيادة القطرية منذ أكثر من ثلاثة أعوام بقليل والمفترض بأن هذا التبديل انعكس بشكل أو بآخر على هذه المناحي التي ذكرتها، ليس بالضرورة بشكل كبير، وبالطبع هذا لا يلغي ضرورة أن نغيّر الخطاب الحزبي قريباً.

الإعلام والتطور

الوطن: في موضوع الإعلام، نحن نتعرض إلى شكاوى كثيرة من الناس… يعني أن الناس تعتبر أن الإعلام السوري لم يكن قادراً على مواكبة كل التطورات… أحدث نقلة نوعية لكنه لم يكن كما يُراد منه أن يكون وأغلبية الناس تتابع للأسف قنوات ربما غير سورية. ما الذي يمنع اليوم أن يكون لسورية منبر إعلامي وطني قوي يمكن أن يتابعه كل السوريين؟

لا شيء يمنع سوى إرادتنا ورؤيتنا كسوريين، والدليل على أن الإمكانية متوافرة هو ما حققناه خلال المراحل الأولى من الحرب عندما كان هناك تشويه وتشويش كبيرين على مستوى العالم وعلى المستوى الإقليمي أو على المستوى المحلي، وقد لعب الإعلام الإلكتروني دوراً كبيراً في ذلك الوقت مع أنه لم يكن إعلاماً بالمعنى التقليدي، كان… لنقل وسائل التواصل الاجتماعي… وفي بداية الأزمة في الوقت الذي كان الكل يحاول أن يقيّد في دول أخرى هذه الوسائل، قمنا نحن بفتحها بشكل كامل وحققت نتائج جيدة. فإذاً، الآن لو أتينا إلى الإعلام السوري بشكل عام، وأنا أستطيع أن أتحدث أكثر عن الإعلام الرسمي لكوني مسؤول في الدولة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الإعلام لا يمكن أن يكون كالإعلام الخاص. فالإعلام الخاص يبقى أكثر حرية في كل العالم ومن الطبيعي أن يتبنى الإعلام الرسمي وجهة نظر الدولة أيضاً كما كل دول العالم، ولكن أستطيع أن أقول إن هناك جوانب موضوعية منعت الإعلام من التطوير كالحصار المفروض عليه وإنزاله عن الأقمار الاصطناعية وغيرها، وهناك عوامل غير موضوعية لها علاقة بالعقلية الموجودة. فالإعلام هو عملية تطوّر طويلة، والعقلية الموجودة داخل المؤسسات الإعلامية والمعنية بفكرة تطوير الخطاب الإعلامي السوري لم تتمكن من التأقلم مع هذه الحالة، هي تمكنتْ من تحقيق نقلة، ولكنها لم تكن كافية؛ فالحرب كانت بحاجة إلى نقلة أكبر، أضف إلى ذلك طبيعة البيروقراطية التي يرتبط بها الإعلام الرسمي والتي تسمح أحياناً لكثير من المؤسسات الأخرى غير الإعلامية، بالتدخل في عمل الإعلام وبالتالي تعرقل أكثر أي عملية تطوير. ما نقوم به الآن – لنقل – هو عملية تنظيف للمؤسسة الإعلامية.. وهذه من مهام الحكومة الجديدة في المجال الإعلامي وتحديداً وزارة الإعلام، هي عملية تنظيف المؤسسات الإعلامية من الفساد ومن الترهل. لأنه ببقاء هاتين الحالتين لا يمكن أن يتطور الإعلام، فالخطاب الإعلامي لا يتطور فقط بوجود حالة فكرية، هو بحاجة لحالة إدارية، فهذه هي الخطوة الأولى، وبدأت وزارة الإعلام بالقيام بهذه الخطوات، بعدها لا بد من وضع تصور إداري لهذه المؤسسات، عندها سيكون تطوير الخطاب الإعلامي هو النتيجة الطبيعية التي سنراها بالنسبة للإعلام الرسمي، أما أنتم، الإعلام غير الرسمي فلكم الحرية، وقطعتم خطوات كبيرة وقمتم بدور مهم أيضاً في هذه الحرب.

الصحافة الخاصة

الوطن: احتفلت سيدي الرئيس «الوطن» منذ شهر، بعشر سنوات على صدورها، كيف تقيمون تجربة الصحف الخاصة؟

هي ضرورية وإجبارية في أي دولة تريد أن تتطور إعلامياً، لا يمكن أن تتطور فقط في إعلام عام، وهذا يشبه الاقتصاد.. لا يمكن أن يبنى الاقتصاد السوري فقط على القطاع العام، هو بحاجة للقطاعين المشترك والخاص والشيء ذاته ينطبق على الإعلام.. لكن تقييم التجربة في جزء منها يعتمد أيضاً على تقبلنا نحن أحياناً لهذا الإعلام كمجتمع وكدولة، فدخول الإعلام الخاص بعد عقود طويلة وأجيال كاملة لم تعرف سوى الإعلام العام أمر ليس بالسهل، فتقبل الفكر الجديد وما قد يحمله من نقد ليس من عادات المجتمعات الشرقية والعربية بشكل خاص، وبالتالي فإن الإعلام الخاص سيواجه عقبات أيضاً قد تختلف عن القطاع العام، ولكنها تبقى عقبات.. مع ذلك أقول إن تجربة القطاع الخاص وتجربة «الوطن» تحديداً هي تجربة مهمة وسليمة على الرغم من عقباتها، ويُبنى عليها لتوسيع دائرة القطاع الخاص الإعلامي في سورية.

التواصل مع المجتمع

الوطن: سيدي الرئيس، منذ بداية الحرب كل من زاركم، وأعني منذ اليوم الأول، استمد منكم شعور النصر ولو بعد حين، حتى في أصعب الأوقات كنتم على الدوام متفائلين، من أين ولد لديكم هذا الشعور وهذه الثقة، وأنتم تتعرضون لعدوان من كبريات دول العالم؟

أولاً: أنا على تواصل مع المجتمع السوري بكل شرائحه، دائماً ومنذ زمن طويل، وقبل أن أكون رئيساً وقبل الحرب وبعدها، لم يتوقف هذا التواصل، فأنا اعتدت على التواصل مع الناس، وهذا يعطيك صورة مذهلة فعلاً من الصمود، من التمسك بالوطن، من الرغبة بالحياة واستمراريتها، يعطيك حالة تشكل وقاية لك من التأثر بأي حالة إحباط، لذلك فعلاً أنا لم أصل في كل مراحل الأزمة ولا للحظة لحالة الإحباط، والفضل في ذلك يعود للشعب السوري بمختلف شرائحه، فعندما نذكر الاقتصاد والرغبة في إدارة عجلته، هذا جزء من الصمود، عندما تتحدث عن موظف يذهب إلى عمله، ومدرّس يذهب إلى المدرسة، وعامل كهرباء يستشهد أثناء تأديته لعمله، هذه حالات صمود عظيمة.. من جانب آخر أنا كنت أُميز بدقة فعلاً منذ الأيام الأولى ما بين الحملة الوهمية والواقع، كثيرون ربما لم يتمكنوا من التمييز، وأثّر الواقع الافتراضي الذي خلقه الإعلام الأجنبي والعربي العميل، أثّر على رؤية كثير من السوريين، أنا شخصياً قمت منذ البداية بالتعامل مع الواقع فقط، ولم أتأثر بهذه الحالة. نقطة ثالثة وهي أنك عندما تقوم بالدفاع عن وطنك لا تملك خياراً آخر، إما النصر وإما انتهاء الوطن، فليس هناك خيار بين نصر وهزيمة، القضية ليست شخصية. بالنسبة للآخرين قد يعني الأمر هزيمة رئيس أو عدمه، هزيمة حكومة أو عدمها لكن بالنسبة لي، القضية ليست قضية هزيمة بل سقوط وطن، تدمير وطن، تفتت وطن… كل هذه الأسباب تدفعك فقط باتجاه واحد هو أن تشعر دائماً أنك ستذهب باتجاه النصر.

