قضايا وآراء

ساعة وأربعون دقيقة

| زياد حيدر 

يشكل الوقت الذي منحه السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد، لزميلنا رئيس تحرير «الوطن» وضاح عبد ربه، فرصة تأمل ربما للقائمين على رأس عملهم، في الدولة، وعلى أطرافها، مؤسسات وأشخاصاً، كي يعيدوا النظر بأهمية التركيز على الإعلام ولاسيما المحلي، وإعطائه فرصة خلف أخرى لكي يتميز، ويظهر باعتباره منبر تأثير، لا صندوق رسائل فقط.
وعلى الرغم من أن هذه الكمية من الدقائق، مع صحفي واحد، هي رهان من أعلى مستويات الدولة على دور الإعلام الخاص، وفي مقدمته المطبوع، الذي يناضل ليبقى موجوداً، ولكنه رغم قلة انتشاره كورق، يمتلك البدائل التي تجر الناس للاطلاع على نتاجه.
وليس الأمر معقداً جداً، لدمج وسائل الاتصال والإخبار بمصدر واحد، هو هنا الصحيفة المطبوعة بأعداد لا تتعدى بضعة آلاف، ليحقق أكبر انتشار ممكن، لعشرات ملايين المتابعين، بشكل يشبه الذي تحققه وكالة أنباء معروفة، أو تلفزيون واسع التأثير.
يكفي أن تعرف التوقيت، طبعا، وهو في حالة الحوار المذكور، توقيت على ساعة تقدم الجيش في حلب، وكان مقصوداً على الأرجح، كي تسمع كل الأطراف المعنية بهذه المعركة، وعبر وسيلة إعلام سورية محلية، أن هذه المعركة لن تنتهي سوى بالنصر، وأن هذا النصر سيغير في «قوانين اللعبة الدولية بشأن سورية».
هذا على المستوى الدولي والإقليمي، في الوقت الذي تتجلى أهمية إعلامنا المحلي أساساً على المستوى الداخلي، بقضاياه الكثيرة، المحظورة وغير المحظورة. ويجدر القول إن هذا الإعلام يشهد اندفاعة شباب، مقبلين على التجريب، ومتحمسين، وراغبين في كسر قيود كثيرة.
لذا كان مهماً، أن تبحث وسيلة مثل «الوطن» عن المواضيع التي تلامس اهتمام قرائها، وتثير فضولهم، فتسأل بعض أسئلتهم، التي تسأل في الشارع كل يوم، ولكنها لا تتعدى أرصفته. فقضايا التضخم المالي، والحالة الاقتصادية العامة لعموم الناس، والفساد الذي يتفاقم، وقضايا إعادة الإعمار التي تكثر فيها المطامع، وعدم انضباط كثر من المقاتلين، في الموضوع العسكري، تختلف عندما يتحدث عنها رأس الدولة، ويحاول تفنيدها، وشرح الطريقة التي تراها بها الدولة، بمجهر أوسع، وبمعايير زمنية مختلفة.
كما أن هذا الوقت، الذي منح للوسيلة، منح الإعلام موضوع الساعة دوماً مساحة للنقاش، حين تحدث الأسد، عن معوقات كثيرة تعوق تطوير هذا القطاع، والذي أرفق متابعاً أن حملة بدأت أخيراً لـ«تنظيفه». لكن مشكلته الأساسية تكمن كما ذكر في اللقاء، في العقلية المترسخة عبر عقود، في بنية هذا الإعلام، وهي عقلية كانت حتما تمنع لقاءً بين رئيس الدولة ووسيلة إعلام محلية، بل أيضاً كانت تمنع تماساً مشابهاً مع رئيس الحكومة أيضاً. كما أن العقلية ذاتها التي ربما نشهد علامات تغيرها كانت تعوق الوصول للمعلومة، ولا تزال نسبياً، كما تفرض خطابا تقليديا لا يقنع أحداً، ولا يترك وقعاً مؤثراً لدى متابعيه، ويتجنب القضايا الحساسة، ولعل أسوأ ما فيها أنها عقلية حاربت الابتكار وأسكنت القوالب الجامدة وقاومت تغييرها.
الساعة والأربعون دقيقة، هي وسيلة من وسائل كسر هذه العقلية، وإعطاء الإعلامي المحلي، والوسائل الوطنية أفقاً للتطوير، وللجرأة، والإحساس بالثقة بأن القضايا التي يبحثها المسـؤول في مكتبه، والتي يتداولها المواطن في بيته، هي القضايا ذاتها، تمثل ذات الوجع، وتسمح وسائل تمثيله الإعلامية، أن تنقلها وتناقشها بمصداقية وصراحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن