الجائزة التي حصدتها مؤخراً من هوليوود برهنت لي بأن موسيقا الشرق تصل إلى الناس أينما كانوا … «ليال وطفة» لـ«الوطن»: أحتاج إلى أن أتعمق أكثر في الإرث الموسيقي السوري كي أوفيه حقه
| عامر فؤاد عامر
ولدت الفنانة «ليال وطفة» في دمشق وبدأ مشوارها الفني بعمر التاسعة، حيث تم قبولها في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، لكن سرعان ما انتقلت مع عائلتها إلى دبي، وهناك تعلمت العزف على البيانو مدّة عامين. في عمر الثامنة عشرة بدأت أولى خطواتها المهنيّة من خلال أداء الإعلانات والتسجيلات الصوتيّة، لكثير من البرامج في المحطات التلفزيونيّة والإذاعيّة، ولكثير من الإعلانات التجاريّة، والتي ما زالت تُبثّ إلى اليوم. أمّا التأليف الموسيقي فكان في سنّ الثانية والعشرين، لتعمل في محطّة كمهندسة صوت ومؤلفة موسيقا، حيث انضمت إلى فريق عمل، وبقيت فيها ٦ سنوات لتشق طريقها، وتصبح مديرة قسم الإنتاج الصوتي في هذه المحطة. أنشأت «ليال» عام 2009 الأستوديو الخاصّ بها، وفيه أنتجت العديد من الأعمال الموسيقيّة لعدد من وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونيّة، وموسيقا الإعلانات التجاريّة، والأفلام الوثائقيّة، والطويلة، والقصيرة، والمسلسلات الدراميّة، إلى جانب عدد من المشاريع الموسيقيّة في دول الشرق الوسط، والولايات المتحدة الأميركيّة، وكندا، وبريطانيا. «ليال» منذ عام 1997 وحتى الآن؛ ما زالت تؤدي بصوتها الإعلانات التجاريّة، والأداء الصوتي للكثير من المحطات التلفزيونيّة إضافة للغناء في بعض الألبومات الموسيقيّة، حيث أصبح صوتها البصمة المميّزة لكثير من المنتجات، والقنوات التلفزيونيّة، كما أنها وقّعت عقداً مع شركة SCORE A SCORE في لوس أنجلوس في أميركا كواحدة من مؤلفيهم الموسيقيين المعتمدين، لتأليف الموسيقا للكثير من الوسائل الإعلاميّة، ومحطات التلفزة والأفلام في كلّ من كندا وأميركا. حازت «ليال وطفة» 7 جوائز عالميّة بعملها كموسيقيّة، ومصممة صوت، أحدثها جائزة التأليف الموسيقي للأعمال الإعلاميّة، والذي يقام في هوليوود.
لنبدأ بالجائزة التي استلمتها في هوليوود. ماذا يعني لك أن تستلمي هكذا جائزة عالميّة؟ وهل هي الطموح الذي تسعين إليه؟
حلمي كان دائماً أن أصل إلى هوليوود، وأن تصل موسيقاي إلى أكبر عدد من الناس، وخاصة من خلال الأفلام التي هي عشقي الأكبر منذ نعومة أظفاري. الجائزة الأخيرة التي استلمتها قبل أسبوعين لم تكن أول جائزة عالميّة أو أميركيّة على وجه الخصوص، ولكن هي أول جائزة هوليووديّة، ولذلك أنا سعيدة جداً بها لأنها خطوة كبيرة تقربني أكثر إلى حلمي وتعطيني الأمل بأن الموسيقا من الشرق ممكن أن تصل إلى هوليوود.
لك بصمة من خلال الصوت والفواصل الموسيقيّة في عدد من أهم القنوات عربياً، ما بصمة ليال في التأليف الموسيقي؟
بشكل عام ما يميّز موسيقاي هو إدخال الروح الشرقيّة مع الموسيقا الأوركستراليّة الغربيّة. فاستخدام الآلات الشرقيّة مثل القانون، والعود، لعزف ألحان ليست بالضرورة أن تكون شرقيّة. كما أقوم باستخدام صوتي على الكثير من أعمالي، فهو آلتي الأولى قبل البيانو، واستخدام صوتي يعطيني حريّة كبيرة بالتعبير عن اللحن والإحساس الذي أريده في القطعة. كما أن انفتاحي على ثقافات وموسيقا الشعوب العالميّة؛ تمكنني من إدخال روحها على القطع، لو لزم الأمر، كما في آخر عمل الذي ربحت عليه الجائزة، «slums of india» والذي كان يجب أن يعكس الروح الهنديّة من خلال الموسيقا.
إلى أي مدى تأتي خبرة العمل داعمة لموضوع التأليف الموسيقي؟ وما الاختلاف في موسيقاك الخاصّة ولاسيما أنك بدأت مبكراً فيها؟
عندما بدأت بتأليف الموسيقا للمسلسلات في سنة ٢٠١٢ كانت تجربة جديدة لي نوعا ما، فقبل ذلك كنت أكتب الموسيقا لمحطات التلفزيون، والبرامج والأفلام الوثائقية والإعلانات. كنت متحمسة بشكلٍ كبير لأنها تجربة مختلفة وبداية مشوار جديد لي ولموسيقاي. لن أنكر أنني كنت متوترة من هذا الموضوع، فهذا الإحساس طبيعي عندما نخوض تجربة جديدة في الحياة. وطبعاً مع مرور الوقت، وكتابة موسيقا لـ٩ مسلسلات وفيلمين طويلين حتى الآن أستطيع أن أقول إنني أصبحت واثقة ومتمكنة بشكلٍ أكبر من الموضوع بشكل عام. ولكن طبعاً كلّ مسلسل جديد هو بحدّ ذاته تجربة جديدة تأتي بالتحديات والدروس الخاصّة بها.
خصوصية العمل مع المخرج محمد خان. هل لك بالحديث عن ذكرى العمل والتواصل معه في فيلمه الأخير «قبل زحمة الصيف»؟
كان لي الشرف الكبير أن أعمل مع الأستاذ محمد خان رحمه الله، وخاصة أن هذا العمل كان آخر عمل له قبل رحيله. فهذا الموضوع جعلني أشعر بمسؤولية كبيرة تجاهه وتجاه العمل، وتمنيت أن أكون قد قدمت أحسن ما عندي وإعطاء الفيلم حقه وتحقيق ما كان في باله كمخرج. كانت التجربة بشكل عام ممتعة جداً وكان هناك تحد كبير للعمل على موسيقا الفيلم، وخاصة أن روح الفيلم كوميدية بشكل عام. كنت متوترة قليلاً عندما عرفت أنني سأعمل مع الأستاذ الكبير محمد خان لأنه مخرج مهم ومخضرم، لكنه كان لطيفاً جداً معي وأعطاني الحرية الكاملة لتقديم الموسيقا التي أراها مناسبة لروح الفيلم. طبعاً كان يبدي رأيه ويطلب التغييرات البسيطة بعض الأحيان. كما كان يقول لي «لا تخجلي، كوني جريئة»، وما كان يقصده من ذلك أن موسيقاي كانت تبدو خجولة أحياناً، والفيلم فيه بعض المشاهد الجريئة، وكان يريد من الموسيقا أن تعكس هذا الشيء.
عندما يبدأ الموسيقي بالصعود إلى العالمية هل سيمنح نفسه مزيداً من التأثر بثقافات الآخرين أم إن بصمة إبداعه ستضيف شيئاً متجددا للعالمية؟ مع أي منهما ليال اليوم؟ وما الانطباع السوري في بصمتك الخاصة؟
هذا الشي تابع للموسيقي نفسه، فهنالك موسيقيون لديهم القابلية والحب لاكتشاف الثقافات الأخرى والرغبة في إدخال هذا التأثير في موسيقاهم. أمّا البعض فلا. بالنسبة لي كنت دائماً أحب الاستماع إلى الألوان المختلفة من الموسيقا منذ صغري، ولاسيما الموسيقا الهندية الكلاسيكية، وذلك لكونها موسيقا غنية جداً وملأى بالمشاعر. طبعا العامل الذي يقرر إمكانية استخدام أي نوع من الموسيقا من أي ثقافة أخرى هو المشروع نفسه، فإذا كانت هذه رغبة المخرج أو رؤية الموسيقي، فهي تخدم قصة الفيلم، وطبعا لابد من ذلك. كما ذكرت سابقاً، ما يميز موسيقاي هو الدمج بين الموسيقا الشرقية والغربية، هذا الموضوع ليس بجديد ولكن كل موسيقي لديه روح معينة ومميزة تختلف عن غيره.
كيف تجدين اليوم إثبات الموسيقي السوري نفسه في المسارح التي رحل إليها ولاسيما في أوروبا وأميركا؟ هل تعتبرينها ظاهرة صحيّة؟
لا أعرف كيف الوضع للموسيقيين السوريين الذين رحلوا وتركوا البلد، ولكن أعرف شيئاً واحداً بأن الموضوع قد أثر سلبياً بالنسبة لإيجاد موسيقيين محترفين في سورية للتسجيل معهم. فمنذ بداية الأزمة أجد صعوبة في إيجاد بعض الموسيقيين المتخصصين في العزف على بعض الآلات. هذا الشيء مؤسف للغاية لأن سورية كانت دائماً معروفة بأنها واحدة من الوجهات القليلة في الوطن العربي التي تمتلك أسماء موسيقيين لديهم احترافيّة عالية.
لعلاقة الصوت البشري مع الموسيقا التصويريّة ارتباط محبوب ومرغوب لدى المتلقي. ما ميزة الصوت البشري الذي تفضلين أن يرافق موسيقاك؟
شخصياً أحب استخدام الصوت البشري كثيراً، كما ذكرت من قبل أنا استخدم صوتي كآلتي الأولى الأكثر تعبيراً عن اللحن والإحساس الذي أريده. ولكن كأي شي آخر، إنه سلاح ذو حدين، فاستخدام الصوت غير المناسب في المكان غير المناسب ممكن أن يؤثر سلباً في الموسيقا وليس العكس. وللأسف هذا يحدث في الكثير من الأحيان، حيث إن بعض الموسيقيين يعتقدون أنه بمجرد أنهم قرروا استخدام الصوت البشري فهم قاموا بإضافة شيء إيجابي إلى الموسيقا.
ما الجديد الذي تسعى ليال اليوم لإنجازه من موسيقا خاصة ومن موسيقا مرافقة لأعمال أخرى في السينما والتلفزيون وغيرها؟
أحرص دائماً على تقديم الجديد، وعدم تكرار نفسي، ولكن عادة العمل نفسه والمخرج هما اللذان يقرران اتجاه الموسيقا في المسلسل أو الفيلم. ولكن إن شاء الله سأحاول اختيار أعمال ذات طابع جديد ومبدع، وكالعادة هذا الشيء يؤثر في الموسيقا بشكل طبيعي. أما بالنسبة لأعمالي الخاصة، فأنا حالياً أعمل على ألبوم موسيقي خاص بي، وفي الوقت المناسب سأقوم ببيعه من خلال الانترنت.
تضيف الدراسات بأن الموسيقا الأولى ظهرت من سورية. ونعلم بأن المقامات في الموسيقا السورية انتشرت في كل أنحاء العالم. هل تفكر ليال في الربط بين عملها اليوم والإرث الإنساني السوري؟
من الطبيعي جداً وأنا ابنة سورية، بلد الموسيقا الأولى، أن أعمل على الربط بين ما أؤلفه اليوم وما هو موجود في الإرث السوري، ولكن حتماً أحتاج إلى أن أتعمق أكثر في هذا الإرث لكي أستطيع أن أوفيه حقه.
هل يمكن للموسيقا أن تحمل رسالة من السلام تؤثر في سامعها فتلغي العدوانية تجاه الآخر؟ كيف يمكن ذلك برأيك؟
طبعاً. لطالما كانت الموسيقا هي اللغة العالميّة التي يفهمها الجميع، ولها تأثير كبير في المستمع، سواء كان ذلك تأثيراً سلبياً (عدوانياً) أو إيجابياً. فالموسيقا محركة للمشاعر بشكل كبير، ولذلك عملية اختيار الموسيقا المناسبة في أي عمل، خطوة مهمة جداً في تحديد روح العمل بشكل عام، وتحديد الشعور الذي يراد من المشاهد أن يشعره عند المشاهدة.