المسؤول والواقع

الوطن: قبل الأزمة كنتم باستمرار تلتقون شخصيات من الشعب السوري من مختلف الفئات، هل ما زلتم تفعلون ذلك اليوم؟

طبعاً أكثر من قبل، لأنني بحاجة لهذا الموضوع أكثر من قبل، أنا مبدئي الأساسي عندما أتيت إلى الرئاسة هو أن المسؤول يجب ألا يكون رهينة للتقارير، لأن قرارته تصبح رهينة لهذه التقارير، يجب أن يتواصل مع الواقع، صحيح أن المواطن على المستوى الفردي ليس بالضرورة أن يكون لديه المعلومات والمعطيات الكافية، وليس بالضرورة أن يكون لديه الرؤية الشاملة، فهو يرى زوايا يعيش فيها داخل مجتمعه، ولكن عندما ترى مختلف الشرائح من المواطنين فتتشكل لديك الصورة الحقيقية البانورامية عن الواقع الذي يجب أن تتعامل معه، لذلك في الحرب أنت بحاجة أكثر لهذه اللقاءات من قبل الحرب.

الوطن: هل غيّرت الحرب بشار الأسد؟

بالمعنى الشخصي لم أتغير، بالعكس أعتقد بأنه كلما أتت الظروف لتبعدك عن الحياة الطبيعية، يجب أن تسعى بقدر المستطاع لكي تبقى أقرب إلى الحياة التي تعيشها على المستوى الشخصي وعلى مستوى تعاملك مع الناس، ربما على المستوى الشخصي أنا أشعر نفسي أقرب إلى الناس، وأقرب إلى فهمهم أكثر بسبب ظروف الحرب. أما على المستوى الرسمي، كرئيس أو كمسؤول، هناك تغير طفيف ولكن أيضاً ليس جذرياً على الرغم من جذرية الحرب لأن أساس هذه الحرب هو التآمر على سورية وإخضاعها وعمالة بعض العرب والنفاق الغربي، كل ذلك لم يتبدل، فالظروف التي عشناها منذ الانتفاضة الفلسطينية، هي نفسها حتى الآن وتتطور، بدأنا بالانتفاضة ثم أحداث 11 أيلول، والهجوم على أفغانستان، واحتلال العراق، واغتيال الحريري وتداعياته، وحتى فترة ما يسمونها شهر العسل مابين 2008 و2011 كانت مليئة بالنفاق والضغوط.. لم يتغير شيء.. فقط حجم الهجمة وأدواتها أصبحت مختلفة، فأنا لم أتغير على المستوى الشخصي والمستوى الرسمي إلا بالحدود الدنيا.

البطولات والعمالة

الوطن: سيادة الرئيس معروف عنكم أنكم قريبون جداً من الشعب السوري كنتم تخرجون وتلتقون بالمواطنين في أماكن عامة هل فاجأكم الشعب السوري خلال هذه الحرب سلباً أم إيجاباً؟

الشعب السوري وطني ولديه حس استقلالية وحس عالٍ بالكرامة، هذا الشيء كان موجوداً دائماً ونراه موجوداً اليوم، ولكن ما فاجأنا – أعتقد كلنا كسوريين – أمران أحدهما سلبي والآخر إيجابي: نتفاجأ بحجم العمالة للخارج ومستواها.. هي نسبة قليلة ولكنها نسبة أكثر مما كان متوقعاً وهذه حقيقة، وكنا نسأل هل كانت العمالة مختبئة أم إن أساسها الجهل الذي يتبع للتطرف. بالمقابل هناك جانب إيجابي فوجئنا به هو مستوى البطولة، فنحن جميعاً كنا نقرأ قصصاً عن التاريخ العربي ببطولاته، ولكن معظم هذه البطولات كانت بطولات فردية.. ما نراه في حالتنا اليوم من بطولات لدى الشهداء، لدى المقاتلين، لدى الجرحى، لدى عائلاتهم، هي بطولات جماعية وليست فردية وهذا حقيقةً شيء مفاجئ وليس فيه أي مبالغة، على العكس تماماً، لو أردنا أن نبتكر أو أن نخترع قصة عن البطولات السورية ونبالغ بها لما وصلنا لهذا المستوى الذي رأيناه اليوم. هذا حقيقةً شيء مفاجئ ويدعو للفخر.

أجوبة صريحة

الوطن: سيدي الرئيس أختم، ونحن معتادون على صراحتكم.. السيدة أسماء كشفت في لقاء صحفي مع التلفزيون الروسي أنها تلقت عروضاً لمغادرة سورية؟ من قدم هذه العروض سيدي الرئيس؟ وإلى أين؟

في بداية الأزمة كانت الدولتان المعنيتان بشكل معلن بالأزمة السورية في ذلك الوقت هما قطر وتركيا، وهما اللتان قدمتا هذا العرض بشكل مباشر لها، طبعاً قد يخرجون بعد هذا الكلام لينفوا ما ذكرته، لكن هذه حقيقة وواقع، وأتت طبعاً عروض مختلفة بعدها بسنوات عدة وبشكل غير مباشر من خلال الأميركيين، بأن يعلن الرئيس عدم ترشيح نفسه للانتخابات القادمة مقابل تأمين كل شيء له أينما ذهب مع حصانة من أي ملاحقة قضائية وليأت معه من يريد من فريقه ومؤيديه.. وغيره من هذا الكلام، طبعاً عروض عدة أتت عن طريق أقنية مختلفة بهذا الاتجاه ولكن بشكل أساسي من خلال الأميركيين باعتبارهم الضامن الأكبر بالنسبة للآخرين، ولكن ليس لها قيمة.

الوطن: هل زرتم روسيا غير تلك المرة التي أعلن عنها؟

لا، على الإطلاق، هي كانت الزيارة الوحيدة.

الوطن: هل قمتم بزيارات خارج سورية خلال السنوات الست الماضية؟

لا نهائياً، فقط زيارة روسيا.

الوطن: هل هناك اتصالات غير معلنة بينكم وبين زعماء عرب أو أجانب؟

نعم، دائماً عن طريق أقنية وهم يتبعون هذه الطريقة، خاصة الأجانب منهم، لأنه في حال تسرب خبر اللقاء أو التواصل يمكنهم النفي والقول إن هذه قناة خاصة وليست رسمية. عملياً حتى من زارنا من وفود أجنبية بما فيها الوفد البرلماني الفرنسي الأول الذي أثار ضجة كبرى كان معه شخص من المخابرات في السفارة الفرنسية في بيروت وشخص آخر من وزارة الدفاع ولكن السلطات الفرنسية، قالت: لا علاقة لنا بزيارة هذا الوفد.. هم يحاولون أن يبرؤوا أنفسهم من أي تواصل لكن هم يفعلون ذلك على الأقل للعب دور سياسي.

الوطن: هل كان هناك وساطة روسية مع السعودية؟

نعم، عندما زار اللواء علي مملوك السعودية منذ نحو عام ونصف العام، كان أحد المسؤولين الروس موجوداً، نعم هذا صحيح.

الوطن: لماذا فشلت؟

لأن السعودية لديها هدف واحد أن تقوم سورية بالوقوف ضد إيران ولا نعرف لماذا يجب علينا أن نقف ضد إيران لكي ترضى السعودية أو لكي يرضى عقلهم المتخلف أو الأزور.

الوطن: شكراً سيادة الرئيس على هذا اللقاء..

أهلاً وسهلاً وتحياتي إلى كل العاملين في الصحيفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